مثقفون إماراتيون يثمنون نهج السلام: بوابة تصالح مع الذات والآخر

  • 8/27/2020
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

«السلام».. بين الفكر والممارسة، يُعد سؤالاً جوهرياً عميقاً، يجوب بين كتب الفلاسفة وقصاصات المؤرخين، بينما يُفضل الروائيون والكتاب أحياناً تحويله إلى حالة عرضية، تداهم الذات بعد أوقات التيه والسؤال عن من تكون، إلا أن الموسيقيين يبدعون في نسجها إلى هارموني يكاد يكون توقفاً تاماً عن البحث تماماً، وانتفاء كامل لشرط المتعة، أن تكون سلاماً من غير أن تقصد ذلك، بل أن تكون فقط، ويتقنها الشعراء في معظم الوقت، عندما يكتبون قصائدهم، فالشعر يستدعي فضاء قادراً على أن يكون للكل. «الاتحاد الثقافي» يبحث مع المثقفين سؤال «السلام» وأبعاده على حياتنا اليومية ورؤيتنا للوجود والآخر، الذين أفصحوا عن حاجتنا لإدراكه عبر أنفسنا، ولأن جوهر الوجود لا يتجزأ، فالسلام الداخلي عادةً يؤدي بنا إلى السلام الخارجي. بداية، أكد الدكتور حسن محمد النابودة، عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الإمارات العربية المتحدة، أن الحديث عن السلام بين أبناء البشرية، على اختلاف أديانهم وأعراقهم وألوانهم، يمثل مبدأ أخلاقياً عاماً، وهدفاً إنسانياً رفيعاً وأساسياً، سعى إلى تحقيقه الفلاسفة والمفكرون والعقلاء من أبناء المجتمعات الإنسانية المتعددة، عبر عصور التاريخ، من خلال الحوار بين ثقافاتهم المختلفة التي تتلاقى في بوتقة الحضارة الإنسانية الواحدة. وأوضح النابودة أن قراءة التاريخ والاطلاع على التجارب الإنسانية المختلفة قراءة واعية تقودنا إلى القول بأن احترام المبادئ الإنسانية المشتركة بين بني البشر، التي تقود إلى السلام القائم على العدالة، هو الذي أدى إلى الازدهار الحضاري الإنساني، الذي أنتجه بنو البشر على اختلافهم العرقي والديني والثقافي، وإن إهمال تلك المبادئ أدى إلى اشتعال الحروب والصراعات؛ يقول الفيلسوف الهولندي إرَاسْموس: «إن كان هناك أمر بين شؤون البشر يَحسُن بنا أن نتفاداه ونُبعِده بكلِّ الوسائل، فإنه بالتأكيد الحرب». ومن هنا، فإن السلام الذي يشكل منظومة أخلاقية رفيعة، يعد ضرورة من ضرورات استقامة الحياة، وإذا اختلت هذه المنظومة الأخلاقية اختلت ركائز السلام، وقضت على أسباب العيش الكريم للمجتمعات البشرية. معتبراً النابودة أن الأمر يقتضي أن يكون هناك اتفاق في الفكر واتحاد في الرؤى بين الشعوب لتحقيق السلم للناس والأمن للمجتمعات البشرية جميعها؛ أي أننا مطالبون جميعاً، أفراداً وأسراً وجماعات ومجتمعات متعددة، أن نسعى إلى تأكيد ونشر ثقافة السلام، لتصبح ثقافة نؤمن بها ونسعى إلى تنفيذها بين أبناء البشرية؛ ذلك أن السلام ثابت من الثوابت الأخلاقية الرفيعة التي لا تتغير بتغير الظروف والأحوال؛ ويعني ذلك أنه من الضرورة أن يصبح السلام مطلباً إنسانياً رفيعاً للناس جميعاً على اختلاف ثقافاتهم، ولا سيما أن المنظومة الأخلاقية تقرر أن السلام هو الأصل في جميع الأديان السماوية، وأن فرض المصالح الذاتية والأهواء الخاصة الضيقة يؤدي إلى الخلل في منظومة