تونس - تواجه الحكومة المقترحة لرئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي مصيرا مجهولا قبل ساعات من عرضها على الرئيس والرأي العام تمهيدا للتصويت عليها في البرلمان، بسبب الخلاف حول استبعاد الأحزاب من تركيبتها. وبدأت حسابات منح الثقة لهذا التشكيل الحكومي تتعقد، بما يشير إلى أن ما روج له سابقا من أنها في طريق مفتوح لنيل الثقة تحت تهديد حل البرلمان غير مؤكد، ويعكس مخاوف حقيقية من وجود نوايا بإسقاطها والذهاب إلى انتخابات جديدة سابقة لأوانها. ويبدو أن همّة حركة النهضة الإسلامية قد استقرّت على إسقاط حكومة المشيشي، لأسباب عديدة أهمها أنها لن تقبل بإخراجها من السلطة والحكم لأنها ترى في خروجها موتا سريريا مؤكدا. وتشير مصادر مطلعة إلى أن الحركة الإسلامية التي كانت أعلنت رفضها منذ البداية لـ"حكومة تكنوقراط" المستقلة، تبحث عن إقناع بعض الأطراف بهذا التوجه من ضمنها رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ الذي ما يزال يرفض التنحي وتسليم السلطة، وأيضا أحزاب الحكم الحالية والتي تعتبر وجودها في السلطة مسألة حياة أو موت وهي لذلك تطالب بحكومة حزبية ومنها "التيّار الديمقراطي" و"تحيا تونس". أما الحزب الثاني "قلب تونس" فلم يعترض صراحة على حكومة الكفاءات المستقلة غير أنه يعارض سياسة المشيشي ومن ورائه الرئيس قيس سعيد، في كيفية إدارة الأمور والمشاورات. وقال حزب التيار الديمقراطي، القوة الثالثة في البرلمان، إنه لن يمنح الثقة للحكومة المقترحة لتغييبها الأحزاب. وجاء في بيان له عقب اجتماعه الوطني "إنه ينبه إلى خطورة هذا التمشي الذي يشكل استهدافا للتجربة الديمقراطية الناشئة وتغييبا لدور الأحزاب السياسية التي تمثل النواة الأساسية للأنظمة الديمقراطية وتعديا على إرادة الناخبين". كما أكد قياديون في "ائتلاف الكرامة" المحافظ الذي حل رابعا في الانتخابات التشريعية، أنهم لن يمنحوا الثقة للحكومة، ويتهم النائب عن الائتلاف يسري الدالي الرئيس سعيد أنه من أملى الحكومة على هشام المشيشي. وأكد الحزب الدستوري الحر أن موقفه النهائي والرسمي من حكومة هشام المشيشي سيتحدد بعد الإطلاع على التركيبة، وأن إمكانية منحها الثقة مشروط بضرورة عدم تضمنها لأسماء محسوبة على حركة النهضة. وحظي المشيشي حتى الآن بدعم حزب حركة الشعب (15 نائبا)، وكتلة تحيا تونس (10 نواب) وكتلة الإصلاح الوطني (16 نائبا) وكتلة المستقبل (9 نواب)، والكتلة الوطنية (11 نائبا) وفق تصريحات رؤسائها بعد لقاءاتهم برئيس الحكومة المكلف. وهو ما يعني أن هذه الحكومة تحظى نظريا، إلى حد الآن، بـ88 صوتا، وإذا انضمت إليها أصوات غير المنتمين لكتل (17 نائبا) والدستوري الحر فيمكن أن تحظى بالأغلبية الضرورية التي تحتاجها لمنح الثقة، أي 109 أصوات على الأقل. لكن الأحزاب الرافضة لحكومة المشيشي قد تخاطر بتمثيليتها البرلمانية لأن الدستور يمنح الحق للرئيس في حال لم تحصل الحكومة على الثقة، بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وكان الرئيس قيس سعيد قد كلف المشيشي وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة قبل نحو شهر بتكوين حكومة جديدة، ستكون مبدئيا بمثابة الفرصة الأخيرة لإنقاذ انتخابات 2019 والبرلمان المنبثق عنها. ويتوقع الإعلان عن الحكومة،الاثنين أو غدا الثلاثاء،الذي يوافق انتهاء المهلة المخصصة للمشاورات، حسب الدستور. وفوتت الأحزاب الأولى على نفسها فرصة إرساء استقرار حكومي بسقوط الحكومة المقترحة الأولى في تصويت لنيل الثقة في البرلمان في يناير الماضي بعد استنفاد حزب الأغلبية الآجال الدستورية الممكنة، لتنتقل المبادرة السياسية إلى الرئيس قيس سعيد الذي رشح للمرة الثانية شخصية بعيدة عن البرلمان لتشكيل حكومة بعد رئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ. وكثيرا ما وجه الرئيس قيس سعيد انتقادات للأحزاب والبرلمان وصلت حتى الإفصاح برغبته في مراجعة "الشرعية القائمة"، في تلميح ضمني بتعديل النظام السياسي البرلماني الحالي. وصدم المشيشي وهو شخصية قادمة من الإدارة التونسية، الأحزاب بإعلانه في وقت سابق بأنه سيعمل على تكوين حكومة تكنوقراط بدعوى الافتقاد إلى التوافق والتجانس السياسي بين الأحزاب الممثلة في البرلمان. كما أوضح أن حكومته ستكون "حكومة إنقاذ" للاقتصاد الذي يتخبط في أزمة خانقة، حيث توقعت الحكومة المستقيلة نسبة انكماش في حدود 7 بالمئة هذا العام. ولكن خيار المشيشي أوجد ردود فعل متباينة، جعل الأغلبية المطلقة (109 أصوات) التي يحتاجها قبل الذهاب إلى التصويت في البرلمان غير مضمونة.
مشاركة :