يمارس حزب الله نوعا غريبا من الوصاية على لبنان ومن خلاله على اللبنانيين كما لو أنه قوة احتلال تابعة لدولة أخرى. ليس من حق اللبنانيين مهما كانت صفتهم الاعتبارية أن يعبروا عن آرائهم التي لا تنسجم مع عقيدة المقاومة التي تبناها الحزب. فتلك العقيدة أكثر قدسية من أن يتخطاها الأفراد تعبيرا عن حريتهم في التفكير. ما يراه الحزب المكلف بإدارة ولاية لبنان من قبل الولي الفقيه صحيحا يجب على اللبنانيين الأخذ به واتّباعه بعد التصديق عليه باعتباره حقيقة مطلقة. وإذا ما عدنا إلى الأسلوب الاستعلائي الذي يخاطب من خلاله حسن نصرالله اللبنانيين يمكننا التعرف على نوع العلاقة التي يقيمها المحتل مع الشعب الذي يحتله. نصرالله الذي يلقي خطاباته عبر الشاشات لا يرى أحدا من الجمهور الذي يخاطبه مباشرة. من نفقه الذي يقيم فيه يقدم نصائحه بطريقة استعراضية تنطوي على الكثير من السخرية. يود حزب الله لو أن العالم نسي لبنان كونه عقدة ليس لها حل. تلك رغبة إيرانية في الأساس. كما هي رغبتها نفسها بالنسبة للعراق ليس من حق أحد في لبنان أن يسائل نصرالله عن سر خبراته العسكرية والاقتصادية. فالوصي الذي هو ممثل الولي الفقيه يمكنه أن يلعب الدور الذي يمهد لولايته التي يستعد للقيام بها. نصرالله هو خادم خامنئي غير أنه يلعب في لبنان الدور الذي يلعبه خامنئي في إيران. ذلك ما يخطط له سيد المقاومة. لا أحد في لبنان في إمكانه أن يلتفت إلى مسألة تجاوزها الجميع. تتعلق تلك المسألة بالصفة التي يمثلها نصرالله والتي تؤهله لتوجيه نصائح ملزمة للبنانيين والدولة اللبنانية على حد سواء. واقعيا فإن عداء إسرائيل لا يمثل كل شيء. إيران هي الأخرى تعادي إسرائيل ولكن ما من ضرر لحق بالعرب بحجم الضرر الإيراني. نصرالله وحزبه يعاديان إسرائيل ويسعيان إلى إلحاق لبنان بإيران. وما هياج حزب الله ومحيطه المنافق حول ما طرحه البطريرك الراعي في شأن حياد لبنان إلا صورة من صور الوصاية التي يمارسها الحزب. لا يحق للبنانيين أن يستعيدوا بلدهم محايدا كما كان. ما ينبغي للبنان أن يكونه هو الصورة التي رسمها حزب الله له لا صورته الحقيقية التي نص عليها دستوره. لذلك فإن الدعوة إلى استعادة لبنان لحياده تتناقض كليا مع شعار الممانعة والمقاومة الذي يرفعه الحزب المذكور والذي يشكل باباً لانفتاح لبنان على المحور الذي تديره إيران. لقد اكتشف اللبنانيون أن حيلة المقاومة كانت تهدف إلى جر بلدهم إلى موقع، لن يكون فيه قادرا على الحفاظ على استقلاله وسيادته وأمنه، لذلك فإنهم حاولوا من خلال شعار النأي بالنفس أن يبتكروا حيلتهم في مواجهة عناد حزب الله غير أنهم فشلوا فصاروا يستقبلون جنازات أولادهم القادمة من سوريا. نصرالله الذي يلقي خطاباته عبر الشاشات لا يرى أحدا من الجمهور الذي يخاطبه مباشرة. من نفقه الذي يقيم فيه يقدم نصائحه بطريقة استعراضية فعل حزب الله ما يريد بغض النظر عن رأي الأطراف اللبنانية الأخرى. أصار على اللبنانيين أن يناضلوا في المحافل الدولية من أجل إنقاذ بلدهم؟ رسالة البطريرك الراعي كانت تنطوي على شيء من هذا القبيل. ليس على العالم أن ينسى لبنان لكي تستولي عليه إيران. يود حزب الله لو أن العالم نسي لبنان كونه عقدة ليس لها حل. تلك رغبة إيرانية في الأساس. كما هي رغبتها نفسها بالنسبة للعراق. ولكن الأمور ينبغي أن لا تسير في سياق تلك الرغبة. فلبنان بلد حيوي في منطقة الشرق الأوسط إضافة إلى أنه ثري بتنوعه البشري وهو ما يعني أن التخلي عنه سيحدث خللا عظيما في منطقة يحتاج العالم إلى استقرارها. ينبغي أن يكون “حياد لبنان” هو الركيزة الأساس في الدفاع عن حرية لبنان في سياق تحريره من وصاية حزب الله التي دمرت كل شيء حي فيه. حياد لبنان هو خلاصه وليس له من أجل أن يكون سيد نفسه مرجعية أخرى.
مشاركة :