ظلت شواطئ أوروبا تشهد، طوال هذا العام، بعضاً من المآسي الإنسانية المروعة، المتمثلة في جثث تقذفها الأمواج إلى الشواطئ، في وقت تضطر فيه العائلات اليائسة إلى السفر عبر البحر في مغامرة محفوفة بالمخاطر، بحثاً عن مكان آمن. فقد تسبب وباء كورونا في مشكلات اقتصادية خطيرة وبطالة بدول شمال إفريقيا، في الوقت الذي تعاني فيه دول أخرى، من بينها ليبيا، تداعيات الحرب، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية عبر البحر هذا العام، إلى دول من بينها إيطاليا ومالطا، وفقاً للأرقام الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. كما ارتفع عدد المهاجرين إلى جنوب شرق أوروبا في 2019، معظمهم من سورية، يليها المغرب والعراق. لكن ردود الفعل الأوروبية، غالباً، تتصف بالقسوة. وتقول المنظمات الإنسانية إن عمليات صد المهاجرين على الحدود، والتي تقوم بها دول مثل اليونان، وغياب عمليات الإنقاذ البحري في البحر الأبيض المتوسط، وترتيبات الحجر الصحي غير المناسبة، خلقت تحديات ضخمة. وتأتي هذه الزيادة في معدلات الهجرة غير الشرعية، في وقت أصبحت فيه حركة المهاجرين عبر أوروبا أكثر صعوبة وخطورة، بسبب قيود السفر، وإغلاق طرق النقل، وقلة مراكز المعالجة. أكثر الممرات ازدحاماً الأسبوع الماضي، تم العثور على رجل قضى نحبه غرقاً على شاطئ سانجات، بالقرب من كاليه بشمال فرنسا. وكان هذا الرجل قد حاول هو وصديقه عبور القنال الإنجليزي، أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم، في زورق مطاطي. وزعم صديقه أنه كان يبلغ من العمر 16 عاماً فقط، إلا أن السلطات الفرنسية قالت إن الأوراق التي يحملها معه تخص مهاجراً سودانياً، يبلغ من العمر 28 عاماً، وأظهر تشريح جثته أنه بالغ. وقال رفيقه إنه لم يكن يعرف السباحة. وقالت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، إن «الخسارة المأساوية»، كانت بمثابة «تذكير مؤلم بأفعال العصابات الإجرامية البغيضة، ومهربي البشر». وكان مهربون قد تسببوا، بالسابق، في وفات مهاجرين بعد نقلهم في شاحنات عبر القنال، من بينهم 39 فيتنامياً عثر عليهم ميتين بشاحنة في إسيكس، بالقرب من لندن، أكتوبر الماضي. وصرح عمدة سانجات، غاي ألماند، لشبكة «سي إن إن»، يوم الأربعاء، بأن المزيد من الأشخاص يسافرون على متن قوارب مرتجلة بسبب تكثيف إجراءات المراقبة، والإجراءات الأمنية الفرنسية - البريطانية في الموانئ والأنفاق، العام الماضي. يأتي هذا الحادث في أعقاب حادث آخر، قضى فيه ما لا يقل عن 45 مهاجراً، بعد غرق السفينة التي كانوا يستقلونها، وهو الحدث الأكثر مأساوية قبالة السواحل الليبية هذا العام، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة. وقالت المنظمات إن هناك «حاجة ملحة، لتعزيز قدرات البحث والإنقاذ الحالية». وتضيف هذه المنظمات أن «التأخيرات، التي حدثت في الأشهر الأخيرة وعدم تقديم المساعدة، كانت أمراً غير مقبول، يعرّض الأرواح لخطر يمكن تجنبه». السماح بطلب اللجوء ويقول نشطاء إنه يجب السماح للمهاجرين بدخول أراضي المملكة المتحدة لطلب اللجوء، ويقولون إن هؤلاء المهاجرين يضطرون لاتخاذ خطوات يائسة، في غياب تدابير قانونية وآمنة للدخول. وكتبت منظمة «كير4 كاليس»، وهي مؤسسة خيرية تساعد اللاجئين في فرنسا، على «تويتر»: «نحن بحاجة إلى وسيلة، لسماع طلبات اللاجئين بشكل عادل، دون أن يضطروا للمخاطرة بحياتهم». وقد عَبَر ما يقرب من 4900 شخص القنال في قوارب صغيرة، منذ بدء الإغلاق، أي أكثر من ضعف عدد الذين يعتقد أنهم عبروا القنال طوال عام 2019 بأكمله، وفقاً لتحليل أجرته مؤسسة «بي إيه ميديا». كما أن عدد الذين يسافرون في رحلات محفوفة بالمخاطر إلى أجزاء أخرى من أوروبا آخذ في الارتفاع، إذ سجلت إيطاليا 16 ألفاً و942 شخصاً، وصلوا عن طريق البحر حتى هذا الوقت من عام 2020، مقارنة بـ11 ألفاً و471، في عام 2019 