تراجعت أسعار النفط الخام أمس، بسبب ضغوط جائحة كورونا، التي تسببت في تعثر تعافي الاقتصاد العالمي، إضافة إلى انخفاض استهلاك البنزين في الولايات المتحدة، ما أثر في معنويات السوق وفي توقعات نمو الطلب العالمي على الوقود. وسجلت أسعار النفط أدنى مستوى في عدة أسابيع بفعل عودة صعود الدولار الأمريكي، وذلك في ضوء توقعات تفيد باحتمال قيام "أوبك+" بالتوصية بتخفيف قيود خفض الإنتاج خلال اجتماع وزاري يعقد في منتصف الشهر الجاري لمراقبة اتفاق خفض الإنتاج. ويقول لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون، إن انخفاض أسعار النفط جاء في ظل توقع ضعف طلب المصافي على النفط الخام في الخريف مع لجوء المستثمرين إلى الدولار كملاذ، وتوقف بعض المصافي لبدء موسم الصيانة، لافتين إلى أن عودة المعنويات السلبية في السوق أدت إلى تراجع العقود الآجلة في نيويورك 2.8 في المائة. وأشار المختصون إلى حالة الحذر، التي تهيمن على تعاملات المستثمرين، خاصة في ضوء البيانات، التي تفيد باستمرار ضعف الطلب على النفط والبنزين نتيجة الإصابات السريعة بفيروس كورونا، واستمرار حالة الركود في قطاع السفر بالطيران وهو الأمر المرشح لأن يضغط بشكل أكبر على الطلب في الفترة المقبلة. وذكر المختصون أن إعصار "لورا" ساعد على تقليص صادرات السعودية النفطية إلى السوق الأمريكية لحين استقرار أوضاع الصناعة في الولايات المتحدة، ما أسهم في تقليص المعروض النفطي والتأثير في البيانات الأمريكية من خلال زيادة السحب من فائض المخزونات النفطية المتراكم. وفي هذا الإطار، يقول مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، إن الضغوط الهبوطية على أسعار النفط الخام عادت مجددا في ظل التقلبات السعرية السريعة المهيمنة على السوق، لافتا إلى أن التراجع يعود إلى ارتفاع الدولار الأمريكي بأكبر قدر في أسبوعين، ما قلل من جاذبية السلع المسعرة بالدولار وعلى رأسها النفط الذي يرتبط بعلاقة عكسية مع الدولار. ولفت إلى أن تحديات وصعوبات تعافي الطلب ما زالت قائمة، خاصة إذا أدى تجدد الإصابات السريعة بالفيروس إلى العودة إلى إغلاق الأنشطة الاقتصادية وتوقف المدارس، حيث سيكون لذلك تأثير قوي جديد في الطلب على البنزين، خاصة في موسم صيانة المصافي ونهاية العام. ويرى، فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية للطاقة أن أسعار النفط الخام حققت مكاسب جيدة، وتضاعفت ثلاث مرات بعدما انزلقت إلى المنطقة السلبية في أبريل الماضي، ولكن المكاسب بشكل عام لا تزال محدودة بسبب عدم اليقين بشأن موعد عودة استهلاك النفط إلى طبيعته في ظل ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في عدد من الولايات الأمريكية الرئيسة مثل، ولايتي أيوا وساوث داكوتا. وأشار إلى توقع دوائر تحليلية أن يستمر تعثر الطلب خلال الشهرين الجاري والمقبل ما لم تحدث طفرة في الواردات الصينية، خاصة أن موجة شراء واسعة للنفط الخام حدثت في وقت سابق من هذا العام، مشيرا إلى أن هامش التكرير للبنزين والديزل حاليا عند أدنى مستوياته منذ نحو عقد، لافتا إلى غياب الحوافز المالية لعودة نشاط المصافي بشكل نشط وكامل. ومن ناحيته، يؤكد أولتراس فيفراس مدير الاستثمار في أحد بنوك مولدوفا، أن مخزونات الخام الأمريكية تراجعت للأسبوع السادس على التوالي، وهو مؤشر إيجابي على تعافي الطلب ولو نسبيا، بينما المعروض النفطي يتجه إلى التقلص بفضل جهود "أوبك+" في خفض المعروض، إضافة إلى تأثير إعصار لورا الأسبوع الماضي، الذي أدى إلى انخفاض إنتاج الولايات المتحدة إلى أقل من عشرة ملايين برميل يوميا للمرة الأولى منذ 2018. بدورها، تقول ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكان إنجنيرينج" الدولية، إن السعودية تواصل تقليص صادراتها النفطية