إيران وقد باتت تحت المجهر

  • 7/26/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

باتت إيران محط أنظار العالم بعد توقيع اتفاق الملف النووي مع المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة، إذ يُنتظر منها، أو هكذا يُعتقد، أن تتحول «قوةً للخير» تبتعد عن سياستها المغامِرة بدعمها أنظمة متهاوية، أو مشاريع أنظمة فاشلة، أو إرهاباً أعمى، لا تُثمِر غير الدمار. هذه هي التوقعات المنطقية لنهج إيران ما بعد الاتفاق، لا سيما بعد إذعانها لشروط المفاوض الدولي والغربي، على رغم ما قاله زعيمها الروحي خامنئي من أن بلاده ستواصل سياستها ضد «الاستكبار والغطرسة». فكأن خامنئي يؤكد ضمنياً تنازل بلاده أمام الغرب، ولكن على رغم ذلك، «فإننا» لن نتوقف عن معاداة «الاستكبار والغطرسة»، العبارة التي باتت ممجوجة منذ زمن، وفقدت أي معنى لها، والتي تعيد إلى الأذهان مقولات مماثلة رددها قادة عرب كثيرون بعد هزائم متكررة أمام إسرائيل. لكن يبدو أن خامنئي لا ينتبه لاضطرار أستاذه الراحل آية الله الخميني إلى وقف أطول حرب في القرن العشرين، حرب الثماني سنوات مع العراق في 1988، حين شبّهه بـ «تجرّع السم». في كل الأحوال يقدم الاتفاق لإيران فرصة تاريخية لتحسين موقفها في المنطقة عموماً ومع جيرانها في الشاطئ المقابل من الخليج خصوصاً. ويفترض أن يساعد طهران على اتخاذ خطوة حيوية أخرى، غير التوقيع على الاتفاق، تكون ذات طبيعة استراتيجية مهمة تجاه عرب المنطقة. فالآثار التي يتركها نفوذ إيران في الأحداث واضحة المعالم من دون لبس في أربع عواصم عربية على الأقل. ففي دمشق وبيروت تشكل قوة طهران ونفوذها عاملاً مصيرياً لا جدال حوله في المستقبل السياسي لسورية ولبنان. فطهران تحقن منذ 2011 بلايين الدولارات في شرايين نظام الرئيس بشار الأسد الفاقد الصلاحية والمكروه من قسم كبير من شعبه. كما تدعم وتحتضن الدور الداعم للأسد الذي تلعبه ميليشيا «حزب الله» وزعيمها حسن نصر الله. وفي بيروت تُمسِكُ الميليشيا ذاتها برقبة لبنان كرهينة في يدها وتحول دون قيام ممثلي اللبنانيين في البرلمان بلعب دورهم الدستوري باكتمال النِصاب القانوني لانتخاب رئيس للبلاد. فقد فشل مجلس النواب في جلسة الأربعاء (15/7/2015) في انتخاب رئيس للمرة السادسة والعشرين، إذ مضى على لبنان الآن، وهو من دون رئيس جمهورية، نحو من 430 يوماً، ما يزيد تعريض البلاد لمزيد من الاحتقان السياسي والطائفي، وذلك في بلد «يسير على كف عفريت» في منطقة لا حدود لأخطارها. على صعيد آخر، يبدو أن دور إيران في العراق تقسيمي وغامض في أحسن الأحوال. فلم يعد سراً كيف أن دعم سياسة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي الطائفية التوجه، وإصرار «الحرس الثوري» على التمسك بها، ساهما لسوء الحظ في خلق شروط ولادة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) وانتشاره السريع والواسع في مناطق الأنبار وحتى الموصل، المدينة الثانية في العراق. ومن المحزن أيضاً العبث القاتل الذي لا تتوانى طهران عن بث لهيبه في اليمن عبر تقديم المساعدات من دون حدود لميليشيات الحوثي وعساكر الرئيس السابق علي عبدالله صالح. فهذا الدور لم يلهب فحسب حرباً أهلية شرسة بين اليمنيين، بل حفر شرخاً في جسد اليمن الاجتماعي والسياسي قد تطول وتصعب معالجته. فإيران تعبث في حرب دامية في بلد بعيد جداً عن حدودها ولا مستقبل لطهران فيها ما عدا طعن السعودية في ظهرها. فهنا الآن، مع الاتفاق حول الملف النووي، ثمة فرصة لفتح أكثر من باب للتعاون وليس المواجهة. وهذا يعني شيئاً واحداً فقط وهو اتخاذ طهران خطوات وإجراءات لتطبيع علاقاتها مع بقية دول العالم. فالاتفاق، إذا ما نُفذ بحكمة، يضعها لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، على طريق التحول قوةً للخير في المنطقة وما وراءها. لكنْ كي يحدث هذا، على إيران في المقام الأول وعاجلاً أن تطمئن جيرانها المباشرين، لا سيما القوى المكونة لـ «التحالف العربي» التي تخوض حرباً دفاعية في اليمن، في شأن نواياها المستقبلية. ويتوقع كثيرون أن تقوم إيران بعد توقيعها على الاتفاق بإعادة ترتيب أولوياتها: فهل هي الاهتمام بالتنمية وإخراج البلاد من حالة الإنهاك الشاذة، أم الاستمرار في السياسة الطائشة هنا وهناك والاستمرار بحربٍ لا مستقبل سياسياً أو أمنياً لها؟ فدول مجلس التعاون الخليجي الست رحبت بدرجات مختلفة بالاتفاق النووي، إذ رأت فيه أساساً واقعياً ليس على الجبهة الأمنية فحسب، بل الأهم لما يشكله من فرص كبرى للتعاون الاقتصادي والتجاري مع إيران بجيلها الشاب المتطلع نحو الانفتاح على العالم وليس الحرب معه. وتتطلع دول مجلس التعاون نحو منطقة مستقرة في الخليج والشرق الأوسط. ومن الطبيعي أن تشعر بقلق مصيري في هذه المرحلة التي شهدت في السنوات القليلة الماضية تدميراً شبه كامل لاثنين من اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، سورية والعراق، وانحسار إمكانية أي دور إقليمي واسع لأكبر دولة عربية، مصر. لذلك، يتعين على القيادة الإيرانية بكل مكوناتها طمأنة جيرانها العرب حول نواياها في الأشهر والسنوات المقبلة. ويتوقع جيران إيران باعتبارها الدولة الأقوى (بعد إسرائيل) في الشرق الأوسط وشرق آسيا، اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتخفيف التوتر في المنطقة والإسهام العاجل في وضع حد لاتساع الحرب المتوحشة في سورية والعراق واليمن وردعها عن لبنان. فهل إيران قادرة على التغير؟

مشاركة :