بأكمله، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. يقول المتحدث باسم المفوضية، لشبكة «سي إن إن»، تشارلي ياكسلي: «نحن نعلم أن المهربين وتجار البشر قد تأثروا بشكل واضح بالوباء، والقيود التي فرضتها الدول، لكننا نعلم، أيضاً، أنهم يستطيعون التكيف مع هذه القيود»، ويضيف: «وهذا يشكل مصدر قلق كبيراً بالنسبة لنا، لأنه يعني، أيضاً، أن اللاجئين والمهاجرين يضطرون إلى عبور طرق وعرة، وأكثر خطورة». تعذيب ويعتقد أن المهاجرين يتعرضون للتعذيب والاغتصاب، وغيرهما من الإساءات أثناء الرحلات البرية إلى ليبيا «من قبل المهربين، وتجار البشر، والميليشيات، وكذلك مسؤولي بعض الدول». ويقول ياكسلي إنه لا توجد، حالياً، سفن إنقاذ وسط البحر الأبيض المتوسط، أو برامج للاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، كما في السنوات السابقة، لذلك كان خفر السواحل يعيدون المهاجرين الذين يغادرون ليبيا بالقوارب إلى ليبيا لمواجهة الاحتجاز، أو انتهاكات حقوقية أخرى. لكن استجابة الدول الأوروبية، تتمثل في إعادة المهاجرين من حيث أتوا، أو احتجازهم في ظروف مكتظة وغير صحية. ويقول رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إن عبور القنال «سيئ للغاية، وعمل غبي، وخطير، وإجرامي». وتزعم منظمات، من بينها منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أن اليونان اعادت القوارب التي تحمل مئات المهاجرين إلى المياه التركية، بين مارس ويوليو. وتقول المنظمة إن العديد من طالبي اللجوء أفادوا بأن خفر السواحل طردهم من الجزر اليونانية، وأجبرهم على ركوب قوارب مطاطية دون محرك، ودفع بهم نحو الحدود التركية. وتقول الباحثة في «هيومن رايتس ووتش» باليونان، إيفا كوس: «بدلاً من حمايتهم في هذا الوقت من هذه الأزمة العالمية، ظلت السلطات اليونانية تستهدف الأشخاص الأكثر ضعفاً، وتتجاهل صحتهم، في انتهاك واضح لحق طلب اللجوء». وقال الوزراء اليونانيون للجنة الحريات المدنية بالبرلمان الأوروبي، في يوليو، إن التقارير عن استخدام مسؤولين للعنف ضد المهاجرين، وحتى إطلاق النار عليهم هي «أخبار كاذبة»، ما يؤكد الدور الرئيس الذي تلعبه البلاد في «الحفاظ على حدود الاتحاد الأوروبي آمنة». ونفى رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في مقابلة مع «سي إن إن»، الأسبوع الماضي، تقارير حدوث صد بحري، قائلاً إن بلاده تتبع سياسة حدودية «صارمة لكنها عادلة للغاية»، وإن تركيا «عمدت إلى فتح حدودها أوائل مارس»، ويقول إنه «سيتم التحقيق في أي حادث لا يتماشى مع التعليمات الحكومية». خطر «كورونا» تشكل العديد من مخيمات، ومراكز المهاجرين، خطراً كبيراً، لأنها تساعد على انتشار فيروس كورونا. في 30 يوليو، أكدت السلطات الصحية الإيطالية إصابة 129 مهاجراً بفيروس «كوفيد-19»، بمخيم في تريفيزو، بمنطقة فينيتو الإيطالية. ويبلغ عدد سكان مخيم لامبيدوزا، الذي يتسع لـ90 شخصاً، حالياً، 1300 شخص. وبعد فرار أكثر من 200 مهاجر من مخيم في صقلية، الشهر الماضي، حذر حاكم المنطقة، نيلو موسوميتشي، في بيان، من «وضع غير مستدام»، قائلاً: «أصبحت قضية المهاجرين، أيضاً، مسألة تتعلق بالنظام العام والصحة». ووافقت الحكومة الإيطالية على إرسال الجيش إلى صقلية لحفظ النظام، في حين قالت وزارة الدفاع البريطانية إنها تلقت طلباً من وزارة الداخلية لدعم قوة الحدود التابعة لها، والتي تعمل على مراقبة العبور عبر القنال. تقول مفوضية الاتحاد الأوروبي لشؤون الهجرة والأمن، إيلفا يوهانسون، إنه يجب التحقيق في مزاعم العنف ضد طالبي اللجوء، في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. تقول المنظمات الإنسانية إن عمليات صد المهاجرين على الحدود، والتي تقوم بها دول مثل اليونان، وغياب عمليات الإنقاذ البحري في البحر الأبيض المتوسط، وترتيبات الحجر الصحي غير المناسبة، خلقت تحديات ضخمة. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :