الكويت في عهد عبدالله السالم (1950 - 1965م) بريطانيا وآل صباح والنفط 5/8

  • 9/10/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الكويت في عهد عبدالله السالم (1950 - 1965م) بريطانيا وآل صباح والنفط 5/8 يصف المترجم بدر ناصر المطيري هذا الكتاب الصادر في عام 1999م، وهو من منشورات الأكاديمية البريطانية ومطابع جامعة إكسفورد، بأنه يتمتع بأعلى درجات المهنية والحرفية العلمية في التأريخ لحقبة الشيخ عبدالله السالم؛ مما يؤهله لأن يكون مرجعا رئيسا لتلك الفترة يتم تدريسه في الدوائر الأكاديمية والعامة. ويذكر المترجم أن شيئا من مشاعر الفرحة والسرور بالكتاب وجودا وموضوعا ومنهجا خالط مشاعر الحزن والغضب في آن لإهمال الكويت هذا الأثر العلمي الكبير، وعدم ترجمته وإتاحة فرصة الاطلاع عليه للقارئ الكويتي والخليجي والعربي. ويركز الكتاب على العلاقات بين الكويت وبريطانيا ودور النفط والمؤثرات الخارجية عليهما، ويبدأها المؤلف بمقدمة مطولة توازي فصلا كاملا، تناول فيها بالشرح أوضاع الكويت منذ تولي الشيخ مبارك الصباح زمام الحكم فيها عام 1896م، مع تركيز وتفصيل لمجريات الأحداث في حقبة حكم الشيخ أحمد الجابر الصباح (1921- 1950م) لا سيما أحداث نشأة ونهاية المجلس التشريعي عامي 1938و1939م، وتتوالى فصول الكتاب الستة متناولة بتسلسل زمني مجريات الأحداث في الكويت خلال عهد الشيخ عبدالله السالم الممتد من 1950 حتى 1965م. الكتاب غني بالمراجع التي يستند إليها في معلوماته، مما يثريه ويقوي صدق هذه المعلومات، وفيما يلي تفاصيل الحلقة الخامسة: اعترف المقيم السياسي البريطاني برنارد باروز في تقريره السنوي لعام 1956م بأن: «هذه السنة ربما كانت هي الأكثر صعوبة بالنسبة لنا منذ بداية ارتباطنا بالكويت»، ومع أن علاقة بريطانيا مع الإمارة ظلت سليمة ظاهريا، إلا أن باروز قد لاحظ أن: «سمات الكويت كمدينة عربية مستقلة قد أصبحت أكثر وضوحا وأن قدرتنا على التأثير في تطورها قد أصبحت أضعف». فقد حرص الأمير بشكل مطرد، على أخذ زمام المبادرة في مباشرة العلاقات مع البلدان العربية الأخرى، وأظهر في موازاة ذلك عدم استعداده للأخذ بالنصائح البريطانية في هذا الشأن، ولم يكن ثمة خيار أمام بريطانيا سوى الإذعان لذلك. حماية بريطانية للكويت ولاحظ باروز أن فكرة وجود حماية بريطانية للكويت قد أثبتت أنها مفيدة للأمير في بعض جوانبها، فقال: «من الملائم بالنسبة للأمير أن يستطيع لومنا في حال عدم حصول الكويت على ما تريده في علاقاتها الدولية، كما أنه يستطيع في الوقت نفسه تجنب الاضطرار لقول أشياء غير طيبة لجيرانه والتي يراها شخصيا وسياسيا غير لائقة». وفي نهاية عام 1957م بدأ حزب البعث السوري ينظر إلى جمال عبدالناصر ليضطلع بدور القائد، وذلك في مسعى منه لمواجهة كل من الضغط الأميركي والصراع السياسي الداخلي المتصاعدين، وأظهر عبدالناصر ترددا مبدئيا ينبئ بعدم الثقة حيال الاستجابة لمطالب حزب البعث لإقامة وحدة بين مصر وسورية، لأنه كان قلقا من أن