في ظلال الدستور: دور الدين في النظام الدستوري

  • 9/6/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أطروحة د. محمد طه التي نال بها الدكتوراه تستحق أن تقرأ، لما جمع فيها من الأصالة والمعاصرة، وإن خالفناه في بعض ما رأى وقد بلغت صفحاتها ما يقارب الستمئة، ولكن لن يعترضك في قراءتها ملل ولن يحد من رغبتك في استكمالها سأم. ينص دستور الكويت في المادة (2) على أن الإسلام دين الدولة، ويجسد هذه العقيدة في نصوص دستورية تحفل بالقيم الإسلامية السامية، ومنها أن العدل والحرية والمساواة دعامات ثلاث للمجتمع الكويتي؛ وأن التعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين. د. محمد طه وافداً وشيخاً وعنوان المقال هو عنوان رسالة د. محمد طه حول النظام الدستوري المصري والدساتير المقارنة، وحصل فيها على درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة في عام 2010 بمرتبة امتياز مع تبادل الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك إبان عمله مستشارا قانونيا في الكويت، وفي عدد من المؤسسات المالية والاستثمارية منها البنك الأهلي وبنك الخليج والشركة الدولية للإجارة والاستثمار ومجموعة رسن الكويت، والشركة الكويتية للمقاصة، التي كان رئيسا للإدارة القانونية فيها، ومؤسسة الخليج للاستثمار، التي أسستها دول مجلس التعاون الخليجي والتي غادرها الشهر الماضي، بعد فوزه بعضوية مجلس الشيوخ المصري، عن محافظة الفيوم ممثلا للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي كان أمينا عاما له في هذه المحافظة. وكان الدكتور محمد طه قد حصل بالإضافة إلى الماجستير في القانون العام، على دبلوم الدراسات العليا في قانون التجارة ودبلوم الدراسات الاقتصادية والمالية في عامي 1992 و1993، فجمع بين القانون الدستوري والقانون العام والقانون الخاص، وثقافة عامة واسعة، كما كان في سلوكه وفي أخلاقه موضع إعجاب الجميع، محتلا بيننا موقع الريادة، فقد كان الذي يجمعنا، ويدفئ اجتماعاتنا بعواطفه الجياشة ومشاعره التي تقطر رقة وإحساسا، مثلاً أعلى لما يجب أن يكون عليه الصديق وفيا ومخلصا. الإسلام عقيدة الدولة وفي سياق ما تنص دساتير أغلب الدول الإسلامية من أن الإسلام دين الدولة كتب د. محمد طه في أطروحته التي حصل فيها على درجة الدكتوراه، أن لكل مجتمع عقيدة تحدد له تصوره لذاته ومغزى وجوده، وأن الدين قد أدى دوراً مهماً طوال التاريخ البشري إلا قليلا، فكان هو المحدد للهوية ونمط الحياة، وهو الإطار العام المنظم لكل مناحي الحياة، نشأت في ظله الدولة والنظم الاجتماعية والقانونية. العقد الاجتماعي فيرد العقد الاجتماعي الافتراضي الذي ارتبط بالمفكر الغربي جان جاك روسو في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، إلى العقد الاجتماعي الحقيقي الذي أبرمه الرسول، عليه الصلاة والسلام، قبل اثني عشر قرناً ميلادياً من عقد روسو، بين الأنصار والمهاجرين من أهل مكة، لتكون المدينة، الدولة الأولى في الإسلام، وتكررت الإضافات الى هذه الصحيفة مع انضمام عشائر أخرى. وقد أدار الرسول (صلى الله عليه وسلم) الدولة من دفاع وقضاء وشؤون مالية وغيرها، جنبا إلى جنب مع تبليغ الرسالة، ويستشهد بالقرافي في كتابه "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام"، فيقول إن تصرف الرسول بالحكم مغاير للرسالة والفتيا، لأنهما تبليغ محض واتباع صرف، أما الحكم فهو إنشاء وإلزام من قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فالإمامة وصف زائد على النبوة والرسالة والفتيا وليست جزءا منه، لذلك قال: "إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم ألحن بحجته من البعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فهو جمرة من نار". الأمة مصدر السلطات وهو المبدأ الذي تجري به الدساتير الحديثة، وقرره دستور الكويت فيما تنص عليه المادة (6) من أن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا". فيرد د. محمد طه هذا المبدأ الدستوري الحديث الى مبدأ أرساه الخلفاء الراشدون في صدر الإسلام، قبل اثني عشر قرناً ميلادياً، بعد بيعتهم رضي الله عنهم، في سقيفة بني ساعدة، غداة وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، حيث اجتمع المسلمون من المدينة وما حولها، للنظر في أمر الدولة التي أنشأها الرسول، حيث تلقى أبوبكر البيعة في اليوم التالي لهذا الاجتماع، بعد مناقشة طويلة حول أحقية أي من المهاجرين أو الأنصار في خلافة الرسول، ليقول أبو بكر في خطابه للمسلمين بعد البيعة "إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم". ويرى في سيدنا عمر بن الخطاب إبداعا فكريا– في الحكم- في رؤيته لمستقبل الأمة والدولة في إبقائه الأرض المفتوحة في الشام والعراق وقفا على جماعة المسلمين وعدم قسمتها على الفاتحين، وقد خالفه الصحابة في الرأي وطالبوه بالعمل بما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام في نصيب الجند الفاتحين فيرد عليهم قائلاً: "فكيف من يأتي من المسلمين فيجدون الأرض وعلوجها قد انقسمت وورثت عن الآباء وحيزت.. وقد رأيت أن أحبس الأرض وعلوجها، وأضع عليهم فيها الخراج وفي رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئا للمسلمين، المقاتلة والذرية ولمن يأتي من بعدهم". وهي رسالة تستحق أن تقرأ فقد جمع فيها بالأصالة والمعاصرة، وإن خالفناه في بعض ما رأى وقد بلغت صفحاتها ما يقارب الستمئة، ولكن لن يعترضك في قراءتها ملل ولن يحد من رغبتك في استكمالها سأم، فقد عرف في هذه الرسالة كيف يهون على القارئ الطريق الى غايته، وهو يصول ويجول، بدءا من الدولة الوثنية القديمة، الى الدول التي صاغت باعتناقها ديانات التوحيد، مدينة الله على الأرض، وصولا إلى الدولة الحديثة القائمة على الفصل بين الدين والدولة.

مشاركة :