بعد خمسة عشر عامًا على وفاة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، فشل تحقيق أجرته محكمة شكلتها الأمم المتحدة في إدانة ثلاثة من المتهمين الأربعة، وتمت إدانة واحد فقط هو سليم عياش، وجميعهم ينتمون إلى حزب الله المصنف على مستوى دولي منظمة إرهابية. وكان رد الفعل الفوري والواسع النطاق من قِبَل المراقبين والمعلقين في الغرب على الحكم الصادر انعكاسا لخيبة أمل شديدة، وأنه لم يكن أكثر من مجرد تقليد ضعيف لما كان ينبغي أن يكون. ومن أبرز الانتقادات المتزايدة أن التحقيق فشل في الإجابة عن أي من الأسئلة الرئيسية المحيطة بعملية الاغتيال، وصولاً إلى المخاوف من أن نتائجه ستكون بمثابة ضربة قاصمة للجوء مستقبلاً لأي تحقيقات دولية مماثلة؛ للبت في مثل هذه النوعية من القضايا.كانت أكثر الأمور إحباطا، بالنسبة للكُتّاب ولما نشرته وسائل الإعلام الغربية، أن المحكمة فشلت في تحديد المسؤولين عن جريمة الاغتيال، وأخفق قرار المحكمة بشأن عدم وجود أدلة كافية لربط حزب الله أو الحكومة السورية بالحادث بشكل مباشر في إرضاء المنتقدين. وكتبت مارليز سيمونز وبن هوبارد، من صحيفة نيويورك تايمز، أن الحكم ترك لبنان «بدون إحساس بإنهاء هذا الملف» و«فشل في الإجابة حتى على السؤال الأكثر أهمية هو: من أمر بالقتل؟»، كما انتقدت ريبيكا كولارد، من مجلة فورين بوليسي، قرار المحكمة، وقالت: «رغم الوقت الطويل والمال الذي أُنفق على هذه القضية، والذي وصل إلى قرابة البليون دولار لم تستطع المحكمة تحديد من أمر بالقتل».وفي الوقت نفسه، وصف نيكولاس بلانفورد من المجلس الأطلسي أن التحقيق الذي دام خمسة عشر عامًا قد انتهى مع قليل من «التذمر». وأضاف مايكل يونغ، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أن نتيجة الحكم «تبدو كأنها مجرد حاشية في كتاب لم يعد يُطبع». أما نديم حوري، من مبادرة الإصلاح العربي، التي تتخذ من باريس مقرا لها، فقد توسع في هذا الأمر بالقول إن الحكم «نتيجة غير مُرضية للغاية؛ لأن الأسئلة الأساسية تُركت من دون إجابة» وبالتالي «سيستمر تقسيم اللبنانيين».وتذهب جُمانة قدور، من المجلس الأطلسي، إلى أبعد من زملائها، في التصريح بأن حكم المحكمة الخاصة بلبنان «لا صلة له بالموضوع»، وأنه «ليس مفاجئا» أن المسؤولين عن الاغتيال «هربوا من دون عواقب». كما انتقدت ليز سلاي، من صحيفة واشنطن بوست، التحقيق قائلة: «بسبب فشله في تحديد اللاعبين السياسيين الذين يقفون وراء الاغتيال، فشلت المحكمة في تحقيق هدفها المتمثل في إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب، التي سمحت للعنف السياسي بالازدهار من دون رادع في لبنان لسنوات».ولا غرابة في أن رفض المحكمة إعلان إدانة حزب الله بالتورط المباشر في الاغتيال فتح الباب للتشكيك في قدراتها التحقيقية. ويعلق ويليام وشسلر، من المجلس الأطلسي، قائلاً: «اختارت المحكمة الخاصة إنهاء عملها بعد أكثر من عقد من الزمن من دون الإجابة عن سؤال من المسؤول النهائي عن اغتيال رفيق الحريري»، وأنه «لا يتطلب الأمر عقلاً تآمريًّا للشك فيما إذا كانت العدالة قد تحققت من خلال إغلاق القضية بعد العثور على أدلة لإدانة عنصر واحد فقط من حزب الله - والذي بالطبع لن يواجه هو نفسه أي عواقب شخصية».