الأرضية اللازمة لذلك، وقد تم إقناعه عبر تقديم ضمانات على أن الاندماج سيكون كاملا، بحيث يتبع النظام السياسي السوري نظيره في مصر، وفي يوم 1 فبراير 1958م أقيمت الجمهورية العربية المتحدة. أزعج النصر الواضح لعبدالناصر القادة العراقيين تماما لأنهم كانوا يحلمون بتحقيق طموحاتهم في الوحدة مع سورية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، واعترف السفير البريطاني في بغداد السير مايكل رايت، أن إقامة الجمهورية العربية المتحدة أمر جاذب «للقوميين المتطرفين على كل صعيد، كما يرحب به المثقفون والطلاب لأسباب عاطفية نوعا ما، وكذلك عوام الناس»، إلا أنه أردف بقوله: «إن الملك وولي العهد وغالبية السياسيين العقلاء والأغلبية في البرلمان الحالي وشيوخ القبائل المتنفذين، على الرغم من أنهم جميعا يرحبون بالوحدة العربية من حيث المبدأ وعلى أسس سليمة، ينظرون إلى هذا النوع منها على أنه يمثل تهديدا لوجود النظام الحاكم والعراق ذاته». وكان الملك حسين قلقا بالقدر نفسه من هذه النقلة في ميزان القوى في الشرق الأوسط الذي جسدته الجمهورية العربية المتحدة، فصرح في نهاية يناير، بمخاوفه من أن تشكيل الجمهورية العربية المتحدة سيتيح لمصر وسورية أخذ زمام المبادرة في مجال تحقيق الوحدة العربية، واعترف السفير البريطاني لدى الأردن سي هـ جونستون، في تقرير كتبه مباشرة بعد قيام الاتحاد العربي (الهاشمي)، ما نصه: «لم أضيع أي فرصة أتيحت لي طوال العام الماضي لإقناع الملك حسين بميزات وجود صلة أقرب مع العراق». ولهذا فقد كانت إقامة الاتحاد العربي في شهر فبراير 1958م بمثابة تحقيق للآمال البريطانية من عدة وجوه. وقد أوضح الشيخ عبدالله السالم، في سياق مباحثاته مع المقيم السياسي البريطاني، أنه لا ينوي إلزام نفسه بأي من الاصطفافات أو الأحلاف السياسية الجديدة، ولكنه أثناء محادثاته التي جرت في لبنان مع وزير الخارجية العراقي توفيق السويدي، كان مستجيبا لفكرة تعاون أوثق مع جاره الشمالي، إذا ما تم حل المسائل الخلافية العالقة بينهما كترسيم الحدود. وضع حرج وطلب العراقيون الدعم البريطاني لموقفهم حتى إنهم اقترحوا على بريطانيا أن تربط تحقيق استقلال الكويت كتمهيد بانضمام الإمارة إلى الاتحاد العربي، فوجد البريطانيون أنهم قد صاروا في وضع حرج، فقد كان هناك خطر حقيقي يهدد الاتحاد بالانهيار إذا لم يحصل على مساعدة مالية خارجية، وأظهر الشيخ عبدالله السالم ترددا في إلزام نفسه بالمحور العراقي-الأردني، فشرح أحد مسؤولي وزارة الخارجية الموقف المتحفظ للشيخ عبدالله، بأنه: «على ضوء الحماس الواسع في الكويت لعبدالناصر والجمهورية العربية المتحدة، فإن الأمير يرى أن ثمة تهديدا حقيقيا وآنيا ستتعرض له مكانته إذا ما حاول أن يضع بلده ضمن الاتحاد العربي معارضا بذلك رغبات الرأي الشعبي في الكويت». وتنبأ الشيخ عبدالله السالم بأن بناء الاتحاد العربي على أساس معارضته للجمهورية العربية المتحدة لن يحقق الأمن مطلقا، بل سيزيد الاحتقان وخطر حدوث ثورة، وأظهر