الكويت في عهد عبدالله السالم (1950 - 1965م) بريطانيا وآل صباح والنفط 7/8

  • 9/13/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يصف المترجم بدر ناصر المطيري هذا الكتاب الصادر في عام 1999م، وهو من منشورات الأكاديمية البريطانية ومطابع جامعة إكسفورد، بأنه يتمتع بأعلى درجات المهنية والحرفية العلمية في التأريخ لحقبة الشيخ عبدالله السالم؛ مما يؤهله لأن يكون مرجعا رئيسا لتلك الفترة يتم تدريسه في الدوائر الأكاديمية والعامة. ويذكر المترجم أن شيئا من مشاعر الفرحة والسرور بالكتاب وجودا وموضوعا ومنهجا خالط مشاعر الحزن والغضب في آن لإهمال الكويت هذا الأثر العلمي الكبير، وعدم ترجمته وإتاحة فرصة الاطلاع عليه للقارئ الكويتي والخليجي والعربي. ويركز الكتاب على العلاقات بين الكويت وبريطانيا ودور النفط والمؤثرات الخارجية عليهما، ويبدأها المؤلف بمقدمة مطولة توازي فصلا كاملا، تناول فيها بالشرح أوضاع الكويت منذ تولي الشيخ مبارك الصباح زمام الحكم فيها عام 1896م، مع تركيز وتفصيل لمجريات الأحداث في حقبة حكم الشيخ أحمد الجابر الصباح (1921- 1950م) لا سيما أحداث نشأة ونهاية المجلس التشريعي عامي 1938و1939م، وتتوالى فصول الكتاب الستة متناولة بتسلسل زمني مجريات الأحداث في الكويت خلال عهد الشيخ عبدالله السالم الممتد من 1950 حتى 1965م. الكتاب غني بالمراجع التي يستند إليها في معلوماته، مما يثريه ويقوي صدق هذه المعلومات، وفيما يلي تفاصيل الحلقة السابعة: على الرغم من أن استعمال الكويت مسمى إمارة، بعد تبادل المذكرات مع بريطانيا في يونيو 1961م، كان بقصد تأكيد الوضع الجديد للكويت، فقد كان استقلالها مشوبا بالاعتماد المستمر على الدعم العسكري البريطاني، ومع ذلك، فلم يكن الغطاء الذي توفره المظلة العسكرية البريطانية كافيا لضمان بقاء الكويت، فقد كانت الإمارة تحتاج أيضا إلى الدعم السياسي العربي، وأصبح هذا المزيج المتنافر بشكل ظاهر الذي يجمع بين الدعم العسكري البريطاني والدعم السياسي العربي يمثل ركيزتين لضمان وجود الكويت المنفصل، وقد تجسد ذلك فعليا على أرض الواقع خلال أيام قلائل من إعلان الاستقلال الرمزي للكويت. العراق يجدد أطماعه بالكويت لقد تنبأ رئيس الإدارة الشرقية في وزارة الخارجية د م هـ ريتشز في 14 يوليو 1958م، بأن النظام الجديد في بغداد سوف «يستمر في متابعة المطالب العراقية تجاه الكويت بهمة أكبر مما قامت به الحكومة العراقية السابقة»، ورغم أن هذه النبوءة قد ثبتت صحتها على المدى الطويل، فإن العلاقات بين العراق والكويت شهدت تحسنا ملحوظا على المدى القصير. بلغت العلاقات بين البلدين الحضيض عشية اندلاع ثورة يوليو 1958م، عندما جدد العراق أطماعه بالكويت في مسعى منه لإخافة الأمير ودفعه لضم الكويت إلى الاتحاد العربي، وعندما زار الشيخ عبدالله السالم بغداد في نهاية أكتوبر 1958م، رحب به رئيس وزراء العراق الجديد الزعيم عبدالكريم قاسم بحرارة وعبر عن إعجابه بإنجازات الأمير في الكويت. ولم يطرح قاسم أي مطالب عراقية تجاه الكويت، وذكر أن «الأمير كان معجبا جدا بشخصية القائد العراقي الجديد»، كان ذلك مقدار التحسن المبدئي الذي طرأ على العلاقات مع العراق مما جعل ريتشز يشير إلى أن «الكويت قد تميل إلى الاستغناء كلية عن الحماية البريطانية، وأن القبول الواضح للعراق بالوجود المستقل للكويت قد تجلى من خلال تأييده لطلب الكويت الانضمام لعضوية المنظمات الدولية»، بل وصل به الأمر حد أن «شعر آل صباح بدرجة كافية من الثقة جعلتهم يفكرون بدعوة عبدالكريم قاسم لزيارة الكويت لمناقشة مسألة الحدود وذلك في أواخر أكتوبر 1960م». وأخبر السفير البريطاني في بغداد السير همفري تريفيليان وزارة الخارجية، قبل أيام فقط من تبادل الكويت مذكرات الاستقلال مع بريطانيا، بأن الزعيم العراقي كان «يتلاعب بورقة علاقات العراق وصداقته الحميمة مع الكويت، وربما لا يرغب في المغامرة بعلاقاته الودية مع الأمير من خلال مهاجمة المعاهدة الجديدة التي أبرمها»، وعبر قاسم عن ارتياحه لأنباء إلغاء الحماية البريطانية، متماشيا بذلك مع مواقف الدول العربية الأخرى، وإن كان عدم إشارته إلى استقلال الكويت قد مثل نذير شؤم، لكن هذا التحسن الطارئ في العلاقات الكويتية العراقية كان خادعا. اختار عبدالكريم قاسم مؤتمرا صحافيا عقده في بغداد في يوم 25 يونيو 1961م ليس لإعلان أن الكويت «جزء لا يتجزأ من العراق» فقط، ولكن ليفصح أيضا عن نيته خفض منصب الشيخ عبدالله السالم ليصبح قائمقام أو محافظا لقضاء الكويت، كما دان رئيس الوزراء العراقي الكويتيين الذين تبادلوا المذكرات مع بريطانيا بتاريخ 19 يونيو واصفا إياهم بأنهم أشخاص غير مسؤولين وخاضعين لهيمنة الاستعمار، وجدد مطالب العراق تجاه الكويت مستنداً إلى الحجج التي سبق لتوفيق السويدي أن طرحها قبل ما يقرب من ربع قرن، وهي أن الكويت كانت تاريخيا جزءا من ولاية البصرة، وأن معاهدة عام 1899م مع بريطانيا غير شرعية لأن الشيخ مبارك الصباح وهو قائمقام عثماني ليس لديه سلطة تخوله عقد مثل هذه المعاهدة. وذكر القنصل العام البريطاني في البصرة أن الرأي العام العراقي لا يأخذ تهديدات عبدالكريم قاسم تجاه الكويت على محمل الجد، لكن أمير الكويت كان أقل استكانة فطلب في آخر يوم من شهر يونيو دعما بريطانيا رسميا بموجب بنود المذكرات المتبادلة معها قبل أحد عشر يوما فقط. وحذر وزير الخارجية اللورد هوم زملاءه في مجلس الوزراء البريطاني في يوم 29 يونيو بأن هناك مؤشرات تدل على أن رئيس وزراء العراق قد يحرك قوات مدرعة إلى البصرة استعدادا للهجوم على الكويت، على الرغم من تزايد الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك. وتم إرسال رسالة بريطانية، على ضوء توقع طلب الأمير للمساعدة، إلى وزير الخارجية الأميركي دين رسك للإعراب عن الأمل بأن تعمل الحكومتان البريطانية والأميركية «بالتعاون لأقصى درجة»، وأكدت وزارة الخارجية البريطانية، في سياق طلب «دعم سياسي كامل» من وزارة الخارجية الأميركية أن: «أهمية الكويت بالنسبة إلى العالم الغربي هي من الأهمية بمكان، بحيث تجعلنا لا نخاطر بالسماح لعبدالكريم قاسم بالاستيلاء عليها دون مقاومة»، ورد رسك مؤكدا لهوم بقوله: «إننا نفهم عمق التزامكم تجاهها، ونوافق على أن استقلال الكويت يجب ألا يتم تحطيمه بالقوة العسكرية، وإننا مستعدون لتقديم الدعم