واضح أن الوفاق الذي كان بين إيران والولايات المتحدة الأميركية خلال فترة حكم الرئيس باراك أوباما أصبح في عداد الماضي؛ فإدارة ترامب تدرك جيداً خطورة طهران على الاستقرار الإقليمي، ودعمها الإرهاب والميليشيات العسكرية، ونزعتها التوسعية عســـكرياً من خلال تطوير منظومة صواريخها الباليستية، في خرق واضح لقرار مجلس الأمن رقم 2231. وقد لا نفاجأ حين نسمع يوماً أن إيران استأنفت سراً تطوير برنامجها النووي لأغراض عسكرية. توقّع عدد من القوى الدولية أن الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، وما يترتب عليه من مزايا اقتصادية وعودة طهران إلى حظيرة المجتمع الدولي، سيحفز هذا البلد على تحسين سلوكه في المنطقة، وينهج سياسة خارجية قائمة على التعاون وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، لكن هذا الأمر لم يحصل بتاتاً. على العكس من ذلك؛ سعت طهران إلى توظيف تلاشي الضغوط الدولية عليها وتخفيف العقوبات الاقتصادية عنها، والإفراج عن جزء كبير من ودائعها المالية في الخارج في خدمة سياستها الخارجية التوسعية المبنية على أسس مذهبية مستمدة من الدستور الإيراني، وأهمها تصدير مبادئ الثورة الإيرانية، من خلال التوسع في دول الجوار عبر وسائل عدة؛ لعل أهمها في الوقت الحاضر سياسة الميليشيات العسكرية الطائفية التي تدعمها وتوجهها، وخصوصاً من الحرس الثوري وقياداته العسكرية. توقّعات بعض القوى الدولية، وخصوصاً الدول الأوروبية، أخذاً في الاعتبار العلاقات الوثيقة بين إيران وكل من روسيا والصين، بدأت تتبدد يوماً بعد يوم، وسواءً كانت هذه الدول تعتقد بإمكان حدوث تحول إيجابي في سلوك إيران الخارجي، أم أنها ترى أن التصالح مع إيران هو أقل ضرراً من المواجهة، أو أية أسباب أخرى في ذهنها، إلا أنه بدا واضحاً من الموقف الأميركي المتصلب تجاه إيران منذ قدوم الإدارة الأميركية الجديدة أن الأمور لن تسير وفق تصورات هذه الدول. ومهما أكدت الدول الأوروبية أهمية إعطاء مزيد من الوقت للاتفاق النووي وعدم التسرع في اتخاذ موقف من إيران؛ إلا أن عقارب الساعة الأميركية تسير في اتجاه مختلف قد تجد معه الدول الأوروبية المعنية نفسها مطالبة بمسايرة الموقف الأميركي وفق تفاهمات تشمل أموراً أخرى تخص الدول الأوروبية نفسها في ما يتعلق بعلاقاتها مع واشنطن. من ناحية أخرى، وبقدر ما كانت الدول العربية، خصوصاً الدول الخليجية، مدركة خطورة إيران وعدم جديتها، وذلك من واقع تعاملها مع طهران لعقود طويلة منذ الثورة الإيرانية عام 1979، إلا أنها كانت تمني النفس بإمكان تحول إيجابي في الموقف الإيراني، رغبةً منها في إقامة علاقات تعاون مع جارتها على الضفة الأخرى من الخليج العربي، بما يفضي إلى تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي. الآن دول الخليج تقدمت بمبادة للحوار مع إيران موجهة من أمير الكويت إلى الرئيس الإيراني، وإيران رحبت بذلك على لسان وزير خارجيتها. لكن، يا ترى هل يجب أخذ الترحيب الإيراني على محمل الجد، وهل ستتعامل إيران مع العرض الخليجي بإيجابية؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة، القريبة وليس البعيدة. لكن من خلال متابعة سلوك إيران ونمط تعاملها مع القضايا الإقليمية في السنوات الماضية يمكن القول إن طهران بارعة في المناورة السياسية وشراء الوقت، وأعتقد بأن هذا ما ستفعله هذه المرّة، خصوصاً أنها تخضع لضغوط أميركية تزداد يوماً بعد يوم. لا نحتاج، أن ننتظر كثيراً حتى ندرك مدى جدية إيران وما إذا كانت ترغب في تغيير سلوكها ليصبح إيجابياً، ويأخذ بالاعتبار قلق دول الجوار العربي ومطالبها الشرعية. فهناك التدخل الإيراني في الأزمة السورية، ودعم طهران الجماعات الانقلابية في اليمن وتزويدها بالسلاح، إضافة إلى تأجيج الطائفية والمذهبية، وإنشاء الميليشيات المسلحة ودعمها في مناطق عدة من الوطن العربي، ورفضها الدائم الوصول إلى حل سلمي وفقاً لمبادئ القانون الدولي أو المفاوضات المباشرة مع أبو ظبي في شأن الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة. هذه بعض من أبرز مكامن الخلاف العربي مع إيران، والكرة الآن في الملعب الإيراني، وإن كنا نكرر شكّنا في مدى جدية طهران في هذا الشأن. * كاتب سعودي
مشاركة :