خلال محادثاته مع الملك فيصل الثاني وولي العهد والقادة العراقيين مناعة ضد محاولات الإقناع بالخطر المشترك الذي يمثله عبدالناصر على استقلال دول الأنظمة الملكية العربية الموالية للغرب، وعبر في محادثات لاحقة مع السفير رايت عن انزعاجه من قيام بريطانيا بمناقشة أمور متعلقة بالكويت مع العراقيين دون التشاور معه أولا. وأخبر نوري السعيد السفير رايت، في 31 مايو، أنه إذا لم تنضم الكويت إلى الاتحاد العربي فإن العراق سيحيي مطالبه بضم الإمارة إلى أراضيه، وذكر السفير رايت في تقرير له: «لدي بعض الخبرة بثورات غضب نوري السعيد لكنها نادرا ما تصل إلى مثل هذه الدرجة من الحدة». وطالب العراق في مذكرة سلمت إلى السفارة البريطانية في بغداد في 5 يونيو، بجزيرتي وربة وبوبيان وأراض شملت جون الكويت، وبعد مرور أكثر من شهر بقليل تمت الإطاحة بالنظام الملكي الهاشمي في العراق، مما عجل بانهيار الاتحاد العربي. تحريك قوات عراقية إلى الأردن أسقط الهاشميين حذر الملك حسين قبل أيام من وقوع الانقلاب العسكري في 14 يوليو 1958م، من وجود مؤامرة تحاك ضد الحكومة العراقية، لكنه بطلبه تحريك قوات عسكرية عراقية إلى الأردن عجل بسقوط إخوانه الهاشميين دون قصد منه، فقد استغل قائد «الضباط الأحرار» عبدالكريم قاسم فرصة تحريك القوات للاستيلاء على السلطة في بغداد في انقلاب عسكري دموي، وفي صباح يوم 14 يوليو تم قتل الملك فيصل بن غازي وولي العهد عبدالإله وبقية أفراد الأسرة الهاشمية المالكة كما أن ميتة نوري السعيد كانت شنيعة، وخلال ساعات قليلة تمت إبادة السلالة الهاشمية التي حكمت العراق منذ عام 1921م ومحوها من المشهد السياسي، وكان أحد أول الأعمال التي قامت بها حكومة قاسم الثورية الانسحاب من الاتحاد العربي. مصير الكويت على المحك ورأى مدير المخابرات المركزية في أميركا ألن دلس، يوم وقوع الثورة العراقية، أن: «مصير الكويت الآن على المحك»، ولاحظ سلوين لويد، في سياق مماثل، خلال اجتماعه مع جون فوستر دلس بتاريخ 17 يوليو أنه: «إذا أمكن القيام بانقلاب في بغداد، فإن هناك خطرا مماثلا في الكويت أيضا:، وحذر لويد من أن: «ذلك ليس مستحيلا إذا ما تنازل الأمير عن الحكم، وقتل عبدالله المبارك، وأصبح الشيخ فهد السالم أميرا فإنه قد يسعى بعدها إلى الانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة». كان رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان يراجع نفسه بشأن احتمال التدخل في الكويت، فذكر في مذكراته ما نصه: «إن وضع الخليج معقد جدا، ولكن لدينا خطط للتدخل في البحرين والكويت إذا ما دعت الحاجة لذلك، ولكن توجد هناك المعضلة المعتادة، هل نتدخل الآن؟ وإذا ما كان الجواب بنعم، فسيوصف ذلك بأنه (عدوان) فهل ننتظر؟ إذا كان الأمر كذلك، فربما نكون متأخرين جدا». وقد عبر الأمير في محادثاته مع هالفورد في يوم 27 يوليو، عن تشاؤمه حيال فرص بقاء الحكم الوراثي في الشرق الأوسط، وأخبر هالفورد بعد أيام بنيته استطلاع إمكانية انضمام الكويت لعضوية جامعة الدول العربية، لكن بريطانيا كانت تنظر بعدم ثقة تجاه الجامعة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، معتبرة أن أنشطتها تقوض المصالح البريطانية، بل بلغ الأمر بوزير الدولة في وزارة الخارجية سلوين لويد في فبراير 1954م بأن يقول: «سيكون أمرا لا يطاق إذا ما سُمح للكويت مطلقا أن تنضم للجامعة العربية». وكان هالفورد يخشى، فوق ذلك، من أن ارتباط الكويت بالجامعة سيمثل انتصارا شخصيا إضافيا يحسب لجمال عبدالناصر ويشكل ضربة خطيرة أخرى لبريطانيا، في حين حذر باروز من جانبه من إعطاء انطباع أن الكويت قد فلتت من قبضة بريطانيا، وكانت وزارة الخارجية تشارك باروز في قلقه حيث قالت: «إذا ما أضعف الأمير الراوبط التي تجمع بين بريطانيا العظمى والكويت فإن ذلك سيكون خطوة على طريق يؤدي إلى ابتلاع الجمهورية العربية المتحدة للكويت، وستصبح الكويت إقليما نائيا يتبع مصر وسيتم نهب خيراتها وتوزيعها في مصر». وقد زادت حدة هذه المخاوف بعد اجتماع الشيخ عبدالله السالم مع الرئيس جمال عبدالناصر في دمشق يوم 20 يوليو 1958م، وهو اجتماع حظي بتغطية إعلامية جيدة، وربما حث الرئيس المصري خلاله الكويت للانضمام لعضوية جامعة الدول العربية. لقد درست وزارة الخارجية فكرة احتلال الكويت وإدارتها كمستعمرة من مستعمرات التاج البريطاني، وذلك للحيلولة دون وقوعها تحت سحر جمال عبدالناصر، كما اقترح سي أ إ شكبيرغ إحياء فكرة الاتحاد بين العراق والكويت أيضا لتأسيس كيان يعادل ثقل مصر، لكن مدير الإدارة الشرقية د م هـ ريتشز كان حذرا حيال هذا المقترح، مؤكدا: «أن مصلحتنا تتحقق في بقاء الكويت مستقلة ومنفصلة إن استطعنا ذلك تماشيا مع فكرة إبقاء المناطق الرئيسة الأربع المنتجة للنفط خاضعة لسلطات سياسية منفصلة»، لكن المشاكل التي طرحتها عضوية الكويت المقترحة في الجامعة العربية ظلت قائمة. لم يكتف الشيخ عبدالله السالم بتبرير إصراره على الانضمام لجامعة الدول العربية بالقول إن ذلك سيحقق للكويت الأمن في العالم العربي، بل أكد أن الاعتماد على بريطانيا في القيام بشؤون العلاقات مع الدول العربية الشقيقة أمر غير عملي، وكان مأخذه الأبرز ما اعتبره فشلا بريطانيا في توفير حماية مناسبة له ضد الضغط العراقي لضم الكويت إلى الاتحاد العربي، بل إن الشيخ عبدالله السالم اتهم بريطانيا بأنها «تخلت عنه»، بسبب شعوره بالعزلة خلال مباحثاته مع نوري السعيد في شهر مايو. ويدعم هذا التفسير استعداد الشيخ عبدالله للتخلي عن فكرة الانضمام إلى الجامعة العربية في مقابل تقديم بريطانيا تعهدا مكتوبا بأنها ستستمر في حماية الكويت، وقد أصر الأمير، مع ذلك، على إعطائه بعض الهامش في إدارة علاقاته مع الدول العربية المجاورة، وقد أيد باروز هذا التطور بشكل مبكر وذلك منذ ديسمبر 1957م. إن رسالة التأكيد والتطمين البريطانية للكويت المؤرخة في 23 أكتوبر 1958م اعترفت «بتوجه الأمير لمباشرة بعض الشؤون المتصلة بعلاقات الكويت الخارجية مع الدول العربية الأخرى»، وأشار