السلام، حيث ينتشر العنف والقوة والإرهاب، ويحل محل المحبة والتسامح والتعايش، وغيرها من مبادئ السلام. ومهما يكن من أمر، بحسب النابودة، فنحن نتحدث عن التاريخ وتجاربه في مجال صنع السلم لأنه يشكل جامعاً وتراثاً مشتركاً للبشر جميعاً، ويمكننا أن نستقي منه العبر والعظات التي ستسهم في إنارة حاضرنا ومستقبلنا، ولا سيما أننا ندعو في الإمارات العربية المتحدة إلى إحياء الحضارة العربية، واستئناف إسهاماتها في الحضارة الإنسانية العالمية، وتشكل الدعوة إلى السلام واحداً من وجوه هذه الإسهامات، لقد سعت وتسعى الدولة بفضل سياستها الحكيمة إلى نشر السلم والسلام والمحبة بين جميع أبناء البشر. ولا سيما أن الإمارات تتمتع بسمعة عالمية في ملف التعايش الديني، حيث التنوع والانفتاح في المجتمع على مختلف الأعراق والثقافات والأديان. ومما يبعث على الاعتزاز، كما لفت النابودة أثناء استرساله في توضيح مرتكزات السلام، أن لدى الإمارات نهجاً ثابتاً في ترسيخ قيم التسامح والمحبة والسلام، وهو نهج ينبع من القيم العربية الأصيلة التي تميز بها مجتمع الإمارات عبر العصور. وتمثل قيم التسامح إرثاً تاريخياً وحضارياً متأصلاً في مجتمع الإمارات، ونهجاً معاصراً سار على دربه الآباء المؤسسون، وعزز قيمه ومبادئه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، وقد التقت كل هذه العناصر فحولت التسامح الذي يمثل وجهاً من وجوه السلام إلى نهج حياة وبرنامج عمل تمثل في الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة منذ نشأتها، وجسدت من خلالهما قيم التسامح والمحبة والسلام، وهي قيم إنسانية عززت أواصر التعاون بين الشعوب والأديان على أرض هذا الوطن. سؤال وجودي حول سؤال «السلام» وجوهره، أشار الشاعر والروائي عادل خزام، إلى أن موضوع السلام يعود إلى بداية البشرية، عندما راح الإنسان يبحث عن الطمأنينة والسلام داخلياً في روحه ونفسه وسلامه لعائلته من أي هجمة، سواء كانت من الطبيعة، من العواصف والحيوانات، أو من الآخرين، ظل موضوع البحث عن السلام، يشغل بال الإنسان منذ بداياته، وتطور إلى أن تحول إلى موضوع فلسفي وسؤال وجودي في نفس الوقت، بمعنى كيف يتحقق السكون الروحاني الداخلي في الإنسان رغم وجود المخاطر وعدم زوالها من الخارج، لذلك ظلت الفلسفات وحتى الأديان تعلي من قيمة السلام، سواء داخلياً وحتى مع الآخرين، من خلال فتح قنوات تبادل فهم، والوصول إلى اتفاقات متوازنه بين الأطراف، لكيلا يعتدي أحد على الآخر. ولفت خزام كيف تطورت هذه الفلسفة لتصبح نوعاً من النهج الذي يجب على الإنسان أن يسلكه، فنجدها في الفلسفات الشرقية قد تحولت إلى مطلب لكل من يبحث عن الخلاص، الخلاص من الشكوك من القلق، من سؤال الحياة نفسها، عندما ينظر الإنسان لوجوده ويسأل لماذا؟ لماذا لا يوجد توازن في الحياة، لماذا هناك غني وفقير؟ ولماذا هناك قوي وضعيف؟