السياسي الكامل الذي طلبته»، ووصلت طلائع القوات البريطانية المكونة من 600 جندي إلى الكويت يوم 1 يوليو، وارتفع هذا العدد ليصل إلى 7000 جندي خلال خمسة أيام. تأييد عربي للكويت وكلف الأمير الشيخ عبدالله السالم، في مسعى لحشد تأييد عربي للكويت، الشيخ جابر الأحمد بالقيام بجولة تشمل العواصم الإقليمية مزودا بتعليمات يقدمها لمضيفيه مفادها أن الكويت مستعدة أن تطلب من بريطانيا الانسحاب بشرط انضمام الكويت إلى الجامعة العربية والالتزام بنشر قوة ردع عربية أو تابعة للأمم المتحدة تحل محل القوة البريطانية، وبالفعل انضمت الكويت إلى جامعة الدول العربية بتاريخ 20 يوليو 1961م. وفي 2 أغسطس تم التوصل لاتفاق لتشكيل قوة عسكرية تابعة للجامعة العربية تتولى مسؤولية الدفاع عن الكويت، وبعد استكمال تنفيذ الاتفاق، طلب الأمير انسحاب القوات البريطانية، وحلت محلها 3300 عسكري من الجمهورية العربية المتحدة والسعودية والأردن وتونس خلال الأسابيع التالية، وغادرت القوات البريطانية كافة الكويت بحلول 10 أكتوبر ما عدا قوة صغيرة بقيت لمساعدة الجيش الكويتي في صيانة معداته. وفي مسعى من أسرة آل صباح لصياغة هوية مميزة للكويت كدولة مستقلة فقد تبنت الأسرة برنامجا للإصلاح الداخلي والاعتراف الخارجي، ورغم أن بريطانيا أيدت محاولات آل صباح توسعة القاعدة السياسية للنظام، فإن الارتباط المتزايد للكويت بقضية القومية العربية سبب قلقا كبيرا لها، وبحلول عام 1965م، بدأت بريطانيا تشك بقيمة علاقتها القائمة مع الكويت، ولكن مع وفاة الشيخ عبدالله السالم في نهاية العام، فإن الهواجس البريطانية لم تكن وصلت بعد إلى درجة القيام بإجراء إعادة تقييم جوهري للعلاقات البريطانية الكويتية، ولم يحدث ذلك التقييم الجوهري إلا بعد مرور ثلاث سنوات. حرب 1967 عرّضت العلاقات البريطانية الكويتية لضغوط متجددة تعرضت العلاقات البريطانية الكويتية لضغوط متجددة في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1967م أو المسماة حرب الأيام الستة، فلم يؤد الانتصار الإسرائيلي في الحرب المدهش بسرعته إلى حدوث صدمة لأعدائها فقط، لكنه غذى الشائعات بشأن تلقيها مساعدة خارجية، واتجهت هذه الشكوك نحو بريطانيا والولايات المتحدة، مما أسفر عن فرض الدول المنتجة للنفط في العالم العربي حظرا على الصادرات النفطية إلى هذين البلدين، وفي الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية البريطاني جورج براون يتوقع بثقة بأن السعودية وليبيا وإمارات الخليج ستحاول إعادة العلاقات الطبيعية مع الغرب، فقد اعترف بأن: «الكويت هي الأقل موثوقية بسبب انحياز النظام فيها للقضايا القومية». وأكدت الحكومة البريطانية في بداية شهر نوفمبر 1967م، لحكام الخليج القلقين بأن مغادرة بريطانيا الوشيكة من عدن ليست مؤشرا على تخليها عن مسؤولياتها تجاههم، ولكن تعويم الجنيه الاسترليني بتاريخ 18 نوفمبر وما تلاه من حاجة لخفض الانفاق الحكومي كشف عن خواء التطمينات البريطانية التي قدمتها لهم قبل أيام قلائل فقط. وأعلن رئيس الوزراء في 16 يناير 1968م أن القوات البريطانية سيتم سحبها من الخليج بحلول نهاية عام 1971م، ولذلك جاء