عبقرية الرؤية وعناق التاريخ للجغرافيا

  • 9/22/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

جاءها على ظهور الخيل المعقود بنواصيها الخير سنة 1351 (23/ 9/ 1932) فنقلها من قرية في قلب هضبة نجد، إلى العالمية متحدياً ركام الأخطاء التاريخية، التي حاولت أن ترغم الجغرافيا على الانخلاع من جذورها الراسية.. وها هم أبناؤه يحمون حياض الوطن بأحدث الطائرات المقاتلة وأرقى نظم الدفاع الجوي في العالم! إنه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - طيب الله ثراه.. وإنها الرياض بيت العرب وقائدة مليارين من المسلمين والشريك الند في صناعة القرار الأممي اليوم!! إنه إنجاز يفوق الخيال.. حتى خيال صانعه العبقري.. فلو مد الله في عمره حتى اليوم، لأدرك أن ملحمته العظيمة أعظم مما كان يتصور.. وهذه إحدى خصائص الرجال الأفذاذ.. لسنا نقرأ انتقائياً ولا نسرف في شعورنا بالفخر.. هل كان إينشتاين وهو يبدع النسبية الخاصة والعامة (1905) يتوقع أنه سيقلب الفيزياء رأساً على عقب، ويحصل على جائزة نوبل سنة 1921م تقديراً لإبداعه الذي عارضه كبار علماء الاختصاص في البداية؟ إن من الخطأ الذي لا يُغتفَر قراءة توحيد المملكة العربية السعودية قراءة جزئية، لا تعي أبعاد التغيير الإستراتيجي العميق الذي فرضته، فأصبح هناك ما قبل تأسيس المملكة وما بعده. كانت ظروف تاريخية معينة قد فرضت نقل عاصمة الأمة من الجزيرة العربية إلى الكوفة فدمشق فبغداد، على الرغم من أن العراق والشام امتداد أصيل للعرب ومجال حيوي لهم منذ فجر التاريخ. لكن النقلة الفاجعة كانت بانتقال العاصمة إلى تخوم أوروبا، على يد العثمانيين - وهذا لا يبخسهم حقهم - فأصبح النأي مؤلماً والمزار بعيداً، وضاعف من تبعاته انغلاق ثقافي وأنفة عنصرية أبت أن يتعرب لسانها. عبد العزيز صحح أخطاء التاريخ وأعاده إلى عبقرية المكان الفريد، لأنه كان يحمل مشروعاً رائداً هو العودة إلى الإسلام النقي بقيادة العرب: حملة الرسالة الأصلاء. إسلام غير عرقي.. وعروبة حضارية لا تستعلي على الآخرين.. هذه المعادلة الذكية استفزت تجار الشعارات فحاربوا المشروع السعودي بشعارات قومجية عنصرية ومشاريع وهمية، آلت إلى إخفاقات متوالية وهزائم نكراء.. واليوم يناوئها إسلام شعوبي تضليلي، يحمل بذور فنائه في داخله.. ولذلك يعتمد على العنصرية المناوئة للعرب وإثارة الفتن الطائفية وإغراق الأمة في بحور من الدماء والدمار.. إن وعينا بعظمة إنجازنا الذي يذهل الآخرين بسرعة نموه، مشروط بتذكير الأجيال الجديدة، بالصورة المؤسفة التي كنا عليها قبل أن يفرض عبد العزيز ورجاله شروطهم على الواقع المتردي.. كانت الجزيرة يومذاك قبائل مبعثرة متناحرة، يفتك بها المرض، ويلعب المستعمِر الأجنبي بطاقاتها ويعبث بأحلام أهلها.. أنجز المؤسس ملحمة الوحدة الخالدة، ولم يكن بين يديه ثروة من أي نوع ما عدا الثروة البشرية النادرة التي عرف كيف يجدلها ويجعلها نسيجاً واحداً متلاحماً يجري وراء غاية نبيلة واحدة.. لم تكن نعمة النفط قد ظهرتْ.. وليس في بلادنا نيل ولا فرات.. صنع الرجل العملاق من جدب الصحراء وشح الموارد نواة دولة عظمى.. إنها الوحدة الوحيدة التي نجحت من بين سائر مشاريع الوحدة العربية.. نجحت بالصدق والإخلاص والبذل والحكمة والحزم.. قضى على العصبيات التي تمزق.. وأرسى أسس مجتمع بسيط لكنه قوي.. قليل الإمكانات المادية إلا أن عزيمته تهزم الجبال الشامخة.. تحرر السعوديون من الخرافة والجهل.. وسبقوا أشقاء كانوا يشفقون عليهم قبل سنوات فقط.. ثم رحل الملك المؤسس بعد أن وضع النواة الصلبة لنهضة منتظرة.. وجاء أبناؤه البررة فساروا على دربه.. وهذا أحد أسرار النجاح: الاستمرارية.. لا تنقطع مسيرة النهضة.. كل ملك يحترم إرث سلفه، ويشرع على الفور في إضافة كل ما يستطيعه في جميع الميادين.. وكم واجهت المملكة من تحديات لكنها خرجت منها دائماً أقوى مما كانت عليه.. ذلك فضل الله ثم فضل معادلة التلاحم المميز بين الحاكم ورعيته.. وكم فوجئ الأعداء بمكمن القوة هذا، فهم يقيسوننا على مجتمعاتهم التي مزقوا أوصالها لحساباتهم الذاتية والفئوية.. ولذلك تغيب نقطة قوتنا الكبرى عن بصيرتهم العمياء. وما من تاجر شعارات أرادنا بسوء إلا عاد مذموماً مخذولاً ونادماً على اليوم الذي سولت له نفسه العليلة أن يمسنا بسوء.. لا نحتاج هنا إلى تاريخنا الحافل بالأمجاد.. يكفي أن نستعيد شريطاً تفاعلياً حياً نعيشه منذ أقل من ثلاث سنوات في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.. لقد وفق الله قائدنا الحكيم الشجاع فأنقذ اليمن الشقيق من خطة ابتلاع أجنبية صفيقة، من خلال أدوات يمنية اشتراها الطامعون بثمن بخس.. وحمى أمننا الوطني من شرور فرق الغدر المتآمرة مع أعداء العرب والمسلمين.. ووأد كهوف الإرهاب الأجير فوق رؤوس العملاء حتى باتت الدول المتقدمة تدرس تجربتنا التي تفوقت على أجهزتهم العريقة. تنبهوا بعد وقت غير قليل إلى أننا نحارب أعداءنا بكل طاقاتنا: بجنودنا البواسل ورجال أمننا اليقظين وبمفكرينا وإعلاميينا ومعلمينا وكل شرائح مجتمعنا.. ألم يقل الحق عز وجل في مُحْكَم التنزيل:( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ)؟ نحن هؤلاء بإذن الله: كنا وما زلنا وسوف نبقى.

مشاركة :