ويضيف وشسلر أنه «يمكننا أن نكون على ثقة بأن الحكم ليس نتيجة انعدام الكفاءة ببساطة»، بل هو «جهد متضافر لعرقلة العدالة عبر التخويف والتهديد والاغتيالات». وكانت مها يحيى، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أكثر حدة في انتقادها للحكم، مشيرة إلى ما يلي: «بالنسبة للعديد من الناس، سيكون هذا الحكم بمثابة تأخير للعدالة، وإنكار لها.. خلاصة القول، لن يتم تحميل أي شخص المسؤولية عن جريمة كانت تهدف، على حد تعبير القضاة، إلى زعزعة استقرار لبنان».وبالإضافة إلى هذه المخاوف بشأن عدم قدرة التحقيق على إثبات وجود صلة مباشرة بين حزب الله واغتيال الحريري، هناك استياء داخل المنظمات ووسائل الإعلام الغربية من أن التحقيق ليس له تأثير يذكر على لبنان، على الرغم من الوعد الذي قدمه القائمون على التحقيق بمحاسبة الجهات المعادية. وبالتالي فإن النتيجة غير الحاسمة للمحكمة تبطل ما وصفه مارتن تشولوف، من صحيفة الغارديان، بأنه «لحظة فاصلة مرتقبة في حياة لبنان» وما وصفه المحامي الدولي بنيامين دور بـ«لحظة ختامية» مرتقبة.بطبيعة الحال، ركزت التحليلات أيضًا على ما إذا كان الحكم سيؤثر على نفوذ حزب الله داخل لبنان أم لا، ويبدو أن المعلقين الغربيين منقسمون بشأن ما إذا كانت النتيجة ستدعم أم تعرقل جماعة حزب الله المسلحة.ويزعم بيل تريو، من صحيفة «الإندبندنت»، أن «حقيقة أن المحكمة بدت وكأنها تستبعد صراحة وبشكل قاطع الأدلة التي تربط قيادة حزب الله بالجريمة كانت أخبارًا جيدة للجماعة المدعومة من إيران». وتضيف جمانة قدور أن الحكم «أصدر عدة تصريحات تبرئ قادة حزب الله»، الأمر الذي يوفر للجماعة «سياسة إنكار معقولة» لمقتل الحريري.ويوضح وشسلر أنه نظرًا إلى أن «حزب الله أمضى عقودًا في العمل لإضعاف الدولة اللبنانية والسيطرة على النظام السياسي والاقتصاد اللبناني»، فقد تمكنت الجماعة المسلحة من تجنب العواقب المترتبة على أفعالها، ومع ذلك، فهو لا يرى هذا أنه نهاية الأمر، لكنه يعتقد بدلاً من ذلك أنه «من المنطقي» الآن أن «يبدأ الشعب اللبناني وبقية العالم في إخضاع حزب الله للمحاسبة».ويؤكد نيكولاس بلانفورد أن حكم المحكمة أضعف حزب الله، ويقول إن «مغزى الحكم» يدين «ضابطا كبيرًا في حزب الله»، وأنه على الرغم من عدم إثبات تورط قادة حزب الله أو النظام السوري بشكل مباشر، «فالاستقراء الطبيعي للحكم هو أن حزب الله أو عناصر التنظيم خططوا ونفذوا الاغتيال». ويرى جيريمي باوين، محرر قسم الشرق الأوسط في شبكة بي بي سي، أن «الحكم أعطى سعد الحريري، رئيس الوزراء السابق الذي قد يحصل على المنصب مرة أخرى، أداة نفوذ لاستخدامها ضد حزب الله»، مشيرًا إلى أنه على الرغم من افتقار المحكمة إلى الأدلة، إلا أن «إدانة رجل من حزب الله ستغذي الأجواء السياسية المحمومة في لبنان».وينظر العديد من الخبراء إلى النتائج المحدودة للمحكمة على أنها تبدد الآمال في أن إصدار حكم أوسع كان سيوفر الأمل في إحداث إصلاحات سياسية في لبنان. ويقر جاريد مالسين، من صحيفة وول ستريت جورنال، بأنه بعد إصدار الحكم «يتوقع القليل أن يغير الحكم بشكل كبير المشهد السياسي في لبنان»، وكتبت ريبيكا كولارد، من مجلة فورين بوليسي، أن «القرار احتوى على الجرعة المناسبة من الغموض لجميع الأطراف للبحث عمن تلقي باللوم عليه».