أعرب سفير السودان لدى الكويت محيي الدين سالم عن تطلع بلاده إلى شراكة رباعية تشمل شراكة كويتية - سودانية مع تعاون عربي أو آسيوي أو أوروبي أو أميركي، لتنمية الاستثمارات بعد أن خسرت نحو ثلاثة أرباع مواردها النفطية إثر انفصال الجنوب. ورغم أن نظامهم يحكم بالشريعة الاسلامية وأنهم دعاة وسطية، أكد السفير سالم خلال حواره مع «الراي» أن «مجموعات الغلو الديني ترى فيهم خطرا عليهم أكثر من الكفار»، مشيرا إلى أن «هذا أحد أسباب تأييد الشعب السوداني لرئيسه بشكل كبير واعلانه صراحة وقوفه في التحالف العربي ضد التطرف والارهاب الذي حدث في اليمن من خلال المشاركة في عاصفة الحزم». وبين أن «مواجهة جماعات الغلو الديني والارهابيين تتم عن طريق وسيلتين: الاولى الحزم والوحدة العربية والتعاون المشترك بين دولنا، والاخرى تكون عبر مفكرينا ووسائل اعلامنا ومناهجنا الدراسية لرفع الوعي لدى الشعوب وتعريفهم بضرورة التعايش السلمي وطاعة ولي الامر وفق ما ينص عليه ديننا الحنيف». وتطرق سالم إلى قرار غلق المستشارية الثقافية الايرانية ومراكزها في السودان «عندما بدأت بالخروج عن خطها وانتهجت الدعوة للتشيع في مخالفة للدساتير العالمية والاعراف الديبلوماسية»، كما تطرق للعديد من القضايا الاقليمية، وهو ما يتضح من الحوار التالي: ● بعد قضاء ثلاثة أشهر في الكويت، ما خطتكم لتعزيز التعاون الكويتي-السوداني؟ - هناك خط مرصود للخارجية السودانية ولدينا رؤى محددة في اطار علاقتنا العربية وكل بلد له خصائص في التعاون الثنائي، وعلاقاتنا مع الكويت طويلة منذ استقلال الكويت عام 1961، ومنذ عهد الرئيس عبود وبعده النميري دخلت الكويت في شراكات عديدة في مصانع بالسودان في جميع المجالات، وهذا ما جعل للكويت أفضلية لتعزيز وتطوير علاقاتنا معهم، وعلى الجانب السياسي فعلاقاتنا ممتازة ولكن هناك حاجة للتركيز على الجانب الاقتصادي. ● كم يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين؟ - حجم التبادل التجاري دون الطموح كثيرا ولكن في مجالات الاستثمار، فهناك شراكات كثيرة بين البلدين نظرا للتسهيلات التي قدمها السودان للمستثمرين الأجانب وبالذات للكويت ودول الخليج. وأشير هنا إلى ان اول قرض من الصندوق الكويتي بعد انشائه كان للسودان وكان في قطاع سكة حديد (بنية تحتية) ثم تواصل التعاون في مشروعات ضخمة كمشروع سكر كنانة وشركة الفنادق السودانية - الكويتية وسد مروي وشركة الاتصالات زين ومستشفى الصباح والدعم الإنساني والخيري. وكانت الاجتماعات التي جرت أخيراً من خلال اللجنة الوزارية المشتركة التي انعقدت بالكويت في 10 فبراير من هذا العام والاتفاقيات الموقعة بين البلدين والتي تغطي كافة مناحي التعاون المشترك تؤطر لحركتنا الثنائية في الاتجاهين، علاوة على ذلك فاننا نهدف ايضا ونتطلع الى تعزيز عملنا الثنائي المشترك باستيعاب شراكات خارجية ثلاثية او رباعية الاضلاع، بمعنى ان تكون شراكة كويتية - سودانية مع تعاون عربي أو آسيوي أو أوروبي أو أميركي. وهناك زيارات ولقاءات جرت بين كبار المسؤولين في البلدين على هامش اجتماعات الصناديق العربية لتطوير التبادل التجاري. ● كم يبلغ عدد الجالية السودانية في الكويت وما أهم المشاكل التي تواجههم؟ - جاليتنا في الكويت صغيرة لا تتجاوز الـ7000 سوداني ولا توجد لديها مشاكل تذكر سوى مع بعض التعاقدات الفردية لبعض العمال، ولدينا تعاون جيد مع وزارة الشؤون وتواصل مع هذه الشركات وهناك تجاوب مستمر من هذه الشركات لحل اي اشكالات ونحن نقدر ذلك كثيرا ولله الحمد لا يوجد اي تقرير جنائي في الكويت لاي من جاليتنا، ونحن دائما ندعو جاليتنا لاحترام تقاليد البلد المضيف وان يكونوا ضيوفا خفيفي الظل. ● ماذا عن شروط التأشيرة للكويتيين؟ - الشروط سهلة جدا وتمنح للكويتي خلال ساعات دون الرجوع للخرطوم فلدينا توجيهات واضحة من سلطاتنا بالتسهيل على الكويتيين الراغبين في زيارة السودان وحاليا بدأنا باعطاء رجال الأعمال التأشيرات متعددة السفرات لستة أشهر ومدة عام، وهناك ترتيبات ستتم قريبا لتكون التأشيرة الكترونياً للتسهيل على الكويتيين، وقد لاحظنا هذا العام ارتفاع كبير في عدد الكويتيين الذين يرغبون في زيارة السودان بهدف استكشاف الفرص الاستثمارية المتاحة لهم هناك، ونحن نعمل حاليا على استضافة ملتقى لغرفتي التجارة بين البلدين للقاء المستثمرين الكويتيين الذين استثمروا في السودان للحديث عن تجربتهم وملاحظاتهم على التطبيق الفعلي لقانون تنشيط الاستثمار في السودان حتى نتمكن من تحسين وسائل جذب الاستثمارات. ● ماذا عن خطوط الطيران المباشر للسودان؟ - للاسف اوقفت الخطوط الكويتية رحلاتها للسودان وايضا الخطوط السودانية لاسباب متعلقة بالشركتين ولكن الآن هناك شركة طيران جديدة في السودان ستسير خطوطا مباشرة للكويت ولكن حاليا السفر يتم عن طريق دبي او الدوحة او القاهرة. ● رئيس الوزراء السوداني السابق الصادق المهدي قال ان السودان يعتبر من أكثر خمس دول فسادا في العالم فما رأيك؟ - الذي تابع خطاب الرئيس خلال تنصيبه أمام البرلمان وبحضور زعماء عرب وافارقة لعله لاحظ تركيز الرئيس خلال خطابه على هذه النقطة بصورة واضحة جدا واعلن انه سينشئ لجنة لمكافحة الفساد في الدولة عموما وستتبع رئاسة الجمهورية ولها سلطات واسعة. ● ماذا عن حرية الرأي في السودان وإغلاق بعض الصحف؟ - حرية الرأي في السودان ممتازة نسبيا، وبالنسبة للصحف الاربعة التي تم اغلاقها فهناك مجلس للصحافة والاعلام يرأسه صحافيون وهناك قوانين تحكم عملهم ولدينا كم كبير من الصحف اليومية تصل الى سبعين صحيفة على الرغم من عدد سكان السودان بحدود الـ30 مليون، وهناك مواقع الكترونية ايضا كثيرة وفضائيات مفتوحة ولم يعد حظر النشر ممكنا فلدينا في السودان أقوى واسرع خدمة للانترنت على مستوى القارة الافريقية مما سهل التواصل وصعبت امكانية الحظر بالطريقة التقليدية، اذا قرأت الصحف السودانية تجد فيها أحيانا نقدا للحكومة السودانية من رأسها حتى أخمص قدميها دون الاساءة للأشخاص. ● ما مدى تأثير انفصال الجنوب على السودان اقتصاديا؟ - لا أخفيك أننا وبعد انفصال الجنوب وخروج حوالي 75 في المئة من مناطق انتاج البترول من أراضينا تعرض اقتصادنا لهزة عنيفة وقمنا ببرنامج ثلاثي للتخفيف من حدة هذه الصدمة ودخلنا حاليا في مرحلة جديدة وهي البرنامج الخماسي والذي يركز على ايجاد الضمانات الحقيقية للمستثمرين وكان لنا حديث مع البنوك الكويتية من أجل ان تكون جميع الاستثمارات أكثر أمنا. ونحن نستهدف حاليا القطاع الخاص ومن أوائل الزيارات التي تشرفت بها لدى قدومي للكويت كانت مع المرحوم جاسم الخرافي الذي نذكره منذ السبعينيات عندما كان وزيرا للمالية الكويتية وتمت على يده الكثير من المشروعات التي نفتخر بها. وأنا دائما أقولها لجميع رجال الأعمال اننا في السودان نتجمل كأجمل بنت لجذب المستثمر العربي، والمستثمر العربي هو المفضل عندنا لأنه يكون بغرض العاطفة والاحساس العربي بضرورة اعانة هذا البلد المظلوم دوليا بدرجة أكبر من غرض الربحية الكبيرة. ● ما الحل في نظرك لما تمر به منطقتنا والعالم من احداث وانتشار للجماعات الارهابية؟ - نحن معنيون جدا بموضوع الارهاب ويقف قريبا جدا من حدودنا عبر ليبيا او بوكو حرام التي تغلغلت ووصلت لافريقيا الوسطى، وعلى الرغم من ان نظامنا يعمل بالشريعة الاسلامية فان مجموعات الغلو الديني ترى فينا خطرا عليها اكثر من الكفار ولذلك يصنفوننا بأصناف سيئة جدا لاننا دعاة للوسطية، وكان هذا احد اسباب تأييد الشعب السوداني لرئيسه بشكل كبير وقد أعلنها صراحة وقوفه في التحالف العربي ضد التطرف والارهاب الذي حدث في اليمن من خلال المشاركة في عاصفة الحزم، ونرى ان مواجهة جماعات الغلو الديني والارهابيين تتم عن طريق وسيلتين الاولى هي الحزم والوحدة العربية والتعاون المشترك بين دولنا لمواجهة هذا العنف والوسيلة الاخرى تكون عبر مفكرينا ووسائل اعلامنا ومناهجنا الدراسية ينبغي ان تكون لديها رؤى مشتركة لرفع الوعي لدى شعوبنا وتعريفهم بضرورة التعايش السلمي وطاعة ولي الامر وفق ما ينص عليه ديننا الحنيف. ● هل تعانون من الطائفية في السودان؟ - طبيعة اسلام السودان سنية صوفية ومعظم مشايخها من المغرب العربي ولذلك عندما بدأت المستشارية الثقافية الايرانية ومراكزها في السودان بالخروج عن خطها والبدء بالدعوة للتشيع كان هناك قرار واضح باغلاقها. ● ماذا عما يقال من ان الانفصال عن الجنوب كان له علاقة بمحاكمة الرئيس السوداني ووقفها لدى محكمة الجنايات الدولية؟ - هذا غير صحيح، فمسألة انفصال الجنوب تفجرت في عام 1955 وهي قضية قديمة متجددة ولكن كان الخيار الصعب أخيرا كما يقال آخر العلاج الكي، لأنه ليس من المنطق أن يجبر الناس أن يبقوا في وحدة لا يرغبون فيها، وما حصل كان بكل شفافية وديموقراطية بجهد سوداني بحول دولي واقليمي، وحتى هذه اللحظة ما زلنا نقول ان خيار الانفصال كان مدفوعا من جهات دولية معروفة ولها علاقة بالأمن القومي العربي الواحد واسرائيل هي من وقف خلف هذا الانفصال. وبعد تفجر الأوضاع حاليا في جنوب السودان بدأ الكثير منهم بالنزوح للسودان رغم الانفصال وصدر قرار من رئيس الجمهورية بأن يعاملوا معاملة السوداني وليس عليهم اي قيود في تحركاتهم وعادوا لمناطقهم التي كانوا يسكنونها قبل الانفصال وحتى الى أعمالهم السابقة في السودان، حتى أصبحت القوى التي كانت تدعم الانفصال حاليا تطالب السودان بالقيام بدوره في تهدئة الاوضاع وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء. ونحن ننظرالى المانيا التي استمر انفصال شطريها لعشرات السنين ومن ثم عادت وتوحدت مما يعطينا الكثير من الأمل طال الزمن أو قصر ولكننا لا نرغب في وحدة غير طوعية بارادة شعبي البلدين. ● ماذا عن علاقاتكم مع جنوب السودان؟ هل هناك اتفاقية لتقاسم الموارد النفطية؟ - سفيرنا لدى الجنوب قدم اوراق اعتماده منذ اسبوعين والرئيس الجنوبي حضر مراسم تنصيب الرئيس البشير أيضا الشهر الماضي، وجنوب السودان هو الاخ الاصغر للسودان وهو الجزء الذي انفصل من الكل والقواسم المشتركة بين الشمال والجنوب في السودان لا يمكن وجودها في اي دولتين متجاورتين كما ان الحدود بين الدولتين تمتد بطول 2200 كيلو متر وهي الاطول في حدود السودان مع اي دولة من جيرانه، وهذه المعطيات تحتم على البلدين حسن الجوار وانصلاح العلاقات رغم القضايا العالقة بين البلدين والتي لم يتم حسمها حتى الآن بينهما وهي قضايا تبقى بموجب اتفاق السلام الشامل الذي افضى الى انفصال جنوب السودان ورغم تلكؤ الطرف الآخر الا اننا نعمل جاهدين في جمهورية السودان على الوفاء بمتطلباتنا والصبر على الطرف الآخر حتى يقوم بما عليه من التزامات، كما نبذل بحكم عضويتنا في مجموعة الايقاد، جهودا مشتركة لتقريب وجهات النظر بين الاطراف المتصارعة في دولة جنوب السودان ضمانا للأمن والاستقرار في ربوع هذه الجارة الشقيقة. وبالنسبة للنفط فقد كان هناك ملحقات لاتفاقية الانقسام لآجال زمنية معينة وهناك لجان افريقية مشتركة تشرف على تنفيذ بنود هذه الاتفاقية، حيث تم الاتفاق على ان يمر خط الانابيب في السودان لانها الوسيلة الوحيدة لتصدير النفط والاشكالية التي تحدث حاليا هي الصراع الجنوبي الجنوبي الذي أثر على الانتاج كثيرا. ● ما رأيك في ما حدث أخيرا في جنوب افريقيا بشأن طلب المحكمة الدولية للرئيس البشير؟ - هذه القضية قديمة ومنذ سنوات عندما كنت المندوب الدائم للسودان في الاتحاد الافريقي وقد تولاها الاتحاد الافريقي ولم تعد قضية السودان وحده، لان محكمة الجنايات مسيسة تستهدف الزعماء الافارقة وعلى رأسهم الرئيس البشير بدليل تعدد القضايا المعروضة أمامهم ومتاجرة المدعي العام السابق بهذه القضية لاغراض سياسية خاصة حيث كان قرار الاحالة معيبا والاتحاد الافريقي رفض التعامل مع هذه المحكمة وابلغ مجلس الأمن، فالعالم جميعه شهد المذابح الاسرائيلية للشعب الفلسطيني ولم تتدخل هذه المحكمة، وبالنسبة لنا فان اتهام رئيسنا وهو على سدة الحكم فيه استفزاز للشعب السوداني، ونحن لا تهمنا كثيرا قرارات هذه المحكمة. فقد كان يمكن ان يكون لهذه المحكمة شأن كبير في تحقيق العدالة الدولية لو انها لم تسيس وتتخذ مسارات مخالفة للهدف من انشائها. ● ماذا عن الموقف العربي وهل كان لكم مؤيد في هذه القضية؟ - كان هناك تأييد من جميع الدول العربية كونها ليست اعضاء في هذه المحكمة وبالتالي كانت السند الاساسي للسودان، ولم يكن السودان معزولا في يوم من الايام طوال تاريخه مع محيطه العربي والافريقي او حتى على المستوى الدولي وزيارات رئيس الجمهورية للدول الشقيقة ظلت متصلة دون انقطاع. ● كيف ترى الدور السوداني في حل أزمة سد النهضة بين مصر واثيوبيا؟ - في ما يتعلق بالاتفاق الاطاري لسد النهضة الاثيوبي فقد كان للسودان شرف تجسير هوة الخلاف بين وجهات النظر المصرية والاثيوبية وتغليب المصالح المشتركة العائدة على الدول الثلاث من هذا السد، وهذا الاتفاق تاريخي بكل المعايير ونأمل ان يعم خيره شعوب الدول الثلاث، بل ينبغي دراسة هذا الاتفاق الاطاري من منظور ما تمخضت عنه قمة الكويت العربية-الافريقية باعتبار ان اطراف هذا الاتفاق هي في الاساس افريقية وعربية. سيرة ذاتية - درس القانون في جامعة الخرطوم وعمل لفترة بسيطة في مكتب النائب العام وبعدها التحق بالخارجية وحصل على الدبلوم العالي في العلاقات الدولية من مصر والماجستير من المعهد الافريقي. - يتقن لغات عدة منها الانكليزية والمهرية والروسية بالاضافة للعربية. - بدأ العمل في السلك الديبلوماسي كسكرتير ثالث في عام 1980 ثم درس في المعهد الديبلوماسي المصري في عام 82 وكان ضمن دفعة السفير المصري لدى الكويت عبدالكريم سليمان وبقي أعضاء هذه الدفعة متواصلين طوال هذه السنوات. - اصبح سكرتيرا ثانيا في سفارة السودان بالاتحاد السوفياتي وبعدها الى سورية ومن ثم عاد الى الخرطوم عندما حدث الانقلاب في عام 1989 وبعدها قائم بالاعمال في سفارة اثيوبيا وبعدها رئيس بعثته في ابو ظبي لمدة 4 سنوات ثم رجع للخرطوم ورشح ليكون سفيرا لدى قطر ولكن قبل اسبوعين من سفره اتصل الشيخ زايد رحمه الله وطلبه بالاسم ليكون سفيرا للسودان في ابوظبي فألغي ترشيحه لقطر وذهب مرة اخرى إلى أبوظبي كسفير من 1999 الى 2004. - منحه الشيخ زايد وسام الاستقلال من الدرجة الاولى وهو أرفع وسام يمنح للسفراء، وبعدها عاد للخرطوم كمدير لمكتب النائب الاول للرئيس وبعدها ذهب كسفير لإثيوبيا مرة اخرى ومندوب للسودان في الاتحاد الافريقي من 2007 الى 2011، ثم جاء إلى الكويت كرئيس لبعثة السودان.
مشاركة :