، فلا توجد إجابات جاهزة لمثل هذه المفارقات. إلا عندما يرتقي الإنسان بوعيه ليرى أن الوجود عبارة عن وحدة واحدة، وأن المتناقضات غير موجودة إلا في الفكر، في النظر المجرد للأشياء. وتابع خزام قائلاً: هذه حقيقة كبرت لاحقاً، وأصبحت منهجاً في الأديان السماوية ككل، عندما نقرأ في الفلسفة الإسلامية نجد أن السلام جزء محوري من الدين نفسه، وأكبر دليل على ذلك، الآية التي تقول: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»، ومن هنا نطرح الرؤية الفلسفية العميقة لموضوع السلام، فحتى اليوم فإن جميع الفلسفات التي يتم وضعها والقوانين الدولية والقوانين المدنية في الدول الحديثة التي تعتمد على العقل، هناك مسعى وجوهر وهدف مباشرة لهذه القوانين الوضعية وهو وصول الإنسان للسلام، وبالنظر كذلك إلى التشريعات في الدول المتقدمة، فإن هدفها هو جودة حياة الإنسان المرتبطة بالسلام. وأضاف خزام: إن الدول التي تدرك تلك الأبعاد الروحية والنفسية التي يحتاجها الناس، وتعمل جاهدة على إزاحة القلق المستمر والخوف والتوتر، تثمر بنتائج فلسفية وروحية، تؤدي إلى مزيد من الإبداع وتوظيف للفلسفة، التي باستطاعتها أن تصل بالإنسان للسعادة. والدول التي تقوم على منهج السلام هي دول شجاعة، كدولة الإمارات العربية المتحدة، ولا يوجد فرق في ذلك بين فرد يسعى إلى السلام والطمأنينة، وبين دولة تسعـى إلى السلام، فهي معادلة مهمة، يجب أن ندركها ونعي أثرها الإنساني والحضاري. المرآة الحقيقية الروائي علي أبو الريش، يرى من جانبه أن الحديث عن السلام، في ظل الأوضاع الإنسانية المحرجة، يُعد مطلباً وضرورة، وهو ما يحتم علينا الرجوع إلى أمنا «الفلسفة» والبحث عن المعنى الفعلي من «السلام»، ففي مقولة للفيلسوف جان جاك روسو أن «الأفكار المسبقة مفسدة للعقل»، والسلام يستدعي أن يتخلى الإنسان عن جّل أفكاره المسبقة، ويدخل في حالة من تصفية الذات، وأن يكون مرآة تعكس في البداية علاقته مع نفسه، وصولاً إلى علاقته بالآخر. ويعود أبو الريش إلى التأكيد أن عملية التعلم مرهونة بمسألة الاستعداد الداخلي، الذي يجب أن نفرغه من أفكار وأيدلوجيات، نتمحور حولها ونؤمن بحقيقتها، ومنها يشتعل فتيل الخطأ والصراعات والمشكلات، وما يجعله في هذا المقام، يشكر خطوة وزارة التربية والتعليم على تضمينها لمادة الفلسفة في المقررات الدراسية، لإتاحة الفرصة مجدداً لطرح الأسئلة، والمساهمة في إزاحة الغبار عن مرآتنا الحقيقية، التي ستساهم في معرفتنا لذواتنا الحقيقية، قبل أن نعرف الآخرين، وندعي معرفتهم ونصنف لأنفسنا أعداء خارج أنفسنا، لذا فالمسألة بشكل أساسي تكمن في «السلام»، فهو البوابة للتصالح مع الذات والآخر. ولفت علي أبو الريش، بأن الدخول إلى حالة إدراك السلام، والوعي به، ليس بالأمر الهين ويحتاج إلى وقت لإدراكه، ويتطلب تعاطيها منذ البدء في التنشئة الاجتماعية، ما يمثل المأمن الأول، لخلق حالة التواصل والسكون لدى الأفراد، ومن ثم المدرسة والعمل وحتى الشارع والأحياء، أن تحول حركتك وسلوكك إلى نشاط واعٍ ومتأمل قائم على إدراك معنى السلام، وإنتاج جيل كامل قادر على أن يواجه الحياة بصفاء، وليس بضغائن، تدمر علاقته بذاته والآخر، وهو واجب رئيسي على كل مؤسسة تربوية وإعلامية وثقافية واجتماعية في أنها تساهم في إثراء تجربة السلام، فهي مسؤوليتنا المشتركة.

مشاركة :