منذ صغري وأنا يلازمني شعور بنفور من شيئين معاً: الأول جسدي السمين والثاني عدم تقبل معشر الرجال، وإن كنت نجحت في التخلص من أرطال زائدة في جسدي واستعدت الثقة فيه إلى حد ما إلا أنني لم أتخلص من عدم تقبل الرجال، وحين تخرجت من الجامعة وبدأ الخطَاب بالتقدم، كنت أرفضهم دونما سبب ظاهر، والآن كل من يتقدم لي أرفضه لأنه متزوج، وأرفض أن أتسبب في كسر قلب زوجته، أنا في حيرة ن شتات قراراتي، ومن موقفي من الرجل؟ جواب الاستشارة: ما سرد أعلاه هو اختصار للاستشارة المعروضة 1- أولاً: بعد عدة جلسات، عدنا فيها معك إلى الماضي من خلال ذاكرتك البعيدة جداً وحين وقفنا عند مرحلة طفولتك المبكرة، فقد كنت طفلة لا تختلف عن سائر الأطفال، إلا أن طبيعة ظروف عمل والدك اضطرته إلى الابتعاد والسفر طويلاً، مما ترتب عليه صورة معقدة من: خوف - صمت - سرية - ظلام، كنت حينها لا تملكين الحق في التعبير عن كل المشاعر المتضاربة بداخلك آنذاك إلا من خلال الهرب إلى اللعب، وحينما كبرت ونما جسدك، وظهرت معالم الأنوثة فيه، لم تتقبليه في الظاهر، لكونه لا يتماشى مع الجسد الذي اعتدت عليه طول فترتك السابقة، هذا من جهة، وزاد الطين بلة، الثقافة الشعبوية السائدة، القائمة على التطرف في التحذير من ظهور معالم جسد الأنثى باعتباره يساوي «عورة» بمعنى شيء مستهجن!، وليس بمعنى فاتن وينبغي الاعتزاز به والمحافظة عليه بستره. لازمك شعور بنفور تام تجاه جسدك، وشعور مماثل تجاه كل ما يشير إليه معالم الجسد، إذ الجسد يريد حمايتك، يشاركه العقل العاطفي في مهمته، ولا يوجد ما هو أقرب وأسهل من اختيار شعور الاشمئزاز، وممارسة التهام الطعام، وإجراء التجنب والابتعاد. وحين طرق الخطاب بابك، رأيت عذرك جاهزاً ومقبولاً، فهم متزوجون ولا يصح الاقتران بأحدهم!. ولكون الأب هو رمز الأمان، وهو من يحافظ على اتزان موقفك العاطفي والنفسي تجاه الرجال، ولذا فإن غياب والدك لمدة طويلة، شرّع بابًا تسلل الخوف من خلاله إلى أن ملأ جوانح قلبك، وعقد لسانك، وأربك موقفك من معشر الرجال. وفوق ذلك لم يكن وجوده بجوارك في تلك الفترة من حياتك سوى وسيلة ضبط وتقويم وتأديب، فأحسن والدك - ومعه منظومة مجتمعية بأكملها - بتخريج فتاة حساسة جداً، ناقدة لنفسها جداً، مراقبة لذاتها جداً، حذرة جداً، تعتني بعنوان هويتها: المتمثل في صورتها الخارجية جداً، مكتفية جداً، وخائفة جداً. الخوف في عدد من تجارب حياتك هو سيد الموقف. وهو من يمليء عليك قراراتك. الخوف من الرفض هو أكبر مخاوفك. وأنا أساعدك في الرجوع لماضيك وهو جزء لا ينفك عنك ولا ينفصل، فإن ذلك سيساندك بدرجة كبيرة في اجتياز المرحلة الأولى للتشافي، المتمثلة في الانفتاح الداخلي، والعودة للذات. حيث استرجعت بذاكرتك أبرز المواقف خلال المراحل العمرية السابقة من حياتك. وكذلك أكثر الأعراض ظهوراً التي نتجت عن الخبرة السابقة. وهذا دفعك لمواجهة أمام نفسك (أقصد أفكارك - مشاعرك) وجهاً لوجه. 2- تم تصنيف حالتك باعتبارها حالة ناتجة عن دوافع الغضب والخوف، فموقفك دفاعي وهجومي في آن واحد، تحتاجين إلى إرادة (روحية – نفسية) إضافية للسيطرة على انفعالاتك، المتجسدة في غضبك وانفعالك السريع ونقدك المستمر اللاذع وشكك الملازم لك ونفورك من الزواج. 3- إخراجك من حالة الوعي المنغلق، يبدأ أولاً بالتعرف على أعراضه، فأنت تعانين قلقًا وتشويشًا وترددًا وتفضيل القرار الذي يجعلك عالقة، طالما أنه يضمن لك الابتعاد، بدلاً من حسم الأمر بحزم. ولكن لكونك أصبحت أكثر تفهماً لوضعك فمن السهل عليك مواجهة الخوف الداخلي بفاعلية، ومن ثم استحقاقك للانتقال إلى حالة الوعي المنفتح. 4- بقي عليك أن تتقبلي ردة فعلك من غضبك، ومعنى تقبلي ردة فعلك من غضبك، أي تقبل الأجزاء التي ترفضينها في نفسك بدلاً من النفور. منها رفضها، ومحاربتها، وذلك من خلال ممارسة هذه الأشكال: (رفضك لهيئتك وجسدك) بتذكر الدور العظيم الذي يقوم به هذا الجسد، فهو الآلة الصحيحة القوية المتقنة، التي تقودينها طول حياتك لبلوغ أهدافك، وتحقيق إنجازاتك، والاستمتاع بلحظاتك، وبتذكر أن هذا الجسد هو إحدى الصور التي يتجسد فيها الإبداع المحكم للخالق العظيم، وجزء منك يسكنه الخير وآخر يقطنه الشر، ولكن يتفوق الإنسان بعدم الخضوع للجانب الشرير منه، وإنما باخضاعه له {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا(9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} سورة الشمس. وحينما ترفضين الرجل، والشعور بالرغبة به، فأنت في الحقيقة ترفضين جزءا منك، وهذا أحد أقوى أسباب شعورك بالانقسام والتشتت والصراع والغضب، ولا يعيدك إلى حالة الوفاق الداخلي إلا تقبلك وجود الرجل كما وجود الأنثى. 5- ثقي أن كل فكرة وشعور لا يخدمك، فهو من الوساوس، سواء كان مصدرها داخلك، أو من الشيطان، أكثري من التعوذ بالله منه. دعواتي الصادقة لك بالهدوء وراحة البال. - لاستقبال الاستشارات HODA.MASTOUR@gmail.com
مشاركة :