د. محمد مبروك يكتب: سراي عابدين

  • 9/10/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

منذ بضعة أسابيع عَرضت احدى القنوات الفضائية (العربية) الجزء الثاني من المسلسل المُسمى "سراي عابدين"، و بما أنني كنت قد تابعت الكثير من حلقات الجزء الأول بعد بَثه بفترةٍ لِما أُثير حوله من ضجيجٍ إعلاميّ وانتقادات آنذاك، مما أثار فضولي لاستكشاف ما يحدث حينها ومتابعة حلقاته كلما أُتيحت الفرصة على أحد برامج بث تلك الأعمال، وعندما عرفت أن الجزء الثاني الذي تم بثه عبارة عن احدى عشر حلقة فقط، قررت خوض التجربة مرة أخرى، خصوصًا أنه تم استبدال مخرج الجزء الأول بمخرجٍ آخر(أسود العينين) ويا ليتني ما فعلت!في البداية لا أدري لماذا تم الاستعانة في عملٍ بهذا الحجم وهذه التكلفة مع كل هؤلاء النجوم بكاتبة مغمورة ليس لها أي خبرة تُذكر في هذا المجال أو غيره، كما أنها (كويتية) وليست مصرية؟وإذا كان هذا من باب المُجاملة أو تحت غطاء صفقة ما، فلماذا يتم إسناد مسلسل هكذا إليها من أول مرة وخصوصًا أن أحداثه تَمس فترة هامة من تاريخ مصر وتتحدث عن شخصيات تاريخية يعرفها المصريون بل وكانت مادة تاريخية يدرسونها بشكل إلزاميّ في مراحل التعليم، ناهيك عن تناول مسلسلات مصرية شهيرة لتلك الأحداث ونفس الشخصيات من قبل!مع أحداث الجزء الأول عندما تم عَرضه، سمعنا بعضًا من صناع المسلسل يتكلمون عن أنه ليس مسلسلًا تاريخيًا وإنما هو عمل (دراميّ) يُحاكي ما كان يحدث ابّان هذه الفترة من التاريخ، وهذا أمرٌ عجيب، كيف لي أن أرى أمامي شخصًا ينادونه بالخديوي اسماعيل وتُنسب اليه تلك التصرفات الغريبة والمُشينة، ويدّعي هؤلاء أن هذه دراما! أي دراما التي تحوّل أحد أهم الشخصيات في تلك الفترة من وزير مالية إلى قائد حرسٍ فاشل (اسماعيل المُفتش)، وتُميت أمراء وتحييهم وبأسمائهم وشخصياتهم؟وهل يتم كتابة الدور على قدر حجم الممثل؟ فنخلق شخصية وهمية، تحكم مصر بمنتهى السذاجة وبطريقة كيد النسا كي نُجامل الفنانة الكبيرة يُسرا التي تعتبر هي والنجم قُصيّ خولي فوق هذا النقد لما قَدّما من ابداعٍ رغم ضعف الورق و سذاجة مخرج الجزء الثاني الذي افتقد الى أدنى قواعد الإخراج وربط المشاهد والأحداث ورسم خط درامي صحيح، وكأنه لم يشاهد الجزء الأول الذي حاول فيه المخرج عمرو عرفة بذل كل ما لديه من خبرة للتعامل مع الورق الذي لا يرقى إلى أن يُستخدم في بيوت الراحة كي يقدم للمشاهد بعض التسلية التي تعتمد فقط على حنكته في الإخراج لا على ما في الورق من هُراء...إذا كان المسلسل محاكاةً لبعض المسلسلات التركية التي تتناول ما يحدث في بلاط السلطان وما يجري من مؤامراتٍ أو أحداثٍ يومية مع بعض الشخصيات فالأمر جدُ مختلف، فتلك المسلسلات التركية تعتمد بالفعل على الشخصيات الدرامية التي تم رسم خطوطها بدقة وادراج الدراما وسط الأحداث التاريخية دون تبديلٍ لما هو معروف منها بالإضافة الى طول هذه الأعمال وعدد الحلقات الذي يسمح بهذا الدمج، كما أن ثراء مثل هذه الأعمال يأتي من تنوع الخطوط الدرامية المختلفة فإذا كان القصر هو محور الأحداث (الغير منطقية)، أين الشعب؟ أين المناظر الخارجية، أين افتتاح قناة السويس الذي يُعتبر من أهم الاحداث في عهد الخديوي اسماعيل؟وإذا تركنا ضعف القراءة التاريخية واعتبرنا أن المسلسل يحكي عن أشخاصٍ هلاميين ليس لهم ذِكْر في التاريخ ونظرنا للجانب الدرامي والحبكة الدرامية، فكيف للمشاهد أن يقتنع بأن اسماعيل المفتش- صَديق الخديوي- والذي يلازمه في السرايا باستمرار أن يَنزل مع ابن الخديوي المعروف أيضًا لدى الجميع الى "البدروم" ويعيش وسط الخدم دون أن يكتشفوا ذلك لمدة ست سنوات؟ثم ترى في مشهد آخر يثير الغثيان إحدى زوجات الخديوي تتناول زجاجةً كاملة من السّم الزعاف ولا تموت! لماذا؟ لقد احتست رشفة من اللبن قبل السّم! ما هذه السذاجة و الاستخفاف بعقل المشاهد؟في الحقيقة هذا العمل فيه الكثير والكثير من تلك السخافات التي لا يتسع هذا المقال لذكرها وإنما ما يَهمنا هنا هو اسم مصر وتاريخها الذي لا يجب أن يُترك للتناول بهذا الجهل وتلك الطريقة، فاذا ما أراد هؤلاء مجاملة كاتبة مغمورة، فعليهم بالبعد عن كل ما هو مصري ولينعموا بجهلهم وسذاجتهم المقيتة في مواضيع أخرى وليتركوا المحروسة لمن يسهروا على حراستها ويفهمون معنى اسمها "بهية"...

مشاركة :