لماذا قد تتفوق "العشوائية" أحياناً على مستثمري سوق الأسهم؟

  • 9/5/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يهتم كثير من المستثمرين في سوق الأسهم باستكشاف خفايا الشركات ونتائجها المالية وأعمالها وتاريخ السهم وغيرها من أساسيات التداول التي قد تمنحهم ميزة نسبية تنعكس على مستوى أرباح المحفظة الاستثمارية. لكن الثغرة التي قد تدمر كل ذلك العمل وتؤدي إلى نتائج عكسية تماماً قد تكمن في أمر أبسط كثيراً من كل هذه العوامل الرئيسية الكبيرة.. المشاعر الإنسانية. كعب أخيل تميل الطبيعة البشرية إلى البحث عن الراحة النفسية في كل شيء، فالجميع يسعى للاختيار الذي قد يشعره بالرضا والسكينة في عالم مضطرب ومليء بمسببات القلق والحيرة. لكن في عالم الاستثمار، فإن السعي للحصول على الارتياح قد يقود البعض إلى خيارات تسفر عن نتائج أسوأ حتى من النهج العشوائي. مثلاً، يجذب اتجاه الشراء عند الهبوط الطبيعة البشرية الساعية لشراء السهم بسعر رخيص والبيع بمقابل أعلى. بالتالي عندما يجد مستثمر أن سعر سهم ما تراجع لأدنى مستوياته في ستة أشهر، فإنه قد يقرر الدخول لشراء هذا السهم لأن ذلك سيمنحه شعوراً بالرضا باعتباره أكثر ذكاءً من أي شخص اشترى هذا السهم في هذه الأشهر الماضية. لكن رغم هذا النوع من الصفقات قد يشعر المستثمر بالراحة في لحظة التنفيذ، فإن اتباع هذا النهج بالنسبة لمعظم الناس سيكون بمثابة استراتيجية خاسرة وربما كارثية حتى. يظهر مثال آخر للجميع وهو سعي المستثمرين لجني الأرباح الصغيرة بسرعة خوفاً من تلاشيها مع حركة السوق، وهو ما قد يكون جيداً على المدى قصير الأجل لكنه يمثل نهجاً ضاراً على المدى الطويل لأنه يعوق القدرة على تحقيق أرباح كبيرة من أي استثمار. نموذج ثالث يظهر في استغلال البعض لفكرة أن الأسواق تميل للتداول عند نفس السعر بشكل متكرر، ما يجعل البعض يتمسك باستثماره السيئ على أمل أنه إذا انتظر فترة كافية سوف يعود سعر السهم لمستوى الدخول وبالتالي يعوض خسارته. في كل هذه الأمثلة سواء كان السعي للحصول على سهم بأقل مما كان يتداول سابقاً أو جني الأرباح السريع أو الأمل بتجنب الخسارة، كلها أمور خاطئة وغير مبنية على أسس واضحة لكنها تمنح المستثمر شعوراً جيداً مؤقتاً. يقول المستثمر "وليام إيكهارت" إن ما يُشعر المرء بالرضا والراحة النفسية عادة ما يكون أسوأ اختيار ممكن، وإذا كنت تستثمر من أجل الشعور بالارتياح فمن المؤكد أنك ستخسر. وبالتالي، يجب أن تكون القرارات الاستثمارية سواء بالشراء أو البيع أو الاحتفاظ مبنية على أسس حقيقية مرتبطة بالأساسيات، وليس سعياً وراء شعور بالأفضلية أو الارتياح فحسب. قردة معصوبة العينين؟ في سبعينيات القرن الماضي، ألقى "برتون مالكيل" قنبلة في الأسواق العالمية بإصدار كتابه الشهير "السير العشوائي في وول ستريت". وقال "مالكيل" إن قردا معصوب العينين يلقي بسهام على الصفحات المالية لإحدى الصحف يمكنه اختيار محفظة مكونة من عدة أسهم من شأنها أن تسفر عن نتائج مالية تعادل أخرى تم اختيارها بعناية من قبل خبراء. بالطبع تعرض "مالكيل" الذي كان أستاذاً في جامعة برينستون الأمريكية لهجوم عنيف من جانب خبراء ومحللي ومدير استثمار "وول ستريت"، في النهاية من يقبل أن يتم مقارنته بقرد؟ لكن الرجل كان يحاول إقناع "وول ستريت" بأن معظم المستثمرين يجب أن يتجهوا للاستثمار السلبي ويبتعدوا عن السعي للتفوق على متوسط السوق. ويقول "مالكيل" إنه عندما تمت مراجعة كتابه لأول مرة من قبل المتخصصين في مجلة "بيزنس ويك" قالوا إن هذا يمثل أكبر صندوق قمامة في العالم وإنها نصيحة سخيفة. لكن بعد سنوات قليلة ظهر أول صندوق مؤشرات في العالم، ليبدأ عصر الاستثمار السلبي الذي يربح حالياً المزيد من الأرض من الاستثمار النشط مع محدودية تكلفته على المستثمر. لكن "وليام إيكهارت" لا يوافق "مالكيل" بأن الاختيارات العشوائية قد تعادل الاستثمار الموجه للأسهم، إنه يرى أنها ستتغلب عليها بالأحرى! ماذا يعني ذلك؟