واصلت أسعار النفط الخام خسائرها السعرية الحادة جراء الإغلاق الاقتصادي والإصابات السريعة بكورونا حول العالم، ما أدى إلى تخمة المعروض مقابل استمرار تراجع الطلب العالمي على النفط الخام والوقود. ويقول لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون إن الأزمة، التي تمر بها الأسواق الأوروبية خاصة مع إعلانها واحدة تلو الأخرى تطبيق الإغلاق للسيطرة على عدوى كورونا أدت إلى بث أجواء سلبية وسيطرة حالة من الضبابية على توقعات استهلاك النفط الخام. وأوضح المختصون أن العوامل الهبوطية والضغوط الحادة على الأسعار أدت إلى انخفاض العقود الآجلة للنفط الخام في نيويورك 4.6 في المائة، كما تراجعت العقود الآجلة في لندن إلى ما دون 40 دولارا للبرميل، وهو أدنى مستوى في نحو شهر، بينما تستعد ألمانيا وفرنسا واقتصادات أوروبية أخرى كبرى تنفيذ إغلاق واسع في البلاد لمدة شهر. وفي هذا الإطار، يقول مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، إن معنويات السوق في اتجاه سلبي للغاية في ضوء وضع الجائحة المتأزم بشدة، لافتا إلى أن تدابير الحد من انتشار الوباء أثرت في أسواق الأسهم الأوروبية والأمريكية وزادت الأعباء على أسعار النفط الخام مع صعود الدولار أمام العملات الرئيسة. وأشار إلى تفاقم أعباء السوق مع إعلان معهد البترول الأمريكي أن مخزونات النفط الخام توسعت بمقدار 4.58 مليون برميل الأسبوع الماضي، لافتا إلى أن الجائحة جعلت توقعات الطلب أكثر هشاشة، ودعمت انتشار حالة عدم اليقين بشأن مسار الاستهلاك موضحا أن زيادات الإنتاج الليبي عمقت من جانبها حالة تخمة المعروض، وأدت إلى استمرار بناء المخزونات وضعف وتيرة السحب منها حتى نهاية العام الجاري على أقل تقدير. ومن جانبه، يرى فتوريو موسازي، مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية للطاقة أن اجتماعات "أوبك+" المقبلة، سواء على مستوى الاجتماع الوزاري أو مراقبة خفض الإنتاج أو اللجان الفنية أمامها قرارات صعبة يتعين اتخاذها أبرزها التمسك بمستوى عال من خفض الإنتاج في العام المقبل. وأشار إلى وجود حالة من الحذر في الأسواق، وتنامي الرغبة في تجنب المخاطر وهو ما تسبب في اتساع الخسائر السعرية للنفط الخام، خاصة مع ارتفاع الدولار الأمريكي واتساع مخزونات البنزين الأمريكية، إضافة إلى توقعات زيادة قوة عاصفة "زيتا" لتتحول إلى إعصار، ما قد يتسبب في خسائر تقدر بمليار دولار– بحسب تقارير دولية. من ناحيته، يقول ديفيد لديسما، المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية، إن تخفيض الإمدادات العالمية من النفط الخام بشكل مستمر جراء الجائحة كان له تأثير عميق في أسعار النفط الخام، وساهم في تحقيق تعاف نسبي بعد انهيار أسعار النفط في مارس الماضي، وبقيت الأسعار مستقرة حول 40 دولارا للبرميل وهي مهددة الآن بسبب الموجة الثانية من الوباء، التي تسببت في خسائر أوسع مما يتطلب تحركا من المنتجين نحو تعميق التخفيضات الحالية بصفته الآلية الوحيدة المتاحة لمواجهة الأزمة. وأضاف أن مستوى الأسعار المتردي لا شك أنه يعطل جهود المنتجين لتعزيز النمو الاقتصادي وتخفيف الأضرار الاقتصادية الفادحة، التي يسببها الوباء، مشيرا إلى أنه بالتوازي مع ذلك هناك تأثير واسع للعوامل الجيوسياسية وأبرزها عدم اليقين المحيط بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 3 نوفمبر المقبل. وبدورها، تقول ويني اكيللو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكان إنجنيرينج" الدولية إن مصير الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري موضع تساؤل واسع في الأسواق، خاصة إذا أسفرت الانتخابات عن قدوم إدارة أمريكية جديدة غير متحمسة للوقود الأحفوري وسبق أن تعهدت بإعطاء الزخم الأكبر إلى موارد الطاقة الجديدة والمتجددة، ما عده بعضهم مؤشرات على كساد استثماري في هذا القطاع، وفقدا واسعا للوظائف على نحو أوسع من معطيات الأزمة الراهنة. وأضافت أن إدارة الرئيس ترمب من المعروف أنها منحت بقوة الأولوية لجميع أشكال إنتاج الطاقة المحلية، التي أدت إلى أن تصبح أمريكا مستقلة في مجال الطاقة، لافتة إلى أن حملة بايدن نفت أنه يرغب في إلغاء جميع أشكال التكسير الصخري، ولكن يهدف إلى تحجيمها، وهو ما أعطى بعض التطمينات للمعنيين بهذه الصناعة، التي سبق أن قادت طفرة في الإنتاج الأمريكي من النفط الضيق. ومن جانب آخر، وفيما يخص الأسعار، واصلت أسعار النفط الخميس خسائرها بعد أن فقدت 5 في المائة في الجلسة السابقة، مع إعادة حكومات فرض قيود لاحتواء موجة ثانية من الإصابات بفيروس كورونا ووسط مؤشرات على تخمة معروض عالمي آخذة في التنامي. وبحلول الساعة 0743 بتوقيت جرينتش، كانت العقود الآجلة للخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط منخفضة ثمانية سنتات بما يعادل 0.21 في المائة إلى 37.31 دولار للبرميل، في حين نزلت عقود خام برنت 12 سنتا أو 0.31 في المائة لتسجل 39 دولارا. ووسط تزايد إصابات كوفيد - 19 في أوروبا، فرضت فرنسا لزوم المنازل من اليوم الجمعة إلا للأنشطة الضرورية، في حين ستغلق ألمانيا الحانات والمطاعم والمسارح من الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) إلى نهاية الشهر. وقالت مارجريت يانج، الاستراتيجية في ديلي إف.إكس، "توقعات الطلب تتدهور مع اكتساح موجة فيروسية ثانية الولايات المتحدة ومعظم أوروبا. تشديد إجراءات التباعد الاجتماعي وزيادة الإغلاقات قد يكون لهما تأثير أكبر من المتوقع في الطلب على الطاقة". وقالت "آي.إن.زد" للأبحاث في مذكرة "عودة الجائحة للتنامي تضغط على أوبك لتأجيل زيادة إنتاجها المزمعة في كانون الثاني (يناير)"، وتعتزم منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفاؤها، فيما يعرف بمجموعة "أوبك+"، تقليص تخفيضات الإنتاج في كانون الثاني (يناير) 2021 من 7.7 مليون برميل يوميا حاليا إلى 5.7 مليون برميل يوميا. وقدمت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الأربعاء أدلة جديدة على تخمة متنامية: فقد زادت مخزونات الخام الأمريكية 4.3 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 23 تشرين الأول (أكتوبر)، وهي زيادة فاقت المتوقع.
مشاركة :