صادق مجلس الوزراء الجزائري في اجتماعه برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون على المشروع النهائي لتعديل الدستور، ليحال بعدها إلى غرفتي البرلمان للمناقشة والمصادقة قبل عرضه على استفتاء شعبي في الأول من نوفمبر المقبل. وفي هذا السياق ذاته أكد تبون أن مشروع تعديل الدستور ينسجم مع متطلبات بناء الدولة العصرية ويلبّي مطالب الحراك الشّعبي. جاء ذلك ذلك خلال اجتماع مجلس الوزراء اليوم الأحد 06 سبتمبر 2020 برئاسة تبون، لدراسة مشروع التعديل الدستوري الذي بادر به الأخير، والمصادقة عليه قبل إحالته على البرلمان طبقا للمادة 208 من الدستور للتصويت عليه ثمّ عرضه على استفتاء الشعب. واستهل مجلس الوزراء الاجتماع بالاستماع إلى عرض الوزير الأول عبد العزيز جراد الذي أكّد فيه أنّ مشروع التعديل الدستوري يأتي تنفيذا لأحد الالتزامات الرئيسية السياسية الواردة في البرنامج الإنتخابي لرئيس الجمهورية. وأضاف أنّه يضيف إلى المبادئ العامة التي تحكم المجتمع بعض المبادئ التي استوجبتها متطلبات التعامل مع الواقع الجديد في الداخل والخارج. وقدّم جراد المشروع موزعا على عدة محاور صيغت في ضوء العناصر التي استخرجتها لجنة الخبراء المكلّفة بمراجعة الدستور من الاقتراحات التي تلقتها من مختلف الشرائح الاجتماعية والشخصيات الوطنية، والقوى السياسية، وعددها 5018. وأشار إلى أنها عناصر تدعم وحدة الأمة وثوابتها وتُكرّس احترام الإرادة الشعبية، وتُعزّز الانسجام الوطني، ومبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها، والتداول السلمي على السلطة وأخلقة الحياة السياسية، والشفافية في إدارة المال العام. كما تجنب البلاد أي انحراف استبدادي وتحمي حقوق وحريّات المواطن، كما أنّ المشروع المقترح يضع الأسس القانونية الدائمة للجزائر الديمقراطية الجديدة، بدءًا بالتغيير الجذري لنمط الحكم وآلياته عبر توسيع الصلاحيات الرقابية للبرلمان، والأجهزة الرقابية، والوقاية من الفساد ومكافحته، وتطبيق العدالة الاجتماعية، وتكريس التعددية الإعلامية الحرّة والمسؤولة، وتشجيع الشباب على المشاركة في الحياة السياسية، واعتماد منهجية الحوار والتشاور للوصول إلى حلول توافقية، في كنف بيان أول نوفمبر 1954 الذي يظل مصدر الإلهام والمرجع الثابت لسياسات الدولة. ومن جهته قال تبون بعد المناقشة والمصادقة على مشروع التعديل الدستوري، إنّ الوعود الإنتخابية هي التزامات صادقة شرع في تجسيدها في الميدان وفق رؤية استراتيجية واضحة، ورزنامة محدّدة تستدعي من الجميع التحلي بالواقعية والابتعاد عن الانغماس في الجزئيات والشكليات، على حساب الأمور الجوهرية ذات العلاقة بالأسس الدائمة للدولة. وأكد أن المشروع ينسجم مع متطلبات بناء الدولة العصرية، ويلبّي مطالب الحراك الشّعبي؛ ومن ثم حرص على أن يكون الدستور في صيغته الجديدة توافقيا في مرحلة إعداده على أوسع نطاق من خلال تمكين مختلف الأطياف الشعبية وصنّاع الرأي العام من مناقشته طيلة أكثر من أربعة أشهر رغم القيود التي فرضتها الأزمة الصحية. وأكد أنّ ما يُنشر عن جلسات المحاكم من أشكال الفساد الذي يعدّ من أسباب سقوط الدول، يكشف عن درجة الانحلال الأخلاقي، وعمق الضرر الذي لحق بمؤسسات الأمة، وثرواتها ويفسّر في الوقت نفسه حدّة أزمة الثقة القائمة بين الحاكم والمحكوم. وشدد على أن زوال هذه الأزمة شرط أساسي لبناء الجزائر الجديدة التي لن يكون فيها أحد محميا بحصانته، ونفوذه ولن يتأتّى ذلك إلاّ بالصدق والإخلاص والحرص الدائم على الإبداع، ونكران الذات حتّى يشعر كل مواطن خاصة الشباب بأنّ شيئا قد تغيّر، وأنّ الدولة في خدمة المواطن، فيستعيد بذلك الثقة في نفسه وفي مؤسساته، ويصبح طرفا فاعلا في الديمقراطية التشاركية. وقال إنّ تطبيق هذا التعديل الدستوري ـ إذا ما وَافق عليه الشعب ـ يستلزم تكييف عدد من القوانين مع المرحلة الجديدة ضمن منظور الإصلاح الشامل للدولة ومؤسساتها واستعادة هيبتها. ورأي تبون أنّ مشروع التعديل الدستوري يوفّر كلّ الضمانات لنزاهة الإنتخابات سواء بدسترة السلطة المستقلّة لمراقبة الإنتخابات، أو بتقنين صارم للتمويل السياسي، للحفاظ على حرية الإرادة الشّعبية، أو بمنح فرص متكافئة للجميع في التصويت والترشّح حتى يُحترم صوت الناخب ويتعزز المشهد السياسي بجيل جديد من المنتخبين؛ لذلك، كان الواجب يقتضي تسبيق التعديل الدستوري، لأنّه ليس من المعقول أن نجدّد الهيئات المنتخبة بقوانين مرفوضة شعبيا. وختم رئيس الجمهورية تدخله بتوجيه الشكر والتقدير لأعضاء لجنة الخبراء على جهودهم في إنجاز المهمة التي أنيطت بهم على أحسن وجه؛ وعبّر عن ثقته في وعي الشّعب بكل قواه، لا سيما المجتمع المدني، وتجاوبه لإرساء اللبنة الصلبة الأولى في بناء الجمهورية الجديدة.
مشاركة :