السلوكيات القطيعية، والعقول المقولبة، والأفكار المعلبة، والتردد، وعدم الجرأة، من الخصائص التي يتصف بها العرب، وهي من كبرى عقبات الاكتشاف. ومن يتميزون بعقول حرة، ويفكرون خارج الصندوق، ويغردون خارج السرب، ويطرقون غير المطروق، يُعتبرون عملة نادرة، ونسيجًا وحدهم؛ ولذلك يجب على كل شخص إطلاق الفكر للإبداع، وعدم الاعتقاد بأن جميع الميادين طرقت، ولم يترك المتقدمون للمتأخرين شيئًا. فمن يقرأ التاريخ بسطحية يعتقد أنه خزانة مُحكمة، ألمّ في داخلها بكل شاردة وواردة. أما من لا يقدس النصوص، ولا يعصم المؤرخين، ويقرأ التاريخ بتمعن وتعمق، ويمتلك القدرة على قراءة ما بين السطور، ويتحلى بملكات الربط والمقارنة والتحليل والاستنتاج والاستنباط؛ فسيجده منجمًا لا ينضب من كل جديد وعجيب. ومن يعتقد أن الإبداع في بعض المجالات، والسبق لبعض المكتشفات، لا يتوصل إليه إلا المتخصص فليعلم أن جميع الأسس العلمية أسسها أشخاص غير متخصصين، بل بعضهم لم ينالوا أي قسط من التعليم النظامي. وعلماء مثل الجاحظ وابن خلدون وابن رشد وابن سينا والفارابي والبيروني والبتاني خير أمثلة على ذلك. عام 1905 كان الألماني «آينشتاين» موظفًا بسيطًا، يدرس الفيزياء وقت فراغه، وكانت أعظم العقول الأكاديمية في أكبر الصروح العلمية تدرس مسائل في الفيزياء التقليدية، فتمكن ذلك الموظف البسيط باستنتاجاته المبرهنة من تفسير العديد من الظواهر العلمية التي فشلت الفيزياء التقليدية في إثباتها، وأدت معادلاته لثورة انقلابية فيزيائية، برز على إثرها نوع جديد من الفيزياء الحديثة، وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء، وأصبح أعظم العلماء على مدى التاريخ! عام 1913 كان الهندي رامانجن مطرودًا من المدرسة، ولم يكمل تعليمه، ولم يحصل على أي شهادة، ويعمل عاملاً في ميناء مدراس، إلا أنه تمكن من حل أكبر مسألة رياضية عجز عن حلها البروفيسور هاردي الأستاذ بجامعة كامبردج؛ ليعمل بعدها أستاذًا للرياضيات في أعرق الجامعات العالمية، ويصنف من ضمن علماء عمالقة من أمثال العلماء العظام: أويلر، وغوستاف، وجاكوبي، ثم يعود للهند؛ ليعمل أستاذًا للرياضيات في جامعة مدراس بعد أن كان عاملاً في مينائها! عام 1930 كان الهندي شاندراسيخار على متن الطائرة المتجهة من مدراس إلى لندن لإكمال دراسته في جامعة كامبريدج، فاكتشف ذلك التلميذ الهندي الشاب مآل النجم عند تجاوز كتلته حدًّا معينًا، وهو ما شكّل معضلة علمية، عجز عن حلها جميع علماء الفيزياء الكونية في جميع أنحاء العالم، ومن ضمنهم أساتذة جامعة كامبريدج الذين يتوجه للتعلم منهم؛ إذ اكتشف تشاندراسيخار أن النجم يتقلص إلى أن يتحول إلى ثقب أسود، ووضع تصنيفًا لنهاية النجوم حسب كتلتها، وأطلق اسمه على نظريته التي حملت اسم «حد تشاندراسيخار»، وحصل على جائزة نوبل للفيزياء، وأصبحت نظريته من الأساسيات الفيزيائية في مجال آليات مصير النجوم. كما توصل إلى العديد من النظريات الفيزيائية!
مشاركة :