«أحمد وكريستينا» ... جماليات الدراما الطائفية

  • 7/25/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

قد يبدو عنوان مسلسل «أحمد وكريستينا» أقرب الى الشعارات أو «السلوغونات» الطائفية المستهلكة في بلد مثل لبنان ما برحت الطائفية تفتك به فتكاً. وفي الأعمال الفنية والأدبية التي تدور حول العلاقات العاطفية بين أبناء - وبنات - الطائفتين، الاسلامية والمسيحية، كان لا بد دوماً من أن تكون الفتاة أو المرأة مسيحية، والشاب أو الرجل مسلماً. ونادراً ما حصل العكس، تبعاً لصلابة الموقف الشرعي الإسلامي أو تشدده ازاء زواج المسلمة من مسيحي. مسلسل «أحمد وكريستينا» بدا للوهلة الاولى خاضعاً لهذه القاعدة، لكن الكاتبة كلوديا مارشليان عرفت كيف تواجه هذه المعادلة وتكسر ذاك الشعار المتكرر، في إيجادها داخل المسلسل شخصية امرأة مسلمة هي عايدة (الممثلة الكبيرة إلسي فرنيني) التي تزوجت من رجل مسيحي رغماً عن أهلها الذين أنكروها فعاشت وحيدة بعد وفاة زوجها باكراً، الى ان وقعت في حب رجل مسيحي آخر يحبها هو ناصر (الممثل الكبير جورج شلهوب) فيتزوجان رغماً عن الأعراف. واللافت ان الكاتبة اختارت مرحلة الستينات محوراً زمنياً للمسلسل لكنها لم تعلن هذا الاختيار مباشرة بل عبر دلالات المكان والمشاهد والديكور ولا سيما من خلال شخصية الفتاة سنا (الممثلة الظريفة سينتيا خليفة) التي التحقت بحركة «الهيبين» التي عرفتها بيروت في تلك الحقبة. وخلا المسلسل من أي بعد سياسي وابتعد عن ذكر أي أزمة شهدتها المرحلة تلك التي عرفت تحولات مهمة... حتى لم ترتفع صورة لرئيس الجمهورية في مكتب التحقيق لدى الأمن العام. لعل الكاتبة والمخرج سمير حبشي شاءا أن يجعلا من المشكلة الطائفية قضية عامة ما زالت لسوء الحظ تلقي ثقلها على واقعنا اللبناني. جاءت الخاتمة كما كانت متوقعة على غرار ما يحصل في معظم المسلسلات التي تراعي مشاعر الجمهور فالزواج المدني الذي تم في قبرص جمع أخيراً بين أحمد وكريستينا بعد المآسي التي واجهتهما جاعلة من المسلسل عملاً درامياً، تراجيدياً، حافلاً بالصراعات الفردية والجماعية والقصص شبه الفجائعية والشخصيات المحكومة بأقدارها. ومثلما طاولت التراجيديا الشخصيات شملت أيضاً حياة الجماعة المتمثلة هنا بالعائلة. ركّز النص والإخراج على قرية كريستينا (سابين) المسيحية وأهلها المسيحيين أكثر مما ركزا على قرية أحمد (وسام صليبا) المسلمة. بل إن الأحداث دارت بمعظمها في بلدة كريستينا وشارك فيها أهل كريستينا وأقاربها وبعض أهل القرية مثل الكاهن أو خوري الرعية (الممثل القدير جان قسيس) وزوجته الخورية (مي صايغ) وكان لهما حضور رئيسي في المسلسل. اما الاحداث التي دارت في قرية أحمد فقليلة وكذلك الشخصيات ومنها والد أحمد ووالدته وشقيقته المقعدة وشقيقه وعمه وابنة عمه سوسن (سيرينا الشامي) التي أدت دوراً مهماً بصفتها زوجة المستقبل التي خُطبت لأحمد منذ الصغر ثم تزوجها مرغماً، ليحميها من الانتحار من فرط حبها له، فيما كان