من قصص الحضارات والثقافات المشوّقة وما استلهمه منها الإنسان في تطوره عبر العصور، انطلقت هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة» بجمهورها في رحلة سبرت أسرار حرفة الغوص على اللؤلؤ، التي تشكل جزءاً من تراث دولة الإمارات العربية المتحدة المجيد الذي تركه الآباء والأجداد، عبر ندوتها التخصصية الافتراضية التي نظمتها في 12 أغسطس الجاري، تحت عنوان «الغوص في الحضارات القديمة - الغوص والاستدامة»، وقدمها مصطفى الفردان تاجر اللؤلؤ الإماراتي والمشرف على معرض «نوادر اللؤلؤ» السنوي، وباحث التراث الإماراتي جمعة خليفة أحمد بن ثالث الحميري. وحرص مصطفى الفردان، في بداية الجلسة، على توجيه الشكر الجزيل إلى سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة «دبي للثقافة»، وللهيئة على استضافته في هذه الندوة المتخصصة في إحياء الموروث الحضاري لدولة الإمارات العربية المتحدة، مشيداً بالدور المتميز التي تلعبه «دبي للثقافة» في صون التراث المحلي والاحتفاء به وإلهام الأجيال للاعتزاز بموروث الآباء والأجداد. سيناريو يعبق بالتراث وفي سيناريو مشوق يعبق بالتراث، روى الفردان حكاية مهنة الغوص وتجارة اللؤلؤ وما جمعه من علوم ودراسات بحثية حولها، مشيراً إلى أن تاريخ ارتباط هذه المهنة بأهل الخليج يعود إلى آلاف السنين، حيث توجد اكتشافات في أم القيوين وأم النار تدل على قدم الغوص في الإمارات. وعاد الفردان بالحاضرين إلى ملحمة جلجامش، أول ملك في الحضارة السومرية، والبطل المهم في ميثولوجيا حضارة بلاد الرافدين التي ترجع إلى 7500 سنة، حيث يقول المؤرخون إن أول إشارة للغوص جاءت في هذه الملحمة التي غاص فيها جلجامش باحثاً عن «زهرة الخلود». فربما كانت «زهرة الخلود» إشارة إلى اللؤلؤ! وقد يكون أجدادنا القدماء قد استدلوا من هذه الأسطورة، على كيفية الغوص في أعماق البحر، والاستعانة بثقل للوصول إلى قاعه والحصول على اللؤلؤ! وانتقل بعد ذلك لإلقاء الضوء على تاريخ حرفة الغوص على اللؤلؤ التراثية وطقوسها المميزة، لافتاً إلى أن موسم الغوص كان يستمر لمدة أربعة أشهر يقضيها الغواصون بين المعاناة والخطر، وعندما ينتهي الموسم يكون (القفّال)، فيعود الجميع إلى ديارهم، مشيراً إلى ما ترسخه هذه الرحلات من قيم الصبر وتحمل المشاق والصعاب، وروح العزيمة والثبات وقوة الإرادة التي تحلى بها الآباء والأجداد في سبيل تحصيل رزقهم. ثم عرّف الحاضرين إلى مسميات العاملين على متن السفينة من البحارة، ويرأسهم النوخذة والجمع نواخذة، ثم يأتي الغواصون، ثم «السيوب»، ثم بعض المراتب، ومنها النهام، وهو مطرب السفينة الذي يحصل على حصة أكثر من الغواصين من نسب الدخل الذي تحققه السفينة، نظراً لكونه يخفف من معاناة العاملين عليها. وأشار الفردان إلى أن هذه الصناعة تعرضت للكساد والتلاشي، مع ظهور النفط الذي وفر فرص عمل كثيرة للخليجيين، بعيداً عن مخاطر البحر وأهواله، واشتغل فيه الكثير من الغواصين في مناصب مهمة. كما أكد أيضاً أن الغوص ما زال موجوداً ولم ينته، إلا أنه تحول إلى طقوس ترفيهية وليس كمصدر رزق، كما كان في الماضي. من جهته، قدّم جمعة خليفة أحمد بن ثالث الحميري الشكر الجزيل إلى «دبي للثقافة» على تنظيم هذه الندوة وإتاحة الفرصة أمام الجمهور للتعرف إلى هذا الجزء المهم من تراث دولة الإمارات العربية المتحدة، مشيراً إلى أن الندوة سلطت الضوء على الكثير من المسميات والمفردات والفترات المرتبطة بمهنة الغوص على اللؤلؤ، التي شكلت في حقبة من الزمن عصب الاقتصاد في الدولة، مثل: الغوص العود، والغوص الصغير، والردة والرديدة، والكثير غيرها. وأوضح الحميري: «رحلة الغوص على اللؤلؤ في دولة الإمارات تميزت عن مثيلاتها في دول الخليج من حيث المدة الزمنية التي كان غواصو الإمارات يستغرقون فيها أربعة أشهر، بدلاً من شهر واحد في باقي دول الخليج». إحياء الموروث الثقافي البحري أكدت الندوة أهمية إحياء الموروث الثقافي البحري الذي يشكل أحد أعمدة الهوية الوطنية، بوصفه تاريخاً غنياً يزخر بمدلولات وثقافات ومصطلحات ومقتنيات جديرة بالاهتمام والحفظ والتسجيل والدراسة والترويج لها عالمياً كتراث حضاري عالمي، لا يقل أهمية عن الموروثات التراثية الشعبية العالمية الأخرى. وكانت هذه الندوة فرصة ثمينة أمام الجيل الجديد للتعرف إلى تراث الأجداد وتوطيد علاقتهم مع إرثهم الثقافي واعتزازهم بهويتهم الوطنية، كما تندرج في إطار سعي الهيئة إلى تحفيز السياحة الثقافية في إمارة دبي، بما يسهم في تعزيز مكانتها كمركز عالمي للثقافة، وحاضنة للإبداع، وملتقىً للمواهب.
مشاركة :