تونس – انتقدت أوساط سياسية وشعبية في تونس إعفاء نصاف بن علية، المديرة العامة للمرصد التونسي للأمراض الجديدة والمستجدة، من خطة رئيسة اللجنة العلمية لمجابهة فايروس كورونا التابعة لوزارة الصحة، وسط شكوك بأن سلسلة الإعفاءات والتعيينات الأخيرة تحمل بعدا سياسيا، هدفه تصفية الحسابات وتلغيم الطريق أمام الحكومة الجديدة. وأكدت بن علية في تصريحات محلية إعفاءها من خطة رئيسة اللجنة العلمية لمجابهة فايروس كورونا ومن مهمتيْ مقررة اللجنة والناطقة باسمها. وقالت “لقد أبلغنا وزير الصحة الجمعة الماضي بأنّه قرّر مراجعة تركيبة اللجنة وتعيين شخصه رئيسا للجنة وتعيين عضوين آخرين في مهمتيْ مقرر اللجنة والناطق باسمها”، وبينت أن الأسباب المباشرة تجهلها واكتفت بتطبيق القرار. محمد عمار: لا توجد تصفية حسابات وهذه حكومة سيندم عليها التونسيون محمد عمار: لا توجد تصفية حسابات وهذه حكومة سيندم عليها التونسيون وعزا متابعون إعفاء بن علية من مهامها إلى تصفية الحسابات واحتدام المعركة على السلطة بين الأحزاب الحاكمة والتي ازدادت حدتها مع استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ على خلفية اتهامه بوجود شبهة تضارب المصالح واستغلال نفوذ. ويلاحظ هؤلاء إصرار الفخفاخ على شن حملة انتقامية تستهدف خصومه في العمر القصير المتبقي من حكومته، تذهب ضحيتها كوادر وشخصيات تكنوقراطية مثل بن علية والتي أثبتت نجاعتها في إدارة حالة الطوارئ الصحية عقب ظهور الوباء مباشرة، وكانت جهودها محل إشادة واسعة. ورجحت وسائل إعلام محلية قرار إعفاء بن علية على خلفية “مشاركتها في اجتماع مكتب البرلمان لتقديم آخر التطورات حول عودة انتشار الوباء وتداعياته بعد موافقة وزير الصحة بالنيابة محمد الحبيب الكشو، ولكن وبمجرد بلوغ الخبر لقصر قرطاج والقصبة جاءت الأوامر صارمة بإقالتها وبسرعة”. وتعمقت الأزمة السياسية في تونس منذ استقالة الفخفاخ التي وصفها متابعون بالسعي لتشويه حكومة الرئيس من قبل حركة النهضة التي تعارضها والتي تعمل على تحجيم دور الرئيس قيس سعيد أمام الرأي العام، وعبر خطوات استفزازية من قبل رئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي تجاوز صلاحياته في أكثر من ملف. وردا على استفزازات النهضة، التي نجحت مناوراتها في إقالة الفخفاخ، رد الأخير بإقالة خمسة من وزرائها، في خطوة أثارت لغطا كبيرا وفضحت انشغال الأحزاب بالمعارك السياسية على حساب مشاغل المواطنين. ولم تكتف حكومة الفخفاخ بإعفاء بن علية أو شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، الذي أقيل بدوره من منصبه قبل أيام قليلة، بل أجرت وزارة شؤون أملاك الدولة سلسلة من التعيينات الجديدة، في خطوة شبهها مراقبون بحكومة يوسف الشاهد السابقة التي أرادت إغراق حكومة الحبيب الجملي بتعيين شخصيات تواليها في الإدارات في اللحظات الأخيرة من عمرها. أحمد نجيب الشابي: ما يجري اليوم هو عنوان لاستغلال النفوذ لتحقيق غنائم سياسية أحمد نجيب الشابي: ما يجري اليوم هو عنوان لاستغلال النفوذ لتحقيق غنائم سياسية وكان الشاهد تعرض لانتقادات حادة عبر تلك التعيينات واعتبرها البعض بمثابة “فساد” فيما