تسعى ألمانيا إلى تعزيز جهودها في مكافحة اليمين المتطرف بعد أن ارتفعت جرائمه بشكل غير مسبوق، حيث أصبحت عمليات تعقب عناصره تؤرق أجهزة الاستخبارات. وبات الساسة الألمان على قناعة تامة بأن المقاربة الأمنية لوحدها لم تعد كافية لتحصين مجتمع لم يتجاوز بعد صدمة النازية. برلين- تعتزم وزيرة البحث العلمي في ألمانيا، أنيا كارليتسيك، زيادة مخصصات أبحاث مكافحة التطرف والعنصرية، في وقت تشير فيه تقارير استخباراتية إلى أن ألمانيا تنزلق بوتيرة أسرع نحو التطرف اليميني رغم المجهودات الحكومية لكبحه. وتعكس الخطوة في ما يبدو قصور المقاربة الأمنية في مواجهة موجة تطرف غير مسبوقة ترجمتها السبت الماضي، محاولة اقتحام متطرفين يمنيين لمقر البرلمان الألماني (البونسدتاغ) ورفع رايات النازية، المناوئة للمؤسسات، ما أثار صدمة واسعة لدى السياسيين الألمان. وقالت كارليتسيك الأربعاء “الحكومة الألمانية تتصدى بكل قوتها لأوجه التحريض والاستياء المعادي للإنسانية.. لكي نتمكن من مكافحة التطرف اليميني والعنصرية بفعالية، نحتاج إلى المزيد من المعرفة عن جذورها وانتشارها الحالي ومظاهرها المتنوعة والخفية في الكثير من الأحيان”. وأكدت الوزيرة أن وزارتها ستواصل من أجل ذلك تعزيز “البحوث الأساسية والتطبيقية” في هذه المجالات، مضيفة “سنوسع بذلك بحثنا الجاري في مجالات التماسك الاجتماعي والأمن المدني ومعاداة السامية”. ومن المقرر أن تجتمع اللجنة الوزارية لمكافحة التطرف اليميني والعنصرية للمرة الثانية، حيث سيتم الاستماع إلى ممثلي المجتمع المدني، لاسيما المنظمات المعنية بشؤون المهاجرين والأوساط الأكاديمية. وتأسست اللجنة عقب جرائم قتل ذات دوافع يمينية متطرفة في مدينة هاناو الألمانية. ومن المنتظر أن تضع اللجنة حزمة من الإجراءات لمواجهة التطرف. هورست زيهوفر: اليمين المتطرف يعد أكبر تحد للسياسة الأمنية في بلدنا هورست زيهوفر: اليمين المتطرف يعد أكبر تحد للسياسة الأمنية في بلدنا والأسبوع الماضي، شهدت العاصمة برلين مظاهرات مناوئة لإجراءات الحكومة لمواجهة وباء كورونا، حيث اقتحم خلال ذلك نحو 300 إلى 400 متظاهر الحواجز الموجودة أمام مبنى البرلمان الألماني، كما تم استخدام أعلام الإمبراطورية الألمانية (الرايخ الألماني) بالألوان الأسود والأبيض والأحمر من قبل أعضاء حركة “مواطني الرايخ الألماني” الذين لا يعترفون بالدولة الألمانية الحديثة التي تأسست بعد انهيار النازية. وعمّق رفع المتظاهرين لشعارات النازية مخاوف الساسة الألمان من تغلغل التطرف اليميني داخل مجتمع ما زال لم يتجاوز بعد تداعيات الحقبة النازية. ورغم المساعي الحكومية الحثيثة لمكافحة ارتفاع منسوب التطرف، إلا أن أعداد المتطرفين في ازدياد. وتواجه ألمانيا تزايدا لافتا في عدد جرائم اليمين المتطرف، ما يؤشر على توسع نطاق فكر عنصري يهدد التعايش المشترك، فيما كشفت أجهزة الاستخبارات البلجيكية مؤخرا أن اليمين المتطرف في أوروبا الغربية بصدد التسلح. ويتبني النازيون الجدد، وهم يمنيون متطرفون يعتبرون أنفسهم امتدادًا للنظام النازي الذي حكم ألمانيا بين 1933 و1945، شعارات الأيديولوجية النازية مثل الصليب المعقوف، ويعتنقون أفكارًا معادية للمهاجرين والأشخاص غير المنحدرين من أصل ألماني، ويعادون النظام السياسي الحالي في البلاد. ولعل قلق السياسيين الألمان من ازدياد هذه الظاهرة يعود إلى فظائع النظام النازي. فقد لقي أكثر من 6 ملايين يهودي حتفهم من قبل النازيين في عمليات منظمة، معظمهم قتلوا في معسكرات الاعتقال. وسجلت ألمانيا ارتفاعًا كبيرًا في عدد المتطرفين اليمينيين في العام الماضي وأفاد تقرير أعدته هيئة حماية الدستور الألمانية (المخابرات الداخلية) أن عدد المتطرفين اليمينيين في البلاد بلغ 32.080 العام الماضي ويمثل هذا زيادة تقارب 8000 فرد مقارنة برقم 24100 المسجل في 2018. وأشار التقرير إلى أن حوالي 7000 عضو من قسم الشباب المنضوي تحت حزب البديل من أجل ألمانيا، ثالث القوى البرلمانية، فضلا عن أعضاء آخرين في فصيل متطرف آخر يعرف باسم “الجناح” كانوا جميعهم تحت مراقبة أعين المخابرات الداخلية الألمانية بسبب ميلوهم المتطرفة المنضوية تحت الأحزاب اليمينية المتطرفة. تواجه ألمانيا تزايدا لافتا في عدد جرائم اليمين المتطرف، ما يؤشر على توسع نطاق فكر عنصري يهدد التعايش المشترك وتعهدت السلطات الألمانية بتكثيف التدابير ضد التطرف اليميني في أعقاب مقتل سياسي إقليمي على يد مشتبه به من النازيين الجدد، وهجوم على كنيس في هاله، وإطلاق النار على 9 أشخاص في هاناو العام الماضي. وقال وزير الداخلية هورست زيهوفر “إن اليمين المتطرف يعد أكبر تحد للسياسة الأمنية في بلدنا”. وفي 17 يناير 2017 أصدرت المحكمة الدستورية العليا بمدينة كالسروه الألمانية قرارا ضد حظر الحزب القومي الألماني الغطاء السياسي للنازيين الجدد. وذلك بعد أن تقدم مجلس الولايات الألمانية بالتماس لدى المحكمة يطالب فيه بحظر الحزب اليميني المتطرف. غير أن أعلى هيئة قضائية ألمانية ارتأت غير ذلك، معللّة قرارها، بأنه ورغم أن “نوايا الحزب مخالفة للدستور”، لكنه لا يملك “القدرة” على الإطاحة بالديمقراطية في البلاد. وفي وقت سابق، حذرت أجهزة المخابرات الألمانية من أن المتطرفين اليمينين بدأوا في مرحلة الانتقال إلى اقتناء أراض، لإقامة قواعد لأنشطتهم وترسيخ أنفسهم في المجتمعات
مشاركة :