«عماد الدين».. شارع زمن الفن والعمارة

  • 12/16/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: الخليج لا أحد يعرف على وجه الدقة، التاريخ الحقيقي لشق هذا الشارع العتيق، الذي كان حتى خمسينات القرن الماضي، قبلة للفنانين والموسيقيين والباحثين عن الثقافة والمتعة، قبل أن يجري عليه ما جرى لشوارع وميادين عريقة في مصر من تشويه، لكن المؤكد أن تاريخ إنشائه يرجع إلى بدايات القرن الثامن عشر، عندما تولى محمد علي باشا حكم مصر، وأمر بشق الطرق لتسهيل حركة العابرين داخل العاصمة. يمتد شارع عماد الدين وسط القاهرة بطول يصل إلى 3 كيلومترات، بداية من ميدان رمسيس صاعداً نحو الجنوب باتجاه حي عابدين، عابراً لشارع 26 يوليو بوسط العاصمة، قبل أن ينتهي عند ميدان الأزبكية مصطفى كامل حالياً، وكان الميدان يسمى حتى مطلع القرن الماضي باسم ميدان سوارس نسبة إلى فليكس سوارس، مؤسس عائلة سوارس اليهودية التي أقامت في مصر خلال القرن الثامن عشر، وأسست أول شركة لنقل الركاب، وكان المصريون يطلقون على العربات التي تجرها الخيول، وصنعتها الشركة لاستخدامها في تنقلات أهالي القاهرة الداخلية اسم سوارس نسبة إلى تلك العائلة. عُرف شارع عماد الدين منذ بدايات تأسيسه بأنه شارع الفن في القاهرة، وأطلق عليه كثير من الكتاب والمثقفين في مطلع القرن الماضي اسم برودواي مصر نسبة إلى الشارع الأمريكي الشهير الذي يعد أحد أكبر شوارع الثقافة والترفيه في العالم، وربما يفسر ذلك أسماء عشرات الفنانين التي أطلقت لاحقاً على الشوارع الجانبية المتفرعة من الشارع، ومنها شارع زكريا أحمد وشارع سيد درويش، وشارع نجيب الريحاني. ويختلف كثير من المؤرخين بشأن سر تسمية الشارع، فمنهم من يقول إنه يرجع إلى أحد كبار الفتوات الذين كانوا يعملون في الشارع عند بداية تأسيسه، ويختص بحماية عشرات من المسارح والحانات التي أنشئت على امتداد الشارع، وقدمت لجمهورها مختلف ألوان الفنون والغناء، فيما يذهب آخرون إلى أن التسمية ترجع إلى ضريح لأحد الصالحين يوجد في الجزء الجنوبي من الشارع بالقرب من ميدان مصطفى كامل. يتميز شارع عماد الدين بأنه يجمع في معمار بناياته مختلف فنون العمارة الإيطالية التي ظهرت في مصر في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، الذي أنشأ ما يطلق عليه حتى اليوم العمارات الخديوية التي تشتهر بخاماتها الفريدة، خصوصاً الرخام المستخدم في بناء الأعمدة والسلالم، فضلاً على قطع القرميد التي تغطي النوافذ والشرفات. الدكتورة سهير زكي حواس، أوردت في كتابها القاهرة الخديوية قصة بناء هذا الشارع على يد أكثر من 24 مهندساً معمارياً كانوا في ذلك الوقت، من أشهر المعماريين في أوروبا، ومن بينهم المعماري النمساوي أنتينيو لاشياك، الذي صمم بنك مصر في عام 1927، إلى جانب العمارات الخديوية التي تتصدر الشارع من ناحية شارع 26 يوليو، ومن بعدها مبنى نادي ريسوتو في عام 1928، والكائن في ميدان مصطفى كامل، ونادي الأمراء بشارع نجيب الريحاني. وحتى وقت قريب كان شارع عماد الدين يضم عشرات من المسارح ودور العرض السينمائية، قبل أن تنزوي تلك الصروح الفنية، واحداً تلو الآخر، لتفسح المجال أمام عشرات من الشركات التجارية، ليهجر الفن الشارع الذي كان مقصداً للباحثين عن الثقافة والمتعة، لكن ذلك لم يمنع بقاء بعض دور السينما والمسارح على جانبي الشارع حتى اليوم. ويحكي الروائي المصري مكاوي سعيد، جانباً من تاريخ هذا الشارع الذي استعدى علماء ورجال دين في الزمان الغابر، ويقول: حين عرض الممثل عزيز عيد رواية على مسرح (كازينو دي باري) باسم (حنجل بويا)، وكانت منافية للأخلاق والدين، ثار عليه الجميع فأوقف عرضها من فوره. اشتهر شارع عماد الدين في وقت من الأوقات باسم شارع الغرام، إذ كان يجتمع في مسارحه وملاهيه أبناء الذوات، الذين يأتون إليه بحثاً عن قصص الغرام، مع نجمات الكازينوهات من المطربات، ويقول سعيد: كان إذا تعلق قلب أحدهم بواحدة، ظهر له منافسون كثيرون، فيكوّن له عصابة من الفتوات يسيرون في ركابه، للدفاع عنه أمام منافسيه، ومن هنا كثرت مذابح الغرام في الشارع. شهد شارع عماد الدين بدايات ظهور السينما، حيث عرضت في دور العرض التي انتشرت على جانبيه، العديد من أفلام السينما في بداياتها الأولى، قبل أن تخفت أضواء الثقافة فيه مع بداية الحرب العالمية الثانية، ليتحول العديد من مسارحه إلى ملاه، التهمت عدداً كبيراً منها النيران مع حريق القاهرة في عام 1952، قبل أن تلتهمها فيما بعد نيران التأميم الذي طال عدداً آخر منها كان مملوكاً للأجانب. لا يضم شارع عماد الدين اليوم إلا مسرحاً واحداً، لا يزال مفتوحاً للجمهور، وهو مسرح الريحاني إلى جانب نحو 5 دور للعرض السينمائي، تحتل إحداها المكان الذي كان يعج في الزمان الغابر، بعلية القوم من أثرياء مصر وبعض أمراء الشرق، وهو كازينو دي باري الذي أنشأته الفرنسية مارسيل واستقدمت له أشهر الفرق الاستعراضية من أوروبا، وأجمل الراقصات الفرنسيات، وشهد هذا الكازينو في وقت لاحق ظهور عدد من أساطير الغناء والفن، مثل الشيخ سلامة حجازي وجورج أبيض، والمطربة الكبيرة منيرة المهدية، ثم الفنان الكبير الراحل علي الكسار، الذي شهد الشارع مولده بمسرحية حسن أبو علي سرق المعزة.

مشاركة :