فيروز التي يبدأ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، زيارته إلى بيروت بلقاء معها الاثنين، هي سفيرة الفن اللبناني إلى العالم التي يلتقي اللبنانيون من كل الطوائف والانتماءات السياسية حول صوتها وأغانيها. تجاوزت شهرة فيروز، المرأة النحيلة البنية والباردة الملامح، واسمها الحقيقي نهاد حداد، حدود البلد الصغير، وجذبت معجبين من كل أنحاء العالم. وتعدّ من آخر جيل الكبار في العصر الذهبي للموسيقى العربية في القرن العشرين.ورفضت فيروز أن تُجرّ إلى خصومات سياسية أو دينية لا سيما خلال سنوات الحرب الأهلية (1975-1990)، وتصدّرت أغنياتها الإذاعات المتناحرة على جانبي خطوط القتال. في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» في مايو/أيار 1999، قالت بعد حفلة أحيتها في مدينة لاس فيجاس الأمريكية رداً على سؤال حول جديتها المفرطة على المسرح: إذا نظرتم إلى وجهي عندما أغني، سترون وكأنني غير موجودة، مضيفة: أرى الفن على أنه صلاة. لست موجودة في كنيسة، لكنني أشعر كما لو أنني فيها، وفي هذه الأجواء لا يمكنني الضحك. ولدت فيروز في قرية الدبية في منطقة الشوف الجبلية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1934، لوالد يعمل في مطبعة ووالدة اهتمت برعاية الأسرة المكونة من أربعة أولاد. وانتقلت العائلة في وقت لاحق للإقامة في حي زقاق البلاط في بيروت. في نهاية الأربعينات، اكتشف المؤلف الموسيقي، محمد فيلفل الذي كان يبحث عن أصوات جميلة للانضام إلى كورس الإذاعة اللبنانية، موهبة فيروز، وضمّها إلى الكونسرفاتوار لتتعلّم أصول الموسيقى والغناء، وأُعجب المدير الموسيقي للإذاعة آنذاك، حليم الرومي بجمال صوتها واقترح عليها اسمها الفني فيروز. خفيفة الظل تعرّفت فيروز على عاصي ومنصور الرحباني، المؤلفين الموسيقيين، في كواليس الإذاعة، اللذين عرفا معها، شهرة واسعة، وارتبط فنهما بشكل جذري بلبنان، فبات جزءاً لا يتجزأ من تراثه. وتعاونت فيروز مع الأخوين رحباني اعتباراً من مطلع الخمسينات. وأثمر ذلك مجموعة واسعة من الأعمال الغنائية والمسرحية والأفلام السينمائية التي جمعت بين الألحان الشرقية والفولكلور اللبناني والأنغام الغربية. ويحافظ عدد كبير منها على نضارته رغم مرور الزمن. وغنّت فيروز لشعراء كبار، من الأخطل الصغير إلى سعيد عقل الذي لقبها بـ«سفيرة لبنان إلى النجوم»، مروراً بجبران خليل جبران وإلياس أبو شبكة. كما لحّن لها عبد الوهاب وفيلمون وهبه وزكي ناصيف. في منتصف الخمسينات، تزوجت فيروز من عاصي الرحباني وأنجبا أربعة أولاد، هم زياد، وليال التي توفيت عام 1987 بعد سنة من وفاة والدها، وهلي وريما. يقول مقربون منها إنها مرّت بمآس كثيرة على الصعيد الشخصي، من وفاة ابنتها الى إعاقة نجلها هلي، لكنها حافظت على خفّة ظلها في مجالسها الخاصة والعائلية. وتقول الصحفية ضحى شمس التي عملت معها لفترة طويلة: في الحقيقة هي بعيدة كل البعد عن الصورة الباردة التي تعكسها على المسرح. هي مضحكة جداً متى أرادت. «ردني إلى بلادي» على مدى عقود، شكّلت أغاني فيروز صلة وصل بين اللبنانيين. خلال الحرب الأهلية، رفضت الغناء في لبنان لتجنّب أن تُحسب على منطقة دون أخرى، فيما بلدها ساحة صراع بين قوى طائفية مدعومة من قوى خارجية. لكنها أقامت حفلات في الخارج مثيرة الحنين والتأثر في نفوس اللبنانيين الفارين إلى عواصم العالم مع أغان مثل «بحبك يا لبنان» و«ردني إلى بلادي» و«لبيروت» التي ترافق مُنذ الرابع من آب/أغسطس، تاريخ وقوع الانفجار المروع في العاصمة، مقاطع فيديو عن الكارثة تبثها محطات التلفزة المحلية. وغنّت فيروز أجمل ما قيل عن القدس، فكانت «زهرة المدائن» و«سنرجع يوماً». ونقل إليها نائبان عربيان مفتاح المدينة عام 1968. كما غنّت لدمشق ومكة وسواها، وللأوطان والثورات والشعوب. قلّدها ملك الأردن الراحل حسين ثلاثة أوسمة. ورغم تحفّظها الشديد، أثارت جدلاً في 2008 عندما غنت في دمشق بعد ثلاث سنوات من انسحاب القوات السورية من لبنان تحت ضغط الشارع الذي وجّه أصابع الاتهام آنذاك إلى سوريا في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري. كان آخر ظهور لها في إبريل/نيسان الماضي، مع تفشي فيروس كورونا المستجد، في مقطع مصوّر قرأت فيه مقاطع من سفر المزامير في الكتاب المقدس.
مشاركة :