، هل يمكن للعشوائية أن تحقق عوائد أفضل من الاستثمار النشط؟، نعم، لأن البعض في كثير من الحالات يحكمون عواطفهم ويختارون ويقررون بناءً على رغبات وآمال وليس حقائق مجردة. في حين أن الاستثمار العشوائي رغم عدم أخذه في الاعتبار أموراً كثيرةً عند الاختيار، فإنه لا يتأثر بالمشاعر الإنسانية ما قد يمنحه أفضلية إذا تمت مقارنته بتوجه يسيطر عليه تحيزات شعورية لا ترتبط بواقع محدد. ويحكي المستثمر "ريتشارد دينيس" أن أحد موظفيه دخل مسابقة لتوقع أسعار عدد من الأسهم بحلول نهاية العام باستخدام الرسوم البيانية. ببساطة قام الموظف باختيار الأسعار الحالية لهذه الأسهم كتوقع لما ستكون عليه لاحقا، ورغم هذا النهج العشوائي تماماً فإنه جاء ضمن أفضل خمسة توقعات من بين مئات المشاركين. لقد تفوق الرجل الذي لم يفعل شيئاً على نحو 95% من المتوقعين، وتفوقت العشوائية مجدداً على الميول والتحيزات والمشاعر غير المبررة. العشوائية مقابل الارتياح استحدث مدير الاستثمار "جويل جرينبلات" مؤشراً لتصنيف الأسهم، وصمم موقعاً إلكترونياً خصيصاً لعرض نتائج هذا المؤشر ويمنح المستثمرين فرصة الاختيار بأنفسهم من بين قائمة صغيرة من الشركات أو طلب الاستثمار نيابة عنهم. بعد فترة قرر "جرينبلات" تتبع نتائج المحافظ الاستثمارية التي يديرها العملاء بأنفسهم مقابل المحافظ التي أدارها الصندوق الخاص به، ليكتشف أنه في أول عامين تفوقت المحافظ المدارة عشوائياً من خلال الصندوق على متوسط المحافظ ذاتية الإدارة بنحو 25%. لكن كيف يحدث هذا التفوق الكبير في حين أن كلاهما يعتمد على نفس القائمة من الأسهم؟ لقد كان الفارق بين أداء المحافظ المدارة عشوائياً والمحافظ المدارة ذاتياً هو تأثير الاختيار البشري والقرارات المتعلقة بأوقات الشراء والبيع. رغم أن الأسهم واحدة في الجانبين، فإن محاولة المستثمرين لتنويع استثماراتهم عبر وضع مبالغ مالية متساوية في مجموعة مختلفة من الأسهم دون توقيت وقت الدخول والخروج كان وراء تراجع الأداء. ويرى " جرينبلات" أن سبب تفوق العشوائية على اختيارات المستثمرين هو أنهم قلصوا استثماراتهم عندما انخفض السوق، واتجهوا للبيع مع هبوط بعض الأسهم أو تراجع أداء محافظهم بصفة عامة. كان أداء المستثمرين أسوأ من الاختيار العشوائي بسبب تجنب الأسهم التي كانت حيازتها بمثابة خيار صعب وربما مؤلم نفسياً للبعض، وتسبب عامل المشاعر الإنسانية في نتائج استثمارية سيئة. لقد اختار المستثمرون ما يشعرهم بالراحة، ولذلك كان التفوق من نصيب العشوائية مرة أخرى. بالطبع هذه ليست دعوة لانتهاج العشوائية في الاستثمار، لكن التجارب تشير إلى أنها قد تؤدي لنتائج تتفوق بسهولة على هؤلاء الذين يسمحون لرغبتهم في الشعور الجيد بالتملك منهم وتوجيه دفة القرارات. ويخسر البعض أموالهم في سوق الأسهم ليس فقط بسبب افتقارهم إلى المهارة في الاستثمار، لكن أيضاً بسبب الميل البشري لاتخاذ قرارات تشعرهم بالراحة في التداول. إن الوعي بهذا العيب البشري المتأصل في الاستثمار يمثل الخطوة الأولى لمقاومة إغراء اتخاذ قرارات تمنح شعوراً جيداً لكنها قد تسبب أداءً استثمارياً أقل حتى من العشوائية. عليك أن تحدد مبكراً: هل تستثمر من أجل اكتساب الشعور بالرضا النفسي أم لتحقيق النجاح، لأن السوق ليس مكاناً تم تصميمه لمنحك شعوراً بالراحة النفسية، السوق لن يكافئك على هذا الشعور.

مشاركة :