سيّدة تحمل ملامحها قلقاً قديماً على إرث معماريّ فريد، كاد أن ينسى لولا ريشتها، فحددت هدفها وسارت نحوه باستقامة ومثابرة، تعرّفت إلى منجزات هذه القامة الفنية المهمة قبل أسابيع عبر الأثير في لقاءٍ افتراضي نظمه الشيخ سلطان بن سعود القاسمي ضمن أنشطة المجلس الثقافي لمؤسسة بارجيل للفنون. بدأت صفية بن زقر بجدّة القديمة، فنقلتها من الذاكرة والمشاهدات إلى اللوحة، لتصير توثيقاً لحاراتها، وما يجري فيها من يوميات، بيوت خلّدتها الريشة، أطفال مازالوا يلعبون في زقاق اللوحة، ويوميات الفرح ومباهجه. لم تكتف الفنانة بذلك، بل عملت على توثيق الأزياء التقليدية السعودية في أنحاء المملكة، ما ورّطها بحب الترحال ضمن أراضيها الشاسعة لتقصي الثوب، مكوناته ومناسبته. عملت الفنانة الرائدة كمصورة فوتوغرافية، وباحثة، ورسّامة في الوقت نفسه، ترافقها آلة التصوير ومفكرتها ماضية في أرجاء المملكة لتصور ما لم تطله يدها من أزياء، ثم تنقله ريشتها إلى اللوحة، وكانت شديدة الحرص في ضوء غياب المصادر والمراجع، أن تشهد اتفاق أربعة أو خمسة أشخاصٍ على الأقل على صحة مكونات الزيّ ومناسبته. تعتبر صفية بن زقر انطلاقتها الأولى، هي يوم لقائها الجمهور في معرضها الأول العام 1968 قبل أكثر من نصف قرن، في مغامرة قوبلت بترحيب المجتمع، فكان في إحدى مدارس جدّة، حين لم تكن ثمة قاعات مختصة للفنون، واستحقت لقب «أم الفن» في السعودية باعتبارها أول سيدة سعودية تقيم معرضاً فنياً في المملكة. ويبدو أن كل إنجاز تحققه بن زقر يتمدد في رؤاها المقبلة إلى أبعد من منجزها الشخصي، ففي مطلع الألفية افتتحت دارة صفية بن زقر، لتصير وجهة فنية بحثية، تعليمية لكل عشاق الفنون والباحثين ودارسي الفن، أو الراغبين في تعلم مهارات الرسم من الأطفال خاصة، فهي ترى فيهم المستقبل الذي يستحق تكريس الجهود، فالدارة تقيم مسابقات رسم سنوية للأطفال، ودورات تعليمية، كما تقدم مكتبة في الفنون والآداب، ولوحات الفنانة التوثيقية التي توقفت عن بيعها منذ زمن طويل، بغرض إتاحتها للباحثين تحت سقف الدارة. أولت الفنانة عناية خاصة للأزياء السعودية فزودت الدارة بقطع نادرة من الثياب، من مقتنياتها الخاصة، ومن إهداءات محبي الفنون والتراث، ليصبح قسم الأزياء مرجعاً لطلبة كليات الفنون والأنثروبوجيا في المملكة، كما زار الدارة عدد من كبار ضيوف المملكة، ومنهم ملك إسبانيا السابق الذي أعجب أيما إعجاب بمنجز المرأة السعودية ومقدرتها على إيجاد صرح ثقافي بجهد شخصي، يضاهي متاحف عالمية. ولعل أشهر لوحات بن زقر «الزَّبون» وهو زي حجازي ترتديه امرأة شُبّهت مراراً بالفنانة، لكنها ملامح ناتجة عن دراسات عديدة لوجوه وملامح رسمتها الفنانة في طبقات قبل أن تتوصل للوجه النهائي، وهي تبحث عن أقرب الملامح للمرأة العربية الهادئة والواثقة، حتى اشتهرت بين الأوربيين فيما بعد بالموناليزا العربية. صفية بن زقر الزبون مريم الزرعوني
مشاركة :