العقاريون وأخلاقيات المهنة

  • 7/29/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كثيراً ما يتحدث الوسطاء العقاريون عن ضرورة إصدار قانون للوساطة العقارية لوقف عدة ظواهر مزعجة في السوق، في مقدمتها ظاهرة الوسطاء العقاريين غير المرخصين. ويؤكد هؤلاء العقاريون أن الوسطاء غير المرخصين أو الدخلاء - كما يسمونهم - يشوهون السوق بممارسات غير مهنية وغير أخلاقية، ويسيئون إلى سمعته. ولكن قلما يتحدث العقاريون أنفسهم عن ضرورة إطلاق ميثاق شرف أخلاقي فيما بينهم يتعهدون فيه بالالتزام بالأخلاقيات المهنية، وهو الأمر الذي يساعد من دون أدنى شك على تنظيم السوق وفضح الممارسات غير المهنية. ولا نعدوا الحقيقة إذا ما قلنا أن الجسم العقاري قادر على أن يحصن نفسه ضد الدخلاء لو أنه تكتل في إطار منظم، مثل جمعية البحرين العقارية أو أنشأ نقابة، أو غيرهما ثم أطلق ميثاقاً أخلاقياً ملزماً لجميع الأعضاء، وفرض قوانين ضابطة وعقوبات. بيد ان الحقيقة تقول بأن الجسم العقاري نفسه يعاني من التشرذم والضعف، ولا أدل على ذلك من البيانات المتعلقة بعدد الأعضاء الفاعلين في جمعية البحرين العقارية أو لجنة قطاع العقار في غرفة تجارة وصناعة البحرين أو عدد أولئك العقاريين الذين يحضرون الفعاليات العقارية غير الربحية. والضعف الذي نتحدث عنه ناشئ من عدة عوامل، أحدها عدم الالتزام بأخلاقيات المهنة، وهذه التهمة ليست حكراً على الدخلاء في السوق، بل تنسحب على مكاتب عقارية مرخصة أيضاً، والشواهد والأمثلة عديدة. لقد حدثني أحد أصحاب المؤسسات العقارية بأن زبوناً جاء يطلب قطعة أرض تقع في منطقة جديدة يسكنها ثلاثة من إخوته فأحب أن يشتري هذه القطعة ليبنيها بيتاً بجوارهم، وكانت في ذلك الوقت مسعرة بمبلغ 57 ألف دينار، وقال: قمت بالاتصال بالمكتب الذي ينسق مع صاحب الأرض، فواعدني خيراً. وبعد مراجعته مجدداً قال لي: إن صاحب الأرض يريدها بسعر 59 ألف دينار، أي بزيادة قدرها ألفان، وبعد مراجعة الزبون وإخوته، وافقوا، فاتصلت بصاحب المكتب وطلبت منه المضي قدما في الإجراءات، لكنه بعد يومين رد بالقول: إن صاحب الأرض يريدها بسعر 61 ألفا، ثم اكتشفت لاحقاً أن المكتب اشترى الأرض من صاحبها عندما عرف بقصة الزبون ورغبته في الشراء بجوار إخوته الذين غيروا رأيهم لما رأوه من شجع وانتهازية صاحب المكتب. وفي قصة أخرى، حدثني صاحب أحد المكاتب العقارية بأن المؤسسسات العقارية الكبيرة عند إجراء صفقة عقارية مع مكتب صغير لا توفي المكتب الصغير عمولته، وتطلب منه أن يأخذ العمولة من المشتري فقط، على الرغم من أن العرف قائم على أن يحصل الوسيط على عملة من البائع وأخرى من المشتري، لكن أصحاب المؤسسات العقارية الكبيرة يلوون ذراع المكاتب الصغيرة. وبعