خاف العراقيون من داعش فطعنهم السيستاني بفتواه | فاروق يوسف | صحيفة العرب

  • 8/24/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ما الذي ربحه العراقيون من فتوى إمام الطائفة الشيعية علي السيستاني التي اكتسبت الميليشيات بموجبها طابعا شرعيا؟ لقد تأسس الحشد الشعبي بناء على تلك الفتوى عام 2014 التي لم تتضمن أي إشارة إلى أسباب الهزيمة التي مني بها الجيش العراقي يومها وتسببت تلك الهزيمة بسقوط مدينة الموصل في قبضة التنظيم الإرهابي “داعش”. بدت تلك الفتوى كما لو أن صاحبها لم يعد يأتمن مصير العراق بأيدي القوات المسلحة فقرر أن يضعه بين أيدي مقاتلي الميليشيات الذين سبق لهم وأن ارتكبوا مجازر عديدة في حق العراقيين في مناسبات مختلفة. ولكن كيف يمكن لرجل دين لا يفهم شيئا في الخطط والتعبئة العسكرية أن يملي على الدولة ما يجب أن تقوم به تفاديا لوقوع هزيمة لاحقة قد تؤدي إلى سقوط بغداد؟ يكمن السر في ذلك أن مكونات النظام السياسي في العراق كلها دينية بعمق طائفي وهي تدين بالولاء للمرجعية الدينية أكثر من ولائها للوطن أو الدولة التي يعتقد الكثيرون من أفراد الطبقة السياسية الحاكمة أنها يجب أن تتخلى عن طابعها المدني لتكون دولة دينية خالصة. كان قرار السيستاني الذي وهب للميليشيات شرعية دينية هو خروج على القانون الذي قامت على أساسه الدولة العراقية منذ تأسيسها في عشرينات القرن. وكان ذلك القرار بداية لكي تحل الميليشيات التي اجتمعت تحت غطاء ما سمي بالحشد الشعبي محل الجيش العراقي الذي صار عنوانا للهزيمة. أُجبرت الدول العراقية يومها على أن تخترع قوانين غير دستورية لتكون ميليشيات هي عبارة عن تنظيمات غير قانونية جزءا من قواتها المسلحة، بل الجزء الذي يحظى برعاية واهتمام غير مسبوقين. لقد تم الإيحاء بأن الحشد الشعبي الذي أضفيت عليه صفات القداسة هو تنظيم جديد تشكل بعد استجابة المواطنين الشيعة لنداء مرجعيتهم الحكيمة من أجل الدفاع عن أضرحة أئمتهم الطاهرين. كانت تلك كذبة ستفضحها الوقائع في وقت قصير. لم يكن ذلك الحشد سوى تجميع لميليشيات طائفية كانت عاملة على الأرض منذ الأيام الأولى للاحتلال الأميركي. لم تظهر تلك الميليشيات لدواع وطنية بل كانت عبارة عن عصابات طائفية دخل بعضها من إيران بعلم سلطة الاحتلال أما البعض الآخر فإنه تشكل من اللصوص وقطاع الطرق بعد أن عمت الفوضى أرجاء العراق بسبب سقوط النظام وقرار سلطة الاحتلال إيقاف العمل بالقوانين العراقية وحل الجيش والأجهزة الأمنية ومن ثم إلغاء الدولة العراقية. ألم يكن السيستاني وهو رجل دين إيراني مقيم في العراق منذ سنوات طويلة على علم بحقيقة تلك الميليشيات؟ كان الرجل الصامت على علم بكل شيء. فمؤسسته تملك في العراق ما لا تملكه أكبر المؤسسات العلمية في العالم. لذلك فإنه على احتكاك بما كان يشهده العراق إضافة إلى أنه سبق وأن أبدى وجهات نظر خطيرة في مسائل تتعلق بالمحتل والدستور والانتخابات وأيضا كانت له لقاءات غامضة بممثلي الاحتلال وأطراف من الطبقة السياسية الحاكمة. لذلك يمكن القول إن السيستاني وجد في الهزيمة التي صنعها نوري المالكي مناسبة لتسليم مصير العراق إلى ميليشيات تابعة لإيران بالرغم من أن البعض منها ينادي بمرجعية خامنئي على حساب مرجعيته. حرب المرجعيات هي الأخرى يمكن التغاضي عنها إذا ما تعلق الأمر بالهيمنة الإيرانية على العراق. ما يهم هنا أن الحشد الشعبي كان طعنة للدولة العراقية. فالميليشيات صارت من خلاله تمارس عملياتها في السرقة والقتل والاختطاف والتعذيب والاغتصاب والإذلال علنا من غير أن تخشى أن يتعقبها قانون ما ويعاقبها. ذلك ما ربحه العراقيون من فتوى المرجعية التي لا تشعر بالإهانة حين تصلها أنباء الاغتيالات التي يتعرض لها الناشطون السلميون. لقد أنتج الخوف من داعش تنظيما شيعيا هو أشد خطورة منه على حياة العراقيين.

مشاركة :