إعلان الشيخ جابر الأحمد إلغاء مذكرات الاستقلال المتبادلة مع بريطانيا لوضع نهاية فعلية للوضع الخاص لبريطانيا في الكويت على ضوء هذه التطورات. زيادة النشاط السياسي في بداية النصف الأول من عام 1961م تم تخفيف القيود المشددة المفروضة على النشاط السياسي في الكويت تدريجيا، وهي التي تم تطبيقها في أعقاب الاضطرابات التي حدثت في فبراير 1959م، فقد أقنع تجدد التهديد العراقي في يونيو 1961م آل صباح بتسريع وتيرة هذا التوجه التصالحي نظرا للحاجة لتعزيز الجبهة الداخلية وتأمين الدعم الشعبي في هذا الوقت العصيب، فعاودت أولى الصحف الصدور في مارس، وصدر قانون في 12 أغسطس يسمح بإعادة فتح الأندية والجمعيات، ولكن كان قرار إجراء انتخابات مجلس تأسيسي في أغسطس أكثر التطورات أهمية، حيث أجريت في 30 ديسمبر 1961م، وشارك فيها فقط الكويتيون بالولادة، ووصفتها السفارة البريطانية بأنها «خطوة إسكات حصيفة». وأدلى 12000 ناخب بأصواتهم لاختيار 20 نائبا من إجمالي 74 مرشحا خاضوا غمار الانتخابات، ورغم أن المجلس عمل كسلطة تشريع انتقالية فإن وظيفته الأساسية كانت إعداد مسودة دستور للبلاد، وعقد المجلس أول اجتماع له في 20 يناير 1962م، وتم حله بعد إنجازه لمشروع دستور الكويت وتقديمه للأمير، الذي بادر بالموافقة عليه وتوقيعه بتاريخ 11 نوفمبر 1962م. وصف الدستور النظام السياسي للكويت بأنه إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح، لكنه وضع قيودا على صلاحيات الأمير، وأسندت السلطة التنفيذية إلى الأمير ومجلس الوزراء، الذي حل محل المجلس الأعلى، أما السلطة التشريعية فيشترك فيها الأمير مع مجلس الأمة الجديد، حيث أجريت أول انتخابات لمجلس الأمة في يناير 1963م، ويضم المجلس 50 نائبا إضافة إلى أعضاء مجلس الوزراء غير المنتخبين. وعلى الرغم من أن إشهار الأحزاب السياسية ممنوع رسميا، فإن تجمعا معارضا قاده د.أحمد الخطيب سرعان ما تشكل، وحدث واحد من أوائل الصدامات في أبريل عندما حث 12 نائبا الحكومة على الانضمام لمحادثات حول الوحدة مع مصر وسورية والعراق، وتجلت حيوية المجلس أيضا في ديسمبر 1964م عندما عارض التشكيلة الوزارية المقترحة انطلاقا من أن لدى بعض المرشحين للحقائب الوزارية أعمالا تجارية مما يتعارض مع نصوص الدستور، وقد تقبل الأمير اعتراضات المجلس وتم تشكيل حكومة جديدة في عام 1965م. كان أحد الدروس الرئيسة التي استوعبها آل صباح من أزمة عام 1961م الحاجة إلى تعزيز مكانة الكويت في العالم العربي، وقد تكشف مقدار عدم الاحترام الذي تكنه الدول العربية لإمارة الكويت بشكل مؤلم خلال جولة الشيخ جابر الأحمد على العواصم العربية في يوليو 1961م. وعلق القائم بالأعمال البريطاني في الكويت أ. كـ. روثني على هذه التجربة مستذكرا: «لقد شكل ذلك نوعا من الصدمة للشيخ جابر الأحمد عندما اكتشف أن الدول العربية الشقيقة كانت أقل حرصا على التجاوب وأكثر ميلا نحو تبني موقف مفاده أنه لا يوجد سبب يدعوها لتقديم شيء لمساعدة دولة قدمت القليل لمساعدتهم في الماضي رغم ثرائها». وفي مسعى لتصحيح هذا الانطباع وحصد تأييد إقليمي عربي، قام وفد اقتصادي كويتي بزيارة سبع دول عربية هي: الجمهورية