بيروت – دعا رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الاثنين إلى تغيير النظام الطائفي في البلاد، في خطوة تتماهى وسياق داخلي وخارجي يدفع باتجاه تبني عقد سياسي جديد في لبنان، بعد أن اتضح بالكاشف أن النظام الحالي أضحى غير قابل للاستمرارية. وقال بري في كلمة ألقاها خلال إحياء ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه “عشية مئوية لبنان الكبير، إن أخطر ما كشفته كارثة المرفأ، عدا عن عناصر الدولة الفاشلة، هو سقوط هيكل النظام السياسي والاقتصادي بالكامل”. وأضاف “لا بدّ بالتالي من تغيير في هذا النظام الطائفي فهو علّة العلل”. وليست المرّة الأولى التي يطالب فيها بري بإلغاء “الطائفية السياسية”، إذ كرر هذا المطلب أكثر من مرة في الأشهر الأخيرة، ولكن دعواته لم تلق الصدى المطلوب في ظل قناعة كثيرين بأن تصريحاته لم تكن سوى من باب المناورة التي يتقن رئيس حركة أمل فنونها، وكيف لا وهو أحد أعمدة هذا النظام. ويقول سياسيون لبنانيون إن بري الذي يخشى “الاحتراق سياسيا” حد الهوس، يؤمن بأنه لا بد من مجاراة التيار بدل الوقوف في وجهه، وأن دعواته لإنهاء النظام الطائفي تندرج في هذا الإطار. ويلفت هؤلاء إلى أن إطلاق رئيس حركة أمل في كل مرة النار على “النظام الحالي” دائما ما يترافق وموجة غضب على هذا النظام تنطفئ مع انحسارها، مشيرين إلى الاحتجاجات التي تفجرت في أكتوبر الماضي والتي طالبت بكنس كل الطبقة السياسية تحت شعار “كلن يعني كلن”، حيث سارع بري حينها لركوب الموجة بمهاجمته للنظام الحالي قبل أن يركن إلى الصمت مع تراجع زخم الحراك. ويعد بري أبرز ممثلي الطائفة الشيعية في السلطة، ويتولى منصب رئاسة البرلمان منذ العام 1992، وتوجه إليه اتهامات كثيرة بالفساد، وتنسب له العديد من التصريحات المشيدة بالطائفية لعل أبرزها في العام 2015، حينما قال “لولا الطائفية، لاندلعت ثورات في البلد”. وتتزامن دعوته الجديدة مع دعوات مشابهة أخرى أطلقها مسؤولون منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس، وبعد دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إحداث “تغيير” حقيقي في النظام ووضع “ميثاق سياسي جديد”. وهناك تسريبات عن مفاوضات تجري في الغرف المغلقة بحثا عن صيغ جديدة للحكم في لبنان، ولا تخلو هذه المفاوضات من تشابكات داخلية وخارجية. وقال بري في كلمته “أدعو اللبنانيين إلى ملاقاتي نحو الدولة المدنية”، غداة دعوة مماثلة أطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون مساء الأحد. واعتبر عون في مقابلة تلفزيونية أن “السلطة تقوم على نظام توافقي يتطلب الإجماع، وهو أمر مستحيل في أغلب الأحيان، يشلّ الدولة ويوقف القرارات مهما كانت أهميتها”. ودعا في كلمة له سبقت المقابلة لمناسبة الذكرى المئوية لقيام دولة لبنان الكبير “إلى إعلان لبنان دولة مدنية”، معتبرا أن ذلك “يعني خلاصه من موروثات الطائفية البغيضة وارتداداتها، وخلاصه من المحميات والخطوط الحمر والمحاصصات التي تكبّل أي إرادة بنّاءة وتفرمل أي خطوة نحو الإصلاح”. ويقول مراقبون إن ما يجاهر به كل من عون وبري عن دولة مدنية، يناقض كليا ممارسات كلا الطرفين. ويحكم لبنان المتعدّد المذاهب والأديان نظام محاصصة طائفية وسياسية تتمسك به طبقة سياسية لم تتغير منذ عقود. وأبدى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله هو الآخر انفتاحا إزاء الطرح الفرنسي بشأن التوصل إلى “عقد سياسي جديد” بناء على اقتراح ماكرون، وسط مخاوف من أن تقود المفاوضات الجارية خلف الكواليس إلى ما يسعى إليه الحزب وهو قيام نظام قائم على المثالثة الطائفية (أي شيعة وسنة ومسيحيين) في مقابل المناصفة القائمة على اقتسام كعكة السلطة بين المسيحيين والمسلمين. واستباقا لزيارة ماكرون الذي يصل إلى لبنان بعد ساعات قليلة، للمرة الثانية منذ انفجار المرفأ، سرّعت القوى السياسية خلال الأسبوع الماضي مساعيها للاتفاق على رئيس حكومة خلفا لحسان دياب الذي استقالت حكومته على وقع غضب الشارع. وكلف عون الإثنين سفير لبنان لدى ألمانيا مصطفى أديب بتشكيل حكومة جديدة بعد حصوله على أصوات غالبية النواب خلال الاستشارات النيابية الملزمة. وتعهّد الأخير بإجراء إصلاحات وتشكيل حكومة “في أسرع وقت ممكن”. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :