تشهد مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية" تطوراتٍ كبيرة، أبرزها التوترات الدائمة التي تحصل بين الولايات المتحدة الأميركية، التي تقود تحالفاً دولياً ضد تنظيم "داعش" في هذه المنطقة، وروسيا التي تمكنت من دخولها بعد الهجوم التركي الأخير على المقاتلين الأكراد وحلفائهم المحليين في "قوات سوريا الديمقراطية"، الأمر الذي يثير الكثير من الأسئلة حول مصير تلك المناطق ومستقبلها. وأكد إلهان أوزغال، البروفيسور التركي والخبير في العلاقات الدولية، أن "الهجوم التركي الأخير على مناطق تقع شرق نهر الفرات نهاية العام الماضي أتاح الفرصة للروس لتعزيز وجودهم العسكري في تلك المنطقة لرغبتها بلعب دور مؤثر فيها". وقال في مقابلة هاتفية مع "العربية.نت" إن "موسكو على ما يبدو ستحتفظ بقواتها العسكرية لفترة طويلة شرق الفرات رغم أنها مهتمة أكثر بالجزء الغربي من المناطق السورية، ولديها هناك قواعد برّية وبحرية وجوية". وأضاف أن "هناك توافقا روسيا ـ أميركيا حول شرق الفرات"، رغم حصول مناوشات بين قواتهما كما حصل يوم أمس حين طاردت دورية أميركية رتلاً للقوات الروسية بالقرب من بلدة المالكية (ديريك) الواقعة على المثلث الحدودي السوري العراقي التركي. وتابع أن "واشنطن تركت الحقول النفطية في قبضة الإدارة الذاتية، في حين تحاول موسكو ضرب العلاقات التركية ـ الأميركية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية"، وهي تحالف متعدد الأعراق والأديان يضم العرب والأكراد والسريان الآشوريين والأرمن. وأشار إلى أن "موسكو لن تضغط على القوات الأميركية في هذه المناطق باعتبارها لا تشكك بوجودها العسكري طويل الأمد وتعدّه مؤقتاً، لكن المشكلة تكمن في رغبة أنقرة بالسيطرة الدائمة على المؤسسات العسكرية والمدنية في الجيوب التي تسيطر عليها شمال سوريا خشية تصاعد نفوذ الأكراد على حدودها". وكشف أن "المفاوضات مفتوحة بين الأطراف الثلاثة حول مصير شرق الفرات، وستحاول واشنطن مع أنقرة وموسكو تأمين حكمٍ ذاتي للأكراد، لكن درجة استقلاليته ستعتمد على المساومة السياسية في نهاية المطاف". ولفت الخبير في العلاقات الدولية إلى أنه "بعد خسارة الأكراد مدينة عفرين غرب البلاد اقتصر التركيز كلّه على شرق الفرات، وسيكون هناك حكم ذاتي للأكراد في هذه المنطقة رغم أن صلاحيات سلطاته قد تكون أقل من سلطة الأكراد في كردستان العراق". كما نوّه بأنه "مهما حصل لن تعود ظروف هذه المنطقة أو أكرادها كما كانت قبل العام 2011"، حين اندلعت الحرب في سوريا. وكان الأكراد قد تمكنوا من خلال "وحدات حماية الشعب" من فرض سيطرتهم على عموم المدن السورية ذات الغالبية الكردية منتصف العام 2012 ومن ثم أعلنوا عن تشكيل إدارة ذاتية قبل أن يتلقوا دعماً عسكرياً ولوجيستياً من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" في غضون معركتهم ضد التنظيم المتطرف في مدينة كوباني (عين العرب) والتي استمرت لأشهر بين عامي 2014 و2015. وفي تشرين الأول/أكتوبر من العام 2015، أعلن الأكراد عن تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية"، وذلك بالتعاون مع جماعاتٍ عسكرية محلية شمال شرق البلاد وغربه. وحاربت هذه القوات ضد تنظيم "داعش" وعلى إثر ذلك فقدت أكثر من 11 ألفاً من مقاتليها إلى جانب إصابة نحو أكثر من 20 ألفا آخرين. كذلك فقدت "قوات سوريا الديمقراطية" سيطرتها على ثلاث مناطق رئيسية بعد هجومين تركيين منفصلين على عفرين وتل أبيض ورأس العين. وكان الهجوم الأول بداية العام 2018، بينما الثاني كان في الربع الأخير من العام الماضي.
مشاركة :