بالإضافة إلى نقد حكم المحكمة، كانت هناك أيضًا انتقادات لمسار التحقيق نفسه ركزت في الغالب على الطبيعة المُطوّلَة والمكلفة للتحقيق، وخاصة بالنظر إلى أنه قد قدّم الآن نتيجة مخيبة للآمال تمامًا. وبالنسبة إلى بلانفورد، فإن الإطار الزمني الممتد للتحقيق الدولي يعني أن «تأثير حادث اغتيال الحريري» قد «تبدد بمرور الوقت»، حيث غمرت البلاد قضايا أخرى. وبالاتفاق مع وجهة النظر هذه، كتبت مارليز سيمونز وبن هوبارد، من صحيفة نيويورك تايمز، أنه «مع استمرار التحقيق وجلسات الاستماع»، «تلاشت عملية القتل، وأصبحت جزءا من الماضي».وطعن كامبل ماكديارميد، من صحيفة التلغراف، في كفاءة التحقيق، نظرًا إلى أنه لم يتمكن من التوصل إلى نتيجة قوية «حتى بعد الاستماع إلى 297 شاهدًا على مدى 415 يومًا من الجلسات منذ عام 2014». ومع وضع هذه الإخفاقات العديدة في الاعتبار، تخلص قدور إلى أنه «على الرغم من النوايا الحسنة للمجتمع الدولي»، فقد فشل التحقيق بشكل كبير في تحقيق العدالة، وسمح فقط لحزب الله «بمواصلة عملية التآكل البطيء للدولة اللبنانية من الداخل».والنتيجة المتوقعة لعدم توصل التحقيق إلى نتيجة حاسمة بين المراقبين هو أنه سيكون هناك الآن تساؤل متجدد عما إذا كانت التحقيقات الدولية فعالة حقا في إصدار أحكام في مثل هذه الأحداث البارزة والمثيرة للجدل مستقبلاً. ويشير مارك ستون، مراسل الشرق الأوسط في شبكة سكاي نيوز، إلى أن «هذا الحكم ستكون له تداعيات على كل من لبنان وسمعة المحاكم الدولية الخاصة والمُكلفة»، وأضاف نديم حوري، من مبادرة الإصلاح العربي، التي تتخذ من باريس مقرا لها، أن «التحقيق الدولي لم يتمكن من حل القضية»، وبالتالي كان هناك «الكثير من الانتقادات لدوره». وقد يتجلى هذا التأثير قريبا في لبنان مرة أخرى، حيث تقلل الطبيعة غير الحاسمة لهذا التحقيق من احتمالية إجراء تحقيق مماثل في الانفجار الأخير في بيروت، وفقًا لراندا سليم، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، التي استشهدت بالمعارضة العلنية لمثل هذه الخطوة من قِبَل الرئيس اللبناني، وذكرت أن حكم المحكمة «يعزز الحجة التي يقدمها المعارضون، بمن فيهم عون، بأن التحقيق على هذا النحو ليس مضمونا».في النهاية يبدو أن الشعور باليأس وخيبة الأمل هو أنسب وصف لرد الفعل الغربي على نتائج المحكمة الخاصة بلبنان، فلقد ترك طول التحقيق وحجمه العديد من المعلقين في حيرة من أمرهم بالنظر إلى النتيجة النهائية التي تبدو واهية، حيث أدانت شخصًا واحدًا فقط، وفشلت في إثبات تورط سوريا أو حزب الله. وعلى الرغم من أن إدانة عضو في حزب الله بالتورط في عملية الاغتيال، فإنه من غير المرجح أن يُعاقَب، فضلا عن تبرئة ثلاثة أعضاء آخرين من الحزب نفسه. ومن وجهة النظر الواسعة لوسائل الإعلام الغربية والخبراء، يترك هذا الوضع العديد من الأسئلة من دون إجابة أمام الشعب اللبناني مع احتمال حدوث مزيد من الاضطرابات داخل البلاد، فضلا عن أن إجراء تحقيقات دولية في الحوادث الكبرى مستقبلاً أصبحت مهددة، ويبقى أن نرى ماذا سيعني الحكم بالنسبة للبنان وسط مجموعة من الأزمات المتصاعدة والملحة بلا نهاية تلوح في الأفق.
مشاركة :