هو يحب كريستينا حباً مجنوناً. لكن زواجهما ما لبث ان انتهى سريعاً بعدما اكتشفت انه لا يحبها بل يحب كريستينا، فتبادر الى طلب الطلاق منه قصداً وبإرادة قوية هي إرادة العاشقة التي شاءت مواجهة حبيبها انتقاماً لنفسها وليس منه هو. قرية كريستينا هي المكان الذي تنطلق منه الأحداث التي تشمل بيروت (نقيض القرية) التي انشأ فيها أحمد ستوديو للتصوير وفيه يتعرف الى كريستينا شقيقة الياس (نقولا مزهر) الذي يعمل مع أحمد. هذه القرية هي التي تشهد صراع الحب الرهيب، الحب التراجيدي او «المقدّر» (فاتال) والمنقوص بين جريس (الممثل القدير يوسف حداد) وكريستينا. عاد جريس من أميركا ليتزوج من ابنة عمه التي طالما أحبها ومالت اليه في مراهقتهما، لكن الفتاة كبرت ووقعت في حب أحمد قبل عودة جريس الذي كان بنظرها ابن عم فقط. هذا الحب المنقوص يكون بمثابة الشرارة التي أشعلت المأساة بل المآسي، وأولاها مأساة جريس الذي يحوله الحب الى شبه مجنون ومهووس، فيمضي في لعبة «المراهنة» بغية الحصول على كريستينا والزواج منها، وخصمه هو أحمد المسلم، وهذا ما يدفعه الى استغلال موضوع الطائفية بلا رادع... لكنّ مرضه العاطفي ينتهي به الى تدبر مؤامرة لضرب الكاهن، فيُقتل الكاهن خطأً، وتقع التهمة عليه، وتنتهي به الحال بعد دخوله السجن وخروجه منه الى محاولة قتل أحمد وكريستينا فيطلق عليهما النار ويفشل بعدما ردعه شقيقه... المأساة الثانية هي مأساة الأب روكز (الممثل الكبير نقولا دانيال) القروي المسيحي المحافظ والتقليدي الذي يرفض تزويج ابنته لشاب مسلم (مثل والد أحمد) والذي يرى عائلته تتبدد أمام عينيه. أما العائلة فتضم فتياناً وكريستينا هي الفتاة الوحيدة. ومن أشقائها عبدالله الساذج أو «الأبله» (طوني نصير) الذي يدفعه غضبه وكرامته الى ضرب عمه أبو جريس (طوني مهنا) ما سبّب موته، وأودى به الى مصح عقلي، وهو كان وقع ضحية حبه لفتاة (تيريز) فقدت عذريتها فلجأت اليه لتستر نفسها ثم تحبه من بعد لطيبة قلبه. وكذلك شقيقها ساسين الذي يقع تحت عبء الدين فتتركه زوجته وتتفرق عائلته، وأيضاً شقيقها الياس (نقولا مزهر) الشاب الذي يقع في حب سنا «الهيبية» ويتعذب في هذا الحب مثلما تعذب كشاهد على حب شقيقته كريستينا... ومن الشخصيات الطريفة والمهمة: شخصية طانيوس الأخرس الذي يقع في حب الخورية فيصبح خادماً لها، وقد أدى الدور ببراعة الممثل حسان مراد، وكذلك شخصية راحيل، عمة كريستنيا التي نذرت نفسها للعذراء مريم بغية ان تحبل فتمضي وقتها في تنظيف الكنيسة ثم تحبل، وبدت الممثلة دارين حمزة باهرة في هذا الدورد... نجح المخرج سمير حبشي كعادته دوماً في اعتماد جو سينمائي داخل المسلسل من نواح عدة: ادارة الممثلين بحذاقة، نسج القصص والأحداث نسجاً درامياً متيناً، التركيز على جمالية الصورة واللقطة والكادراج... هذه العناصر وسواها ساهمت في جعل المسلسل أقرب الى المناخ السينمائي وفي ترسيخ الجماليات المشهدية على رغم التطويل الذي تفرضه المناسبة الرمضانية.

مشاركة :