يعجز القلم أن يوفي هذه الشخصية حقها من الوصف، وإن كتب عنها القلم فهو نزر يسير في حق إنسان تجمعت فيه أوصاف كلمة رجل -إن كان للرجولة أن توصف-، نعم هو إنسان بمعنى الإنسانية، اكتملت فيه الصفات الكريمة، والسجايا النادرة... اسمه: نعيم النعيم. رحم الله تلك الروح الكريمة التي لم تدخر وقتا وجهدا في سبيل الله تعالى أولا، ثم في سبيل الوطن والمليك، وخدمة الناس وقضاء حوائجهم. اجتمعت في هذا الرجل خصال قلما تجتمع في شخص، اجتمعت فيه الرحمة والحب والتواضع الجم مع الجميع، فهو أخو الصغير قبل الكبير، وصاحب الغني والفقير، اجتمعت فيه الطيبة ودماثة الخلق الرفيع وحسن المعشر... يشعرك وأنت تحادثه أول مرة -ومن غير معرفة سابقة له- أنه يعرفك، وأنك لست بغريب عنه، مما يجعلك تحبه، وتنبسط أساريرك في الحديث معه، فتجد منه الابتسامة المشرقة، ولين الحديث من غير كلفة، والمعرفة العلمية. إذا دعاك تجده لك هاشا باسما، يقابلك بكل تودد ومحبة، إلى جانب الكرم الحاتمي الذي يغرقك به عندما تغدو ضيفا عزيزا عليه في داره. بذل عمره وحياته في خدمة الناس ومساعدتهم، وأعمال البر والخير، للفقير والمسكين، والسعي في حاجة من يقصده، سواء أكان يعرفه أم يجهله، ولم يقصد بذلك الشهرة والمراءاة، بل ادخره قربة عند الله، في يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، فأحَبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وقد كنت والله يا أبا إبراهيم -والناس يشهدون- من أنفع الناس للناس، وأكثرهم حبا للخير والصدقات والمعروف، كنت أبا للفقير، وأخا للمسكين، يقصدك الفقير والمسكين، والمعوز واليتيم، وصاحب العيال الذي لم يجد لقمة عيش كريمة يطعم عياله ويسد حاجة أهله...، يفعل ذلك دون منٍّ أو أذى؛ بل ابتغاء وجه الله تعالى وحده، يحدثني أحد أصدقائك أنك عندما تعبئ وقود سيارتك كنت تزيد العامل ثمن الوقود، وعندما تشتري سلعة من مسكين؛ كنت تدفع ثمن سلعته بدون أن تفاصله في الثمن، وعندما تُسأل عن ذلك تقول: هؤلاء فقراء مساكين، فكيف يحق أن نبخل عليهم ببعض الدراهم ! هذا جانب من سجاياه -رحمه الله- عندما كان في قمة المسؤولية، وعليه الأعباء الثقيلة، وضغوط العمل الكبيرة، التي تتطلبها المناصب الرفيعة التي كُلِّف بها، هذه سجاياه عندما تولى إدارة ميناء الدمام، وأصبح رئيس اتحاد الموانئ العربية بالانتخاب لأكثر من دورة، هذه سجاياه حتى تقاعده، لم يزل يعمل بجد، بلا كلل ولا ملل، في سبيل رفعة وإنتاجية ميناء الدمام، وقد عمل في وظيفته في الموانئ لأكثر من 42 سنة، قضاها في خدمة مليكه ووطنه، وأداها بكل أمانة وإخلاص. رحمك الله يا أبا إبراهيم، فقد كنت الأب والصديق والمعلم المحب الناصح لأبنائك البررة إبراهيم ومعاذ وأحمد، فربيتهم على الأخلاق الطيبة، والسجايا الكريمة، وكأنهم نسخة مكررة منك في أخلاقك ونبل طبعك وسجاياك.. حفظهم الله وأدامهم في صحة وعافية، وجعلهم أبناء بررة لوالدتهم الفاضلة الكريمة أم إبراهيم، حفظها الله من كل سوء ومكروه. رحمك الله يا أبا إبراهيم، فقد كنت الزوج الصالح المحب لزوجه، فلم تعهد منك وحشة في الطبع، أو غلظة في المعشر، أو بذاءة في اللسان، كنت الزوج المحب الودود الذي يحتضن أسرته بقلبه الرحيم وحبه الأبوي. رحمك الله يا أبا إبراهيم، فقد كنت الابن البار لوالديه، فكنت راعيا بارا بهم في حياتهم، والولدَ الصالح بعد مماتهم، عندما أعانك الله وتفضل عليك ببناء مسجدين لهما، وأطلقت عليهما اسميهما، رحمهما الله وجمعك بهما في جنات النعيم. وهذا الذي أذكره: غيض من فيض من الأعمال الصالحة التي ادخرتها، وجعلتها من التي تنفق يمينك من غير أن تعلم بها شمالك، جعلها الله في مستقر أعمالك الصالحة عند رب العزة والجلال. نعم رحلت عن دنيانا، ولكن لم ولن ترحل عن قلوبنا وشغاف أنفسنا، فلتبكِكَ المحاجر، ولتذرف على فراقك الدموع... إن القلب ليخشع وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا أبا إبراهيم لمحزونون محتسبون صابرون. الوداع وإلى جنة الخلد، إلى الفردوس الأعلى، جمعنا الله بك وبمن أحببتهم وأحبوك.
مشاركة :