كُتاب ومثقفون أردنيون: السلام اختيار مثالي لبناء مجتمعات العقل

  • 8/27/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

السلام العظيم الذي اتَّجهت نحوه قلوب الخَيِّرين من البشر عبر القرون، وتَغَنَّى به ذَوو البصيرة والشّعراء في رؤاهم جيلاً بعد جيل، ووعدت به الكتب المقدّسة للبشر على الدّوام عصراً بعد عصر، هو الآن وبعد طول وقت في متناول أمم الأرض وشعوبها، فلأوّل مرّة في التّاريخ أصبح في إمكان كلّ إنسان أن يتطلّع بمنظارٍ واحد إلى هذا الكوكب الأرضيّ بأسره بكلّ ما يحتوي من شعوب متعدِّدةمختلفة الألوان والأجناس. والسّلام العالميّ ليس ممكناً وحسب، بل إِنّه أمر لابدَّ أن يتحقّق، والدّخول فيه يمثّل المرحلة التّالية من مراحل التّطوّر التي مرَّ بها هذا الكوكب الأرضيّ، وهي المرحلة التي يصفها أحد عظماء المفكّرين بأنها مرحلة«كَوكَبَة الجنس البشري»، وهنا لا يكفي الحديث عن السلام، بل يجب على المرء الإيمان به، والعمل لأجله، لأن المحافظة على السلام ومكتسباته أصعب من صنعه، وتحت هذه المظلة تحدث عدد من الكتّاب والمثقفين والمبدعين الأردنيين لـ«الاتحاد الثقافي» عن الأثر الإيجابي للسلام على مستقبل المنطقة من جوانب مختلفة. بداية تحدث الشاعر والناقد الأدبي والأكاديمي الأردني الدكتور راشد عيسى بقوله: أفهم مصطلح السلام بأنه التصالح مع الذات أولاً، ومع كل ما هو خارجها، وجوهر السلام بعامة هو طمأنينة الفؤاد والزهد بمكاسب الدنيا والعودة إلى أمومة الطبيعة، وأفهم السلام العادل بمعنى التسامح والمحبة الكونية التي تشبه العقيدة الشاملة التي تجمع العالم والبشرية على عدالة الشراكة الإنسانية، ولاسيما في ثيمات الجمال والحق والخير والبناء والتحديث وتغيير الواقع إلى الأفضل، مؤكداً أنه إذا انحسرت الصراعات في المنطقة، فإن التحوّل السلمي سيعزز النمو الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق التقارب الإنساني والمحبة الكونية، ومن ثم إعادة الاستقرار إلى المنطقة بأسرها، فالانتصارات الحقيقية والدائمة هي انتصارات السلام وليس الحرب، فالسلام لم يعد مجرد مسالمة بين البشر والبشر، بل هو في الأساس مسالمة واجبة بين البشر والأرض، لأن الحرب على بيئة الأرض هي مأساة سرمدية، بينما مآسي أشد الحروب فتكاً في تاريخ البشرية يمكن للزمن أن يتجاوزها. ومن جانبه أكد الباحث والمخرج المسرحي والأكاديمي الدكتور فراس الريموني على أهمية إحلال السلام في المنطقة وجميع أرجاء الأرض، باعتباره المفهوم الأمثل ضد الحرب والنزاعات الدينية أو الطائفية أو المناطقية والإرهاب الفكري، نحو الأمن والاستقرار والانسجام، وبناء على ذلك فإن السلام يكون حالة إيجابية مرغوبة، تسعى إليه الجماعات البشرية أو الدّول، وبخاصة حينما تنعكس آثاره الإيجابية على تعزيز «ثقافة السلام» و«ثقافة المشاركة»، التي تدفع الإنسان إلى احترام ثقافة الآخر، ما يعني في النهاية إحساس النّاس من شتى أصقاع المعمورة بالأمن والسكينة والطمأنينة، وعدم الخوف أو الجزع، مما يجعله أكثر إيجابية وشفافية، وأكثر قدرة على البذل والعطاء والتضحية في سبيل الآخرين. وقال الريموني في السياق: السلام رنّة الإبداع التي تمنحنا الحرية والحوار الحضاري والثقافي المتّزن وصناعة الفن والأدب، وبه تتعدد مجالات التنوع الثقافي الذي يمنح البشرية سهولة التعبير والمساهمة في تطور وإعمار الكون، بالسلام الحقيقي ننبذ التّطرف والإرهاب والتّعصب والطائفية والإقليمية، ويعيش الإنسان مستقراً بلا قلق وتوتر، وهذا في النهاية يمنح الإبداع الخيال الخصب لبناء ثقافة إنسانية متكاملة. مضيفاً: في هذا الإطار وعلى ذوي الاختصاص دعوة الناس إلى التقارب وزيادة التلاحم الإنساني، فكلما تقارب الناس من بعضهم بعضاً، امتلكوا القدرة على مواجهة العنف والتطرف، بل يجعلهم ذلك أكثر جنوحاً نحو السلام واللاعنف، وأكثر انفتاحاً على الآخرين، باعتبار السلام الحقيقي والعادل حالة إنسانية تنعكس على واقع الفرد، مختتماً بقوله: لا سبيل لنهضة الأمم إلا بأن يحلّ السلام فيها، فلا توجد دولة تعيش حالة من الحرب أو من الصراعات التي لا تنتهي، ومن الممكن أن تنشأ فيها تنمية من أي نوع، تساعد البشر وتحافظ على مستقبلهم، إن الحرب هي تقويض لأسس أي عمل إبداعي في أي مجال، فهي بلاشك ضد التنمية الفنية والثقافية والفكرية والإنسانية، بل هي ضد تنمية الإنسان لأخلاقه ومبادئه التي خلقه الله عليها. ويلفت الشاعر والإعلامي إبراهيم السّواعير إلى أن السلام لا يقتصر تأثيره الإيجابي على الإنسان وحده، بل هو مهم أيضاً للكائنات الحيّة كلها على وجه الأرض أو في الفضاء الذي يحيط بالكرة الأرضية، وذلك لأن انعدام السّلم والأمن وشيوع الحروب التدميرية يتجاوز أثره وخرابه إلى حدود أبعد مما يمكن تصوره، فتتضرّر الحيوانات وتفقد مساكنها وبيئاتها وطبيعتها الأصلية، وتحرق الأشجار والغطاء النباتي، الذي يفيد كلاً من الحيوان والإنسان، كما تفنى الموارد المتصلة باستمرار الحياة والنماء والتطور. ويرى السّواعير أن للسلام الحقيقي من حيث كونه مطلباً إنسانياً، أثراً إيجابياً كبيراً في تلاقي الثقافات وحوارها، بدلاً من أن ترتد العصب إلى ذاتها، فتتقوقع ضد خطاب المحبة والتكامل الإنساني، وهذا الارتداد في التقدير العام لابد أنّه يحفز خطابات الكراهية لأن تكون هي بطلة النّص، فيغيب خطاب العقل، وتتعطل المنافع الإنسانية عن النّمو المنشود، ولهذا نجد أن السلام في النهاية اختيار مثالي لبناء مجتمعات العقل، ونسج توازنات مفيدة في الصياغات المستقبلية.

مشاركة :