إلى السوق الأمريكية للمساعدة على زيادة وتيرة السحب من المخزونات وعلاج الفائض المتراكم، وقد ذهبت الشهر الماضي حصة من صادرات النفط أصغر من أي وقت مضى إلى الولايات المتحدة، لافتا إلى تأكيد بيانات الاستيراد الأمريكية أن عمليات التسليم في أغسطس الماضي كانت هي الأقل على الأرجح منذ عقود. وعدت أن خفض الصادرات النفطية السعودية إلى السوق الأمريكية هو أسرع طريقة لتقليص المعروض في الأسواق وطمأنة السوق إلى نجاح خطة "أوبك+" في تقييد المعروض النفطي، حيث إن البيانات الأمريكية النفطية الخاصة بالعرض والطلب والمخزونات لها تأثير واسع في تجارة النفط العالمية. ومن ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، تراجعت أسعار النفط العالمية بالسوق الأوروبية أمس، لتعمق خسائرها لليوم الثاني على التوالي، مسجلة أدنى مستوى في أربعة أسابيع، بفعل تجدد المخاوف حيال مستويات الطلب العالمي، خاصة بعد انخفاض استهلاك البنزين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة البريطانية، ويضغط على الأسعار أيضا صعود الدولار الأمريكي مقابل سلة من العملات العالمية. وانخفض سعر النفط الخام الأمريكي القياسي تسليم أكتوبر 14 سنتا إلى 41.37 دولار للبرميل أمس، كما انخفض خام برنت تسليم نوفمبر 36 سنتا إلى 44.07 دولار للبرميل. وعند تسوية أمس الأول، سجل الخام الأمريكي رابع خسارة خلال الأيام الخمسة الأخيرة، وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت بنحو 3.0 في المائة، وتعد تلك الخسارة هي الأكبر لأسعار النفط العالمية منذ 24 حزيران (يونيو) الماضي، بسبب مخاوف حيال الطلب الأمريكي على البنزين. وقالت وكالة الطاقة الأمريكية أمس الأول، إن الطلب على البنزين انخفض الأسبوع الماضي إلى 8.78 مليون برميل يوميا من 9.16 مليون برميل في الأسبوع السابق. ووفقا للتقارير الأسبوعية في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية، لا يزال الطلب على البنزين أقل 10 في المائة، تقريبا عن مستويات العام الماضي، الأمر الذي يعكس التأثير المستثمر لجائحة فيروس كورونا. وأعلنت الوكالة الأمريكية انخفاض المخزونات التجارية في البلاد بنحو 9.4 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 28 آب (أغسطس)، في سادس انخفاض أسبوعي على التوالي، لتتجاوز توقعات الخبراء انخفاضا بنحو 2.0 مليون برميل. وعلى حسب تلك البيانات، انخفض إجمالي المخزونات التجارية في الولايات المتحدة إلى نحو 498 مليون برميل، الذي يعد أدنى مستوى منذ الأسبوع المنتهي الثالث من نيسان (أبريل) الماضي. ويعود هذا الارتفاع الواسع في السحب من المخزونات إلى إغلاق منشآت الإنتاج والتكرير في منطقة خليج المكسيك بسبب الإعصار والعواصف، التي ضربت السواحل الأمريكية. وللسبب نفسه، انخفض الإنتاج الأمريكي الأسبوع الماضي بنحو 1.1 مليون برميل يوميا، لينزل الإجمالي إلى 9.7 مليون برميل يوميا، الذي يعد أدنى مستوى منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2017. وارتفع مؤشر الدولار أمس الخميس بأكثر من 0.4 في المائة، ليواصل مكاسبه لليوم الثالث على التوالي، عاكسا استمرار تحسن مستويات العملة الأمريكية مقابل سلة من العملات الرئيسة والثانوية، الأمر الذي يضغط بالسلب على أسعار السلع والمعادن المقومة بالدولار الأمريكي. ومن جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 45.03 دولار للبرميل الأربعاء مقابل 45.30 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، إن سعر السلة، التي تضم متوسطات 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء بالمنظمة حقق ثاني تراجع على التوالي، خسرت نحو دولار واحد، مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 46.05 دولار للبرميل.
مشاركة :