اعتبرها آخرون مثل الاتحاد العام التونسي للشغل أنها تفضح “نواياه السيئة” لتلغيم حكومة خلفه وتعريضها للابتزاز. وأدان سياسيون ومتابعون إقحام الكفاءات التونسية في الحرب الجانبية بين الأحزاب دون التفكير في مصلحة الدولة أو انتظارات الشارع الذي مل المعارك ويريد حلولا حقيقية لأوضاعه المعيشية الصعبة. واعتبر السياسي التونسي أحمد نجيب الشابي في حديثه لـ”العرب” أن “الإقالات والتعيينات الأخيرة تقوم على استغلال النفوذ لخلق وضعيات قانونية في الوقت الضائع”، مشيرا إلى “أن حكومة تصريف الأعمال هدفها مواكبة المشاريع السابقة وتسيير الأمور الضرورية للحياة اليومية للبلاد، وليس التركيز على إقالة الناس من مواقعهم وتعيين آخرين في مكانهم”. ووصف الشابي ما يجري اليوم بأنه “عنوان لترذيل الدولة من قبل ساسة فاقدي لمعنى الدولة، يستغلونها لتحقيق مآرب خاصة لهم أو لأصدقائهم”. وتابع “هو عنوان لاستغلال النفوذ وتحقيق مغانم سياسية أو انتقام من خصوم”. ورأى متابعون أن ردود فعل الفخفاخ بخصوص خصومه السياسيين الذين نجحوا في إزاحته من رأس الحكومة وأضعفوا شعبيته في فترة وجيزة، متسرعة وتعمق الهوة بين الشارع ونخبه أكثر. ولا يوافق القيادي في حركة نداء تونس خالد شوكات الرأي بأن التعيينات الجديدة بمثابة تلغيم لحكومة هشام المشيشي ومحاصرته مستقبلا، وأشار إلى أنها نوع من ردود الفعل المزاجية التي تكشف ضعف ثقافة الدولة لدى الطبقة السياسية الجديدة، لافتا إلى “أن ثقافة الدولة تقوم على العقلانية وعلى عدم الثأر وعلى عدم تصفية الحسابات وجعل مصلحة مؤسسات الدولة فوق كل اعتبار”. خالد شوكات: إقالة بن علية علامة سوداء في سجل حكومة الفخفاخ خالد شوكات: إقالة بن علية علامة سوداء في سجل حكومة الفخفاخ واعتبر شوكات أن “إقحام بن علية التي بيّنت جديتها ونزاهتها ووطنيتها مسيء لصورة الدولة ونقطة ضعف وعلامة سوداء في سجل حكومة الفخفاخ”. وأكد أن الدخول في خصومة سياسية مع شخصية تكنوقراط يعطي صورة سلبية، داعيا إلى “ضرورة تجاوز هذه المزاجية والحسابات الضيفة لتجاوز مأزقنا”. وفيما تتجه الاتهامات لفريق حكومة الفخفاخ والأحزاب التي تؤيده بتعمد تلغيم حكومة المشيشي في اللحظات الأخيرة لإضعافها مستقبلا ثم إسقاطها بهدف فرض سيناريو الانتخابات المبكرة التي تخدم حظوظهم وتقوي حزامهم السياسي عبر التفاهم حول حزام برلماني يدعم الرئيس قيس سعيد في مواجهة حزب النهضة الذي تتآكل شعبيته يوما بعد يوم وتأسيس مشهد جديد، تنفي أحزاب هذه الفرضية. ويقول محمد عمار النائب عن التيار الديمقراطي لـ”العرب” إن تأويل التعيينات الأخيرة مجرد مزايدات سياسية ومحاولة للتصعيد. وتابع “لم يقع تجاوز لا القانون ولا الدستور ما وقع هو ترقيات عادية وآلية ولا تعد في إطار تلغيم الحكومة القادمة”. ونفى عمار كل الاتهامات التي تطال حكومة الفخفاخ وعلق بالقول “لا توجد تصفية حسابات وهذه حكومة سيندم عليها التونسيون”. وتنتظر حكومة هشام المشيشي الثلاثاء تصويت البرلمان التونسي المكون من 9 كتل برلمانية و18 نائبا مستقلا لمنحها الثقة. ومنذ الإعلان عن الحكومة، مازالت مواقف الكتل والأحزاب متضاربة تجاهها.
مشاركة :