العربية المتحدة، السودان، ليبيا، تونس، المغرب، لبنان، والأردن، في أكتوبر 1961م لدراسة مشاريع يمكن للأموال الكويتية أن توجه إليها، وأعلن الشيخ جابر الأحمد في 17 ديسمبر 1961م أن الحكومة تنوي تأسيس صندوق متخصص لهذا الغرض هو الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وكشف عن مقترحات مفصلة بشكل أكثر في بداية عام 1962م، ومنها تحديد رأسمال الصندوق بمبلغ 50 مليون دينار كويتي، وتم تسديد الخمسين مليون دينار من الاحتياطيات نظرا لأن الكويتيين قد وجدوا أن من المستحيل الحصول على وفورات مالية كافية في الميزانية، بسبب الانفاق الجاري الضخم، لتوجيهها لسداد رأسمال الصندوق الانمائي المخصص للعالم العربي. في مايو 1962 تم تعيين سفير الكويت في لندن خليفة الغنيم عضوا بمجلس إدارة هيئة الاستثمار الكويتية، ومع ذلك، فقد ظل كمب رئيسا للهيئة نتيجة لإصرار الأمير على ذلك، وقد تأخر إصلاح مؤسسات الاستثمار الكويتية، وأوضح ريتشموند الوضع بقوله: «يبدو أن الكويتيين يدركون الحاجة إلى التخطيط والتنسيق، لكنهم يحاولون القيام بالكثير من الأعمال في الوقت الحالي من خلال عدد محدود جدا من المسؤولين الكويتيين من ذوي الخبرة، لذلك فإن حجم العمل المطلوب يفوق قدرتهم على السيطرة»، ومع ذلك تم تأسيس مجلس استشاري برئاسة الشيخ جابر الأحمد في بداية عام 1963م. استخدام الثروة في السياسة ويمكن رؤية محاولات الكويت لاستخدام ثروتها كأداة للسياسة الخارجية بوضوح شديد فيما يتصل بعلاقتها بالعراق، فقد لاحظ ريتشموند في أوائل عام 1963م أن: « الكويت ولمدة عام ونصف تمتعت بميزة الحصول على دعمين غير متجانسين بطبيعتهما لاستقلالها، هما الدعم السياسي العربي والدعم العسكري البريطاني والفضل في ذلك يعود إلى عبدالكريم قاسم»، لكن الإطاحة به عبر ثورة دموية في فبراير 1963م أتاحت للكويت فرصة للقيام بدور أكثر نشاطا لضمان وجودها المستقل. حددت الحكومة العراقية الجديدة بقيادة عبدالسلام عارف، في مارس 1963م، شرطين مسبقين ممكنين لاعتراف العراق باستقلال الكويت هما: إما إلغاء المذكرات البريطانية الكويتية المتبادلة في 1961م، أو تشكيل نوع ما من الارتباط بين البلدين، ولم يكن من غير الطبيعي أن كلا الشرطين كانا غير مقبولين لدى الأمير، ولم يعززا الوضع التفاوضي للكويت في انتخابها كعضو في الأمم المتحدة في 14 مايو فقط بل أيضا الوضع المالي الخطير الذي يمر به العراق. ونتيجة لذلك اقترحت الكويت اعتراف العراق باستقلالها والقبول بالحدود التي رسمت في عام 1932م كأساس للمفاوضات، كما رفض الأمير أيضا الخضوع لضغوط إلغاء مبكر لمذكرات الاستقلال المتبادلة مع بريطانيا في عام 1961م، ووقع ممثلون عن الحكومتين العراقية والكويتية في 4 أكتوبر على محضر متفق عليه يعترف بموجبه العراق «باستقلال دولة الكويت وسيادتها الكاملة ضمن حدودها، كما حددتها رسالة رئيس وزراء العراق المؤرخة في 21 يوليو 1932م». كما وافق البلدان على تبادل التمثيل الدبلوماسي، لكن موقف العراق التصالحي هذا كان له ثمن، فقد وافقت الكويت في 12 أكتوبر على منح العراق قرضا بدون فائدة بمبلغ 30 مليون جنيه استرليني يتم سداده على مدار