فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة ما يناسبها. اتخذت قرارا سياديا يتعلق بمصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية. وهي مسؤولة عن ذلك القرار بشكل كامل وتفصيلي. ليس من المطلوب الدفاع عن ذلك القرار ما دامت الإمارات مقتنعة به. لكن هل يتعارض ذلك القرار مع طريقة تعاملها مع قضايا المنطقة وبالأخص القضية الفلسطينية؟ لم تتخل الإمارات عن التزاماتها في ما يتعلق بالشعب الفلسطيني وحقوقه. ذلك ما صار على القيادة الفلسطينية أن تتحرى عنه لكي تكون واضحة مع شعبها. ولكن متى كانت تلك القيادة واضحة مع شعبها؟ لقد صدع الكثيرون رؤوسنا بالحديث عن التطبيع كما لو أنه حدث فاجع ولم يخطر في بالهم أن هناك سلطة فلسطينية. ما الذي يعني وجود تلك السلطة؟ يعني ذلك أن الفلسطينيين قد اعترفوا بدولة إسرائيل في بداية تسعينات القرن الماضي بعد أن أعادوا النظر في النظام الداخلي لمنظمة التحرير. هل على الآخرين أن يستمروا في عدائهم لإسرائيل بعد أن اعترف بها الفلسطينيون؟ وافق الفلسطينيون على اتفاقية أوسلو بعد هزيمة العراق في حرب تحرير الكويت عام 1991. وهو ما يعني أنهم استشعروا أن العرب يمشون في طريق هزائمهم لذلك قرروا أن يحصلوا على ما يمكن الحصول عليه قبل أن يفلت كل شيء من أيديهم. كانت السلطة هي غنيمتهم. كل الحديث العاطفي بعكس تلك الوقائع لا معنى له اليوم. كانت الدول العربية حرة في القبول بذلك الحل أو رفضه لكنهم كانوا ملزمين بمد يد العون إلى السلطة. أما إذا كان الفلسطينيون قد فشلوا طوال الربع قرن الماضي من انتزاع حقوقهم وبناء دولة حقيقية فإن ذلك لا يعني أن على العرب أن يدفعوا ثمن ذلك الفشل. سيكون الأمر أسوأ إذا ما علمنا أن جزءا عظيما من ذلك الفشل كان الفساد الداخلي سببه. وفي كل الأحوال ينبغي عدم النظر إلى القرار الإماراتي كونه تعبيرا عن رد فعل. لا لشيء إلا لأن العالم قد تغير كما أن الأوضاع في جزء كبير من العالم العربي لم تعد كما كانت عليه قبل ربع قرن. لقد انقلب كل شيء رأسا على عقب ولم يعد هناك شيء اسمه “ميزان قوى” وخرج العرب من المعادلة الإقليمية وصارت التهديدات الداخلية أشد خطرا من أي تهديد خارجي ولم تعد إسرائيل تشكل خطرا على دول منهارة أصلا. ليس ذلك معناه أن الموقف من الحق الفلسطيني قد تبدل ولكن الأولوية لم تعد لذلك الموقف وإلا فإننا نكون في حالة من العمى التام الذي يمنعنا من رؤية الحقيقة ويكون كل ما نقوله نوعا من الهذيان الذي لا يعبر عن أي شعور بالمسؤولية التاريخية. علينا أن نتذكر أنّ هناك دولتين كان لهما أكبر الأثر في تماسك الموقف العربي من الحق الفلسطيني قد ذهبتا إلى ما يشبه العدم هما العراق وسوريا. تلك فاجعة ينبغي النظر من خلالها بمنظار معتم إلى القضية الفلسطينية. قذيفة من حركة حماس أو من حزب الله لا يمكنها أن تعوض غياب دولتين عربيتين كانتا تلعبان دورا أساسا في دعم الحق الفلسطيني. لذلك فإن المزايدة على تنظيمات الإسلام السياسي في هذه النقطة الحساسة بالذات إنما يُراد منها منح تلك التنظيمات شرعية في محاولاتها الهيمنة على السلطة في عدد من الدول العربية. صارت فلسطين بضاعة رئيسة في سوق لم يكن الغرض من إقامتها البحث عن سبل واقعية لمساعدة الفلسطينيين بعد أن قرروا بأنفسهم مواجهة إسرائيل وانتزاع حقوقهم بطرق سلمية. كان الهدف من إقامة تلك السوق تمهيد الطريق لقوى الإسلام السياسي للوصول إلى الحكم عن طريق خديعة المناداة بتحرير القدس. وهو ما تفعله إيران التي هدمت دولا عربية وأفقدتها سيادتها من غير أن تطلق رصاصة واحدة في اتجاه إسرائيل. وفي خضم الحديث غير الموزون عن التطبيع يمكنني القول إن في التطبيع مع إيران يكمن فناء الأمة. أما تطبيع هذا الطرف أو ذاك مع إسرائيل ففيه ما يخدم الفلسطينيين ذلك لأنه يسمح بإقامة حوار عربي إسرائيلي يمكن للفلسطينيين أن ينهوا من خلاله عبثية حوارهم مع إسرائيل وتكون المبادرة العربية للسلام هي الأساس لكل حل. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :