ماذا نريد من مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية؟ 2 - 2

  • 9/11/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يحسن أن ينهض هذا المجمع العالمي بجانبين؛ الأول: الدفاع، والثاني التأثير. ولا يغيب عن ذهن أي فطن أن سيادة لغة أي أمة هي صورة جلية لسيادة الأمة نفسها ومنعتها وقوتها وقدرتها على خلق هالة من الإعجاب والاقتداء بأنماط وأساليب حياتها؛ العلمية والثقافية والفنية والاجتماعية، وأخشى أن أبالغ فأقول أيضا قد يقود الإعجاب بالأمة المنتصرة إلى الارتماء الكامل في معتقداتها الدينية وقيمها الأخلاقية الصالحة والطالحة، وهذه الفئة من المرتمين هم عادة السطحيون المهزومون نفسياً المصابون بالصدمة الحضارية، ومثال ذلك ليس بعيداً عن أعيننا؛ فلا يخلو مجتمع عربي في محيطنا العربي من هذه الحالات الشاذة المنهزمة. ولا أجد عذراً للمرتمين ارتماء غبياً أهوج؛ لكن أجد أسباباً محرضة على الهزيمة النفسية يتمثل بعضها في قوة وغلبة المنتصر وبؤس وهوان وتخلف المهزوم، والمنتصر اليوم هما الحضارتان الغربية والشرقية، والمغلوب اليوم - مع الأسف - هم العرب والمسلمون، وأعني بالغلبة في جوانبها العلمية والتقنية والاقتصادية والعسكرية ونحوها، مما هو مقوم رئيس من مقومات الحضارة المتسيدة. وبين أعيننا في محيطنا العربي الكبير نجد نماذج متعددة من صور الاستلاب والهزيمة النفسية وفقدان التوازن عند اتخاذ اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو سواهما اللغة الأولى للتعليم وللثقافة وللفن وغيره، ونجد في محيطنا العربي عدداً ليس بالقليل يرى في استعماله اللغة الإنجليزية في كل آن محاضرة ومحاورة في المنزل مع أطفاله صورة من صور التحضر والمدنية، في الوقت الذي يعيش بين ظهراني قومه الذين لا يتحدثون ولا يتحاورون بغير لغتهم العربية؛ فكأنه خلق له ولعائلته جزيرة منفصلة انفصالاً لغوياً وروحياً وأخلاقياً، وأحدث قطيعة مؤلمة بينه وبين تاريخه وجيناته. وهنا يتوجب على المجمع الدفاع عن سطوة الحضارة المتغلبة المتسيدة بتعزيز منعة لغتنا العربية التي ترسم شخصيتنا وتحدد ملامحها وتشف عن روحها العميقة. ويتمثل الدفاع عنها في سن الأنظمة والقوانين التي تحميها من أن تغلبها لغة أخرى في بيئتها، وفرض العقوبات على من يقترف إساءة أو إخلالاً بقوانين الحماية؛ في الإعلام والأسواق واللافتات والمؤتمرات وموظفي استعلامات الفنادق والشركات والمؤسسات، بحيث يشترط فيهم إجادة اللغة العربية والإنجليزية معاً. أما التأثير، فيفهم ضمناً من إضافة كلمة «العالمي» إلى اسم المجمع، وهذا يعني تحميله رسالة ثقيلة كما هي في الداخل تحافظ على الهوية هي أيضاً في الخارج تعريف وإعلام بهذه الهوية من خلال افتتاح معاهد وأقسام في الجامعات العالمية لتدريسها، والمشاركة في المؤتمرات العالمية بما يمثل إبداعها؛ كمعارض الكتب، وأداء ألوان متعددة من الفنون والإبداع الشعري والنثري باللغة العربية مع مصاحبته بالترجمة إلى اللغات الأخرى، وترجمة المميز من الأعمال الإبداعية شعراً ونثرا إلى اللغات العالمية الحية. ومع إيماننا القوي بتزامن قوة حضور اللغة بقوة الأمة التي تتحدث بها؛ إلا أننا لا نيأس ولا نحبط؛ بل نعقد العزم على الحماية والدفاع والتأثير من خلال ما سينهض به هذا المجمع العالمي من مهمات جليلة. ** ** moh.alowain@gmail.com

مشاركة :