خمسة وعشرين عاما. تذمر بريطاني من قروض الصندوق الكويتي للتنمية كان القصد من وراء إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية هو إقراض المال لمشاريع تنموية محددة، لكن منحة 30 مليون جنيه للعراق كانت غير مشروطة، وتم سحبها مباشرة من الاحتياطيات بدلا من الصندوق، وبسبب تسليف العراق هذا المبلغ وبهذه التسهيلات، وجد الكويتيون أنفسهم عرضة لطلبات مماثلة من البلدان العربية الأخرى، ووافقت الكويت في مارس 1964م على منح قرض حكومي قدره 25 مليون جنيه استرليني إلى مصر بنسبة فائدة قدرها 4% يسدد على مدى 15 عاما. وقد تذمر أحد مسؤولي وزارة الخارجية قائلا: «بما أن الكويتيين الآن قد أظهروا أنفسهم بمظهر الخاضع لابتزاز الجمهورية العربية المتحدة والعراق، لذا يبدو أنه لا يوجد سبب يمنع استمرار تلقيهم طلبات أخرى للمعونة»، وثبتت صحة هذه المشاعر، فخلال الفترة بين مارس وأغسطس 1965م تم تقديم رزمة من القروض الجديدة لكل من مصر والجزائر والمغرب ولبنان والسودان؛ مما دعا أحد مسؤولي وزارة الخارجية البريطانية لوصف الكويت بأنها «البقرة الحلوب للعالم العربي». الكويت ملاذ لمعارضي الأنظمة المدعومة بريطانياً في محاولة من الكويتيين لتقليل الخطر عليهم فقد شعروا بالحاجة إلى التفاعل مع القضايا العربية الشعبية، ونتج عن ذلك أن أصبحت الكويت نوعا من الملاذ للجماعات المعارضة للأنظمة المدعومة بريطانيا في الجزيرة العربية، فلجأ إلى الكويت المنفيون البحرينيون والثوار من عمان وقياديون في الجبهة القومية لتحرير الجنوب العربي. ومما زاد الطين بلة أن العداء تجاه بريطانيا قد تجلى في مجلس الأمة الكويتي كذلك، حيث تم التنديد بقمع الاحتجاجات في البحرين التي حدثت في مارس 1965م وتم وصفها ووصمها «بالتصرفات الاستعمارية»، كما أصبح هجوم الصحافة أمرا شائعا أيضا، لا سيما الصحف التي تحت تأثير الهيمنة المصرية مثل جريدة (الطليعة)، وعندما حث جاكسون الأمير لاتخاذ إجراء حيالها، أجابه الأمير أن من شأن ذلك فقط أن يوفر «مادة جاهزة لحملة دعائية مضادة للاستعمار». إن ارتباط الكويت المتنامي بقضايا القومية العربية دفعت بعض الدوائر البريطانية إلى اقتراح القيام بإعادة تقييم للعلاقات البريطانية الكويتية، على الرغم من تعبير آل صباح عن الولاء والطاعة لبريطانيا في السر. العلاقات بين الكويت والعراق بلغت الحضيض عشية اندلاع ثورة يوليو 1958 عندما جدد العراق أطماعه بالكويت عبدالكريم قاسم زعم في 25 يونيو 1961 أن الكويت جزء لا يتجزأ من العراق وأفصح عن نيته خفض منصب الشيخ عبدالله السالم ليصبح محافظا لقضاء الكويت عبدالله السالم كلف جابر الأحمد أن ينقل للعواصم الإقليمية إمكانية الطلب من بريطانيا الانسحاب بشرط انضمام الكويت إلى الجامعة العربية في بداية النصف الأول من 1961 تم تخفيف القيود المشددة المفروضة على النشاط السياسي بالكويت تدريجياً رغم أن بريطانيا أيدت محاولات آل صباح توسعة القاعدة السياسية للنظام فإن ارتباط الكويت المتزايد بقضية القومية العربية سبب لها قلقاً كبيراً في مايو 1962 عينت الكويت سفيرها بلندن خليفة الغنيم عضواً بمجلس إدارة «هيئة الاستثمار»

مشاركة :