صحيفة المرصد ــ متابعات: "إن الغرب متمسك بأعتقاده حول أن الحضارة تنتصر دوما على البربرية وأن قوى الخير ستهزم في النهاية قوى الشر، ولكن التاريخ له رأي آخر في هذا الشأن". هكذا استهل الكاتب البريطاني روبرت فيسك مقاله بعنوان "الغرب يعتقد أن "الحضارة" ستهزم "داعش"، ولكن التاريخ يشير إلى عكس ذلك". وقال فيسك "وفقا لتعليق وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر على الحرب الدائرة ضد "داعش"، فأن الغلبة دائما وأبدا هي للتحضر على حساب الهمجية، مشددا على أن تنظيم "داعش" شرير، فهو يقضي على خصومه في مذابح، ويقتل المدنيين، ويذبح الأبرياء. ولكن فيسك تساءل كيف يمكن أن نصدق أن تكون الغلبة للقيم السائدة في الغرب والتحضر على همجية داعش في ظل علو صوت رنين النقود على صوت قيم الحضارة في اذان ساسة هذا الغرب .. عن أي قيم نتحدث ؟". وتساءل الكاتب البريطاني "هل فعلا الغلبة في النهاية تكون لقوى الخير، للحضارة على الهمجية؟، معيدا إلى الاذهان الفترة ابان الحرب العالمية الثانية، حيث هزم هتلر ولكن ستالين خرج منتصرا. وأشار فيسك إلى أن الحرب العالمية الثانية كانت برهان على أن الغلبة في النهاية تكون للقوى التي تحترم حقوق الإنسان والديمقراطية، على حساب الهمجية والبربرية، منوها إلى أن هتلر الذي كان يمثل نظام الرايخ الشرير، هزم وتم القضاء على النازية. وأكد فيسك أن معتقدات المجتمع الغربي وتعاليم الديانات العالمية الثلاث تؤمن بانتصار الخير في النهاية دائما، وتشدد على أن قوى الهمجية والقسوة ستنهزم حتما أمام قوى الخير. وأعاد الكاتب إلى الأذهان حقبة الثورة الفرنسية التي رأى أنها مهدت الطريق أمام ظهور أبشع ديكتاتوريات العصر الحديث وهم السوفيت. واشار إلى أن فترة حكم الاتحاد السوفيتي، انتشرت الهمجية والمجاعات التي قضت على ملايين الفقراء الأبرياء في روسيا وفي معظم أنحاء اوروبا الشرقية طوال أكثر من نصف قرن من الزمان. وتابع فيسك قائلا "بالقراءة المتعمقة في التاريخ، نرى أن الرومان على الرغم من محاربتهم وتصديهم الدائم لقوى الشر، المتمثلة في قبائل جرمانية الشرقية أو "القوط"، ومرورا بآخر حكام الهون وأقواهم أتيلا الهوني الذي قام جيشه بتدمير وسلب جميع الأراضي الواقعة ما بين بلاد فارس والبحر المتوسط. وأخيرا جنكيز خان ولاسيما حفيده هولاكو، الذي استدعاه الجنرال البريطاني أنجوس مود عندما "حرر" بغداد عام 1917 وأحضر "التحضر" إلى بلاد ما بين النهرين متحدثا إلى الشعب العراقي"منذ عصر هولاكو وأنتم رعايا في ظل طغاة غرباء، قصوركم أضحت أطلالا، جناتكم باتت يبابا، ها أنتم أولاء ومن قبلكم آباؤكم ترزحون في قيود الأسر والعبودية". وأعتبر فيسك أن المغول وإمبراطوريتهم المزعومة شبيهة إلى حد كبير بتنظيم "داعش" ودولته، مشيرا إلى أن إمبراطورية المغول الهمجية سادت قرابة سبعمئة عام، حيث تعد الأبرز في التاريخ. و انتقل الكاتب البريطاني إلى عام 2003، وقال "أن الغرب جلب "الحضارة" من جديد إلى بغداد عبر غزوه للعراق، ولكن خلال زياراتي المتكررة لبغداد التقيت أسرا غاضبة تقول إن "الحرية" أو هذه "الحضارة " المزعومة" لم تجلب سوى الفوضى. واستطرد قائلا "إن أهالي بغداد على الرغم من كراهيتهم لفظائع الطاغية صدام حسين الذي كان ديكتاتورا طوال 24 عاما من حكمه للعراق، إلا أنهم يفضلون "الأمان" الذي كان يسود البلاد إنذاك، أنهم يفضلون الأمن على الحرية، صدام على الديمقراطية. وأعتبر فيسك أنه وفقا لهذه العقلية، فان الالاف من المسلمين السنة، وجدوا ضالتهم المنشودة في "داعش"، لقد عثروا على الأمن الذي فقدوا في ظل حكومة شيعية في العراق أو الديكتاتوريات الفاسدة التي تعكف على قمعهم. ووفقا للكاتب البريطاني فأن "اصدار "داعش" لبطاقات هوية وإقامته لجهاز شرطة بالإضافة لفرضه الضرائب، ورغم أن نظام عقوباته يتسم بالوحشية، إلى أن هذا لا يعني أن "دولة الخلافة " المزعومة قد تواجه شبح الهزيمة على يد الغرب "المتحضر". واختتم فيسك مقاله بالقول "قد يلجأ الغرب المتحضر في نهاية المطاف إلى التعاطي مع الدواعش وتقسيم الساسة الغربيين لهم كأحزاب، ومن ثم يتم تحديد الأحزاب الليبرالية لتبادل المصالح معها، معتبرا أن الغرب قد يقيم علاقات مع "داعش" على غرار ما فعله الأمريكيون مع العلماء الذين صنعوا صواريخ هتلر القاتلة بعدما تمكنت قوى التحضر من إنزال الهزيمة بقوى "الهمجية" في الحرب العالمية الثانية.
مشاركة :