تيغزيرت .. ثراء عناق الجغرافيا والتاريخ

  • 7/25/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تنتصب مدينة تيغزيرت الساحلية نحو 120 كلم شرق الجزائر كجزيرة رومانية حية يتعانق فيها البحر مع الجبل والغابة، وهي ضفة ساحرة تنير منطقة القبائل الكبرى بأشعة ساطعة وآثار تاريخية تتألق على طول أهداب الطبيعة. تتوسط تيغزيرت التي ينطقها البعض ثِكزِرْث، مدينتي دلس وبجاية، ويعني اسمها بالأمازيغية الجزيرة، وهو معنى توارثته المدينة منذ حقبة الرومان الذين أطلقوا عليها اسم إيومنيوم التي تؤدي المعنى الأول. والمنطقة سُميت بالاسم لاحتضانها البحر والغابة والجبل، حيث تمتزج الخضرة التي تستمدها من غابة ومرتفعات ميزرانة القريبة، والشاطئ الممتد من منطقتي دلس وبجاية. وتمتلك زخما من الإمكانيات السياحية وثراءً طبيعياً، لا سيما النباتات، ويتنافس شجر الزيتون العادي ونظيره المتوحش بالاستحواذ على المكان الذي يغري الملايين بمزاولة الرياضة شتاءً، والاصطياف صيفا وسط شواطئ رحبة تجمع بين الرمال الصفراء والحصى الجميلة، ما يثير الراغبين بالترفيه. وحطمت المدينة رقما قياسيا في استقطاب السياح، ويبرز شاطئ تاسلاست الممتد على طول 900 متر، ويتميز بمناظر طبيعية خلابة وزادته المواقع الأثرية الرومانية المحاذية جمالاً. مرفأ وأيقونات يعدّ مرفأ تيغزيرت تحفة سياحية مهمة على نحو يؤهّله للارتقاء كأكبر مشروع تنموي‮ واستثماري، تبعاً لتحوّله في‮ ‬ظرف وجيز إلى أكبر مكان‮ ‬للمتعة والترفيه بعد إنشاء مساحات خضراء شاسعة ‬أعطت‮ ‬للميناء شكلا طبيعيا جميلا وصورة سياحية خلابة تريح الأعصاب‮. وبات المرفأ مجالا لحراك واسع للهائمين بالصيد واستكشاف عالم البحّارة، فلا ‬يمكن مقاومة مشهد الصيادين وهم‮ ‬يرمون بشباكهم السخية في عمق البحار. وفي‮ ‬ظل موجة الحر الشديدة، يتحول المرفأ في ليالي الصيف الطويلة إلى فضاء كبير للفرح عبر سلسلة سهرات فنية تبثّ البهجة في‮ ‬قلوب الزائرين تحت ضوء القمر. وهناك أيقونات من الجمال في الجزيرة‮ التي شهدت تعاقب حضارات قدماء الرومان والنوميديين ‬والوندال ‬والبيزنطيين، ولا تزال شواهد أثرية ماثلة مثل الأطلال الرومانية التي‮ ‬تعرف بـ‬حبس القصور ‬وضريح ‬تكسبيت فليسن‮ ‬التي‮ ‬تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد. وتوجد مجموعة من معابد الرومان‮، وممرات آيت رهونة‮ وتعد واحدة من الآثار النادرة عالميا وهي‮ ‬صخور تأبينية تشكّل رواقا مبلطا موجها لدفن الموتى‮،‬ يعلوه نصب كبير مسطّح من الحجارة المصقولة. سيدي خالد يقول إيدير بوكرحان ابن المدينة لـالبيان: لا يمكنك أن تزور تيغزيرت وتكتفي بزرقة البحر واخضرار الطبيعة، فالمعالم التاريخية والأضرحة لها نصيب، في صورة مقام الولي الصالح سيدي خالد الذي يتقدّم بلدة افلسن. وتتضارب الروايات بشأنه، فالأولى تتحدث عنه كمحارب من جنود الفاتح الإسلامي الشهير عقبة بن نافع، وقتل في معركة دارت رحاها بين جيش الفاتحين ومقاتلي قبائل الزواوة بمنطقة افليسن، في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي. والرواية الثانية تقول عنه إنه كان جنديا في الحامية الإسلامية المرابطة، والتي خرجت في اتجاه المغرب الأقصى للجهاد، إلا أنه هلك في معركة جرت بأرض افليسن، وبعد أن أسلم أهلها بنوا له مسجدا في موضع قبره لإظهار إسلامهم. وتفيد رواية أخرى أنّ السلطان المغربي أبو الحسن المريني أخذ أعضاء المجلس العلمي للمدينتين من أعيان وعلماء كرهائن لديه لضمان الحماية لممثليه في إخضاع المدينتين، وحدث وهو في طريقه إلى المغرب، أن هبت عاصفة بحرية هوجاء قبالة ساحل افليسن دمرت أسطوله البحري. وتمكن السلطان بمعية بعض أعوانه من النجاة، بينما هلك من كانوا على ظهر الأسطول، بينهم الأعيان والعلماء الرهائن، فدفن الكثير منهم في أرض افليسن، وما يرجّح صحة هذه الرواية، كثرة المقامات على السواحل الممتدة بين ضاحيتي افليسن وأزفون. مأدبة الوعدة يشهد ضريح سيدي خالد تنظيم مأدبة سنوية يُطلق عليها مسمى الوعدة وتشهد التصدّق بأطباق الكسكسي باللحم أي الوعدة، في موعد تقوم فيه النسوة بالطهي في مطبخ مجاور للمقام، وعلى وقع القدور الضخمة والزغاريد، تتعالى الدعوات راجية تقبّل الصدقة، ليُنزل على أهالي المنطقة الخير والعافية. ولا يزال الضريح مسرحا للتبرّك، وهي ممارسة تشهد اتساعاً خاصة من بنات حواء اللائي يشعلن الشموع على طول الضريح، لإبعاد ما تسميه الزائرات الأرواح الشريرة والوساوس، وبعضهن يبحثن عن شفاء من مرض، وأخريات ينشدن التخلص من عقمهنّ، وغيرهن هدفن الظفر بشريك حياة طال انتظاره.

مشاركة :