مَن يشتري منِّي الحياةَ وطيبَها ... ووزارتي وتأدُّبي وتهذُّبي بمحلِّ راعٍ في ذُرى ملمومةٍ ... زُوِيتْ عن الدنيا بأقصى مَرتبِ فلقد سئمتُ من الحياةِ مع امرئٍ ... متغضِّـبٍ، متغلِّبٍ، مترتِّبِ (أبو جعفر بن سعيد الأندلسي) في كتاب صدر مؤخرا (2012) بعنوان القيادة دون خوف، ذكر المؤلف لوري كيور أن الخوف هو رد فعل طبيعي على المخاطر المرتبطة بأي مشروع جديد، ومختلف الناس تتعامل مع هذا الخوف بطرق متغايرة. بعضهم قادرون على قراءة ملامح الخطر، وشحذ هممهم وهمم الجميع من حولهم للعمل دون خوف، فيتحقق بذلك النجاح. ولكن آخرين قد يجعلون من منظمتهم مدينة للخوف، لأن كثيرا من القادة يعتقدون أن الخوف من النتائج هو السبيل الناجح لكي يتحمل الموظفون مسؤولياتهم. المنظمات تحتاج إلى أن تقاد كما تساس الخيول. فبعضها خيول أصيلة جامحة تصلح للسباق أو الحروب، وبعضها لا تصلح إلا لجر العربات أو المحاريث، وبعضها لا يصلح إلا للزينة أو ركوب الأطفال. ولكن أيا كان نوع الحصان الذي تمثله منظمتك، فإنه يحتاج إلى الرعاية، والعناية، والغذاء، والحب. ولا يمكن أن يتألق في أدائه في ظل الخوف. إذا كان المسؤول أو القائد فضوليا جدا وحشريا، ودائما مشغولا بالتحقق من عمل الجميع ولديه ملاحظات انتقادية وتصويبات على كل شيء، فإنه ليس من المستغرب أن يشعر الموظفون التابعون له بالخوف. لأن مسؤولا كهذا يتصرف كالكلب المسعور كلما وجد أمرا لا يروق له. ولكن الخيول الأصيلة لا يمكن أن تتوافق أبدا مع الكلاب الشرسة. وفي كثير من الأحيان فإن الذين يقودون منظماتهم من خلال التخويف ليسوا قادة طبيعيين، ولكنهم يصارعون لإخفاء مخاوفهم الداخلية الخاصة بهم لعدم شعورهم بالأمان. لعل حادثة انفجار المركبة الفضائية كولومبيا في العام 2013، عند دخولها المجال الجوي للأرض في رحلة العودة، ومصرع العلماء الفلكيين السبعة على متنها، كان مؤشرا على نوعية الثقافة الموجودة في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا). فقد كان الخوف من فقد الوظيفة هو الذي منع المهندسين في الوكالة من تحذير رؤسائهم من المخاطر المحيقة بالرحلة والتشكيك في صدقية قراراتهم الإدارية. فقد كان الخوف هو أداة الإدارة في إدارة الوكالة. حيث أشار تقرير فريق التحقيق الرسمي بالحادثة الى أن ثقافة الخوف أدت إلى خلق الحواجز التنظيمية التي حالت دون التواصل الفعال حول المعلومات المهمة للسلامة، ومنعت ظهور اختلافات الرأي المهنية. إذا كنت قائدا، فربما تحتاج إلى أن تولي اهتمامك إلى العلامات التي تدل على أن منظمتك يغلب عليها الخوف. وهذه العلامات هي: (1) أن تصبح المظاهر هي كل شيء، وينشغل الناس حول بقائهم في مناصبهم، وكيف ينظر إليهم رئيسهم بدلا من الاهتمام بجودة عملهم، و(2) يصبح همّ الناس التحدث عمن صعد نجمه في المنظمة وعمن أفل. فالناس منشغلة بالمناصب ومستقبلها السياسي بالمنظمة، و(3) يسود انعدام الثقة، وتطعن الناس في ظهور بعضها. ويخاف الناس من إبداء أفكارهم لئلا تسرق، ويتغلب الخوف على الثقة، و(4) تقيّم الناس بناء على الأرقام فحسب، بمعنى أن تصبح مقاييس الأداء هي محصلة أرقام فقط، دون النظر إلى المواهب والجوانب الإبداعية والجوهرية الأخرى. و(5) كثرة الأنظمة واللوائح والإجراءات. فإن الاعتماد المبالغ فيه على الأنظمة واللوائح بدلا من استخدام الحس السليم هو علامة على وجود الخوف في المنظمة. حتى المنظمة قد تخاف من موظفيها، وتضع السياسات الشاقة والمبالغ فيها، فمثلا عند التقدم لطلب الحصول على دباسة أوراق، أو أخذ إجازة، أو استخراج تذكرة سفر، تضع المنظمة إجراءات طويلة ومضنية لمنع الموظفين من التفكير بشكل مستقل. و(6) تُعتبر الاتصالات البينية بين زملاء العمل شبهة، ما لم يكن ذلك بتوجيه من شخص مسؤول، و(7) تحتفظ الناس بمعلوماتها فلا تشارك الآخرين فيها، وذلك لتعزيز سلطتها، و(8) عندما يكون الذين يحصلون على المكافآت والترقيات والمناصب هم الأقل دراية والأكثر تملقا، فالقادة الذين يعتمدون على الخوف في إدارتهم، يحيطون أنفسهم بالمطيعين والأذناب لتجنب سماع الحقيقة. و(9) يغيب الضحك الطبيعي ويستبدل بالابتسامات الصفراء والمجاملات. ليس هناك خوف جيد وخوف سيّئ. فوفقا لعلماء النفس، لا يوجد شيء اسمه خوف صحي. الخوف يسلب الناس قدراتهم، ويشكل عائقا أمام الأداء الفردي والتنظيمي المتميز. إن النتائج القائمة على الخوف عادة ما تكون سلبية في معظم الحالات، وتؤثر سلبا على جودة أداء المنظمات وكذلك الحياة الفردية للناس. ولا يمكن أن يُزال الخوف إلا عندما يرتفع القائد فوق هيكل القيادة والسيطرة الذي يحدد رسميا العلاقة مع المرؤوسين، من خلال علاقات إنسانية حميمية مع موظفيه، تحفز الجميع للعمل نحو هدف مشترك.
مشاركة :