اليد الخفية

  • 9/3/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كل شيء في هذه الحياة يعطيك درسا.. يعلمك.. يضيف لك وبالتالي يشكل لك خبرة تغير زاوية منظورك للأمور وتكفل لك الراحة والنجاح معاً، فالإدراك يرسم لنا طريق التصرف لأنه هو المسؤول عن نظرتنا تجاه الأمور، وبالتالي هو تلك اليد الخفية وراء اختياراتنا، إذا ما علمنا أن الإدراك هو وسيلة الفرد للوصول إلى المعرفة والتكيف معها، تلك المعرفة التي يتم بها التعرف على البيئة المحيطة بنا والتي تعطي معنى للموضوعات التي تمر بنا. تخيلوا معي موقفين: الأول: أننا وسط غابة معصوبي الأعين بقطعة قماش تحجب الرؤية تماماً، أي أننا لا نملك الإدراك البتة وبالتالي وقوعنا في الأخطار أمر حتمي الحدوث. الثاني: أننا في نفس الغابة ومعصوبو الأعين أيضاً ولكن هذه المرة بقطعة قماش شفافة لكنها ملطخة بشكل يمنع الرؤية بوضوح نصفي، أمامنا هاوية، وبالقرب منها أفعى ضخمة تأبى التحرك وعلى أتم الاستعداد للانقضاض علينا إن تقدمنا لخطوة واحدة، وخلفنا وحش، تدفعنا غريزة البقاء على التقدم للتخلص منه، فهل تظنون أن انعدام الرؤية حينها أفضل من تلك الخيارات القاسية عندما أبصرنا نصف الرؤية!؟. دعونا نفسر الموقفين: الأول، يمثل انعدام الإدراك فليس هناك أي خلفية تعطي للمحيط بنا معنى، وبالتالي لم نبصر كلاً من الأفعى والوحش والهاوية ولربما حاسة اللمس تجعلنا نتلمس الأفعى أو نحس بشفى الهاوية. الثاني، يمثل تشوه الإدراك، وبالتالي فالأفعى لم تكن إلا حبلاً متيناً يمكّن من الانتقال بين قمة الجبل وشرفته والوحش لم يكن إلا غزال بقري جريح خوفه منا يجعله يحاول التحرك، والهاوية لم تكن إلا بمسافة المتر ونصف المتر فقط، وذلك الحبل لا يصل إلا إليها فقط، ويليها هاوية هي سفح الجبل. برأيكم أي الحالتين أشد خطورة!؟ في الحقيقة لا تقل خطورة انعدام الإدراك عن تشوهه بل إنها تفوقه بمراحل فانعدامه يولد إدراكا جديدا وبالتالي تعلم وخلفية تاريخية، بينما وجود الإدراك المشوه يحجب عنا النفع وبالتالي يمنعنا من تعلم الجديد، إضافة إلى القيام بالخيارات الخاطئة نتيجة المنظور الخاطئ بل ويؤذينا مسبقاً وخلال وبعد التواصل، حيث إن الإدراك هو وسيلة اتصال الإنسان ببيئته. خلاصة القول: إن مكان الإدراك هو العقل رغم أن وسائله الناقلة هي حواس، وبالتالي الصحيح أنه لا مكان لتصريف المشاعر البحت في مسرح الحياة، لا للمنظور السلبي واقتصاره على كل مواقف الحياة، لا لشخصنة الأمور وخلطها، لا للإدراكات المشوهة المؤذية والتشبث بها في حال تعرفنا على وجودها. نعم لاستخلاص المواقف الإيجابية من المواقف الصعبة والمؤلمة قبل السهلة والمُفرحة، نعم لخضع عقولنا للتفتيش الدائم عن ماهية إدراكاتنا وخضعها لفلترة قوية وشديدة، نعم لحذف كل الإدراكات السيئة مهما كانت مقنعة وذات دلائل دامغة. وأخيراً نعم لنحافظ على أنفسنا ونتعلم وحذارٍ من أن تُقلب العين ألفاً.

مشاركة :