الأمير إلى: «أنه من أجل خلق جو ودي تجاه الكويت في العالم العربي، سيكون من المفيد أن يرى الجيران أن الكويت أخذت تمارس دورا نشطا متوقعا منها في بعض المؤسسات الدولية التي أنشئت بغرض العناية بالشؤون الطبيعية المتنوعة لحياة المجتمعات». وسعى الأمير إلى الانضمام لعضوية الاتحاد الدولي للاتصالات، بالإضافة إلى بعض المعاهدات البحرية التي لها أهمية على ضوء قرب استلام الكويت أول سفينة لها عابرة للمحيطات، ولاحظ وزير الخارجية سلوين لويد: «أن حكومة صاحبة الجلالة (بريطانيا) لا تستطيع مقاومة الطلب الجازم للأمير لتقديم تنازلات له من هذا القبيل؛ بل سيكون عدم التجاوب معه في الواقع تصرفا غير حكيم إذا ما حاولنا ذلك». واعترف لويد، خلال نقاشات مجلس الوزراء، بأنه إذا ما استجابت بريطانيا لطلب الأمير، فإن ذلك يرقى إلى التنازل والإقرار بأن الكويت مسؤولة بشكل كامل عن إدارة علاقاتها الدولية، وقد يكون من شأن هذا التنازل إضعاف الموقف البريطاني في الخليج، وأشار إلى أن من شأن السماح للأمير بتعزيز الشخصية والحضور الدوليين للكويت أن تتعزز ثقته دون حدوث تعديل على جوهر علاقته مع بريطانيا، واقتنع مجلس الوزراء بطروحات وزير الخارجية. المجلس الأعلى تأسس المجلس الأعلى في الكويت في عام 1956م كهيئة استشارية، وهو مكون من عشرة أعضاء ينتمون جميعهم إلى أسرة آل صباح، وكان أكثر أعضاء المجلس عرضة للانتقاد أثناء مناقشات المجلس هما الشيخان عبدالله المبارك وصباح الأحمد ابن الأمير الراحل والأخ غير الشقيق للشيخ جابر الأحمد الذي تولي الإمارة لاحقا، وكان عبدالله المبارك وصباح الأحمد يسعيان لكسب ود الشعب عبر حمايتهم للإصلاحيين وتعبيرهم عن التعاطف مع قضية الوحدة العربية. كان عبدالله المبارك في الواقع قد أعطى مباركته للاحتفالية بذكرى تأسيس الجمهورية العربية المتحدة، لكن أحداث الأول من فبراير أبرزت المخاطر التي تواجهها الأسرة بكاملها جراء التصرفات الفردية غير الحصيفة، فقاد الشيخ فهد السالم، وهو الخصم الدائم لعبدالله المبارك، حملة الانتقاد لتصرفات الشيوخ، وقرر المجلس أيضا تفعيل إصلاحات داخلية لتلافي أبرز مظاهر سوء استعمال السلطة، ومن سخرية القدر أن الشيخ فهد، الذي بدأ الهجوم، كان هو الضحية الرئيسة لمحاولات الأسرة ترتيب بيتها من الداخل. كان الشيخ فهد السالم هدفا واضحا للحملة ضد عدم الكفاءة والإسراف والفساد بسبب الاعتقاد الشعبي الشائع بأن الدوائر الحكومية التي يرأسها هي الأكثر ممارسة لهذه السيئات، كما أن تزايد طول فترات غيابه خارج الكويت قد أدى إلى انكشاف وضعه وتآكل مكانته داخل الأسرة الحاكمة، وفي مسعى منه لتعويض نفوذه المتآكل داخل الأسرة، حاول فهد السالم التقرب من بريطانيا، لدرجة أنه صرح علنا ممتدحا السياسة البريطانية في الخليج. لم تكن محاولة فهد لاستمالة بريطانيا تناقض بشكل واضح ما اشتهر عنه من عداء للبريطانيين فقط، لكنها أيضا وفرت له حماية ضئيلة من الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها مكانته، وقد بلغت الأمور الذروة عندما رفض الرئيس الجديد لدائرة المالية الشيخ جابر الأحمد صرف شيكات دائرة الأشغال العامة التي بلغت حوالي 12 مليون جنيه استرليني وذلك لحين تقديم فهد السالم دفاتر حسابات منتظمة، واستقال الشيخ فهد في منتصف مايو 1959م من مناصبه الرسمية، وانشغل بحياته الخاصة، لكن وفاته المفاجئة في 16 يونيو 1959م حسمت هذا الاحتمال وسمحت لآل صباح بتجاوز النقد العام لنظام الحكم الأميري في وقت كانت تتجه فيه الكويت وبسرعة نحو تحقيق الاستقلال. ذكرى قيام الجمهورية المتحدة تحدّ لآل صباح كان تأييد بريطانيا لانضمام الكويت لعضوية الجامعة العربية مبنيا على فرضية أن الضغوط الرئيسة التي تواجه الإمارة كانت ضغوطا خارجية، لكن الذي حدث أنه في بداية عام 1959م تعرض استقرار الأسرة الحاكمة لهزة بسبب حدوث شغب داخلي، فقد أطلقت الذكرى الأولى لقيام الجمهورية العربية المتحدة الشرارة التي أشعلت ظهور تحد واسع لآل صباح. وكان حدوث بعض الشطط في الحماس القومي أمرا متوقعا، فقامت جريدة الشعب الاسبوعية الإصلاحية بدعوة أحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب المصرية لإلقاء خطابين، في حين كان من المعروف أن لجنة الأندية كانت تخطط لإقامة احتفال في ثانوية الشويخ (بمناسبة الذكرى الأولى لقيام دولة الوحدة، الجمهورية العربية المتحدة)، لكن ما أثار الاستغراب العبارات القوية التي أطلقها الإصلاحيون للتعبير عن رغبتهم المزدوجة: بإجراء إصلاحات فورية، بما فيها تحقيق المشاركة الشعبية في الحكم، وإتاحة فرصة للتعبير الفاعل عن إيمانهم بالوحدة العربية. الحكومة الكويتية تعنّف القطامي وتغلق الأندية بدأت خطب احتفالية الذكرى الأولى لقيام الجمهورية العربية المتحدة تلقى بشكل رصين في صباح يوم 1 فبراير 1959م أمام جمهور يضم حوالي 20000 شخص، وبدأ الحفل بكلمة لقائد الإصلاحيين د.أحمد الخطيب ثم تلاه جاسم القطامي، الذي كان ضابطا سابقا في دائرة الشرطة واستقال منها في أوج أحداث قناة السويس احتجاجا على منع المظاهرات. وفي 3 فبراير تم استدعاء القطامي إلى دائرة الأمن العام، وقام الشيخ عبدالله المبارك بتعنيفه كما تم فصله من وظيفته كمدير لشركة السينما الكويتية، وتم كذلك حرمانه من تولي الوظائف في الإمارة ولمدة غير محددة، وتم إضافة إلى ذلك إغلاق أربعة أندية هي: «الخريجين، والمعلمين، والثقافي القومي، والعروبة»؛ كما تم تعطيل الصحف ذات التوجه الاصلاحي وهما: «الفجر والشعب» لأجل غير مسمى، وأخيرا، تم إلغاء المناسبة التي كان سيلقي فيها أحمد سعيد كلمة في نادي الخريجين. وعلى الرغم من أن الأسرة الحاكمة قد رفضت تطوير المشاركة الشعبية في شؤون الحكم، فإنها سعت لتهدئة المعارضة الداخلية عبر إدخال إصلاحات على أسلوب الحكم المتبع في البلد أملا في إزالة أكثر مظاهر الانحرافات فظاعة، وتمت مناقشة هذا الأسلوب الجديد في اجتماعات المجلس الأعلى في الكويت التي عقدت بعد احتفالية ذكرى الوحدة وتأسيس الجمهورية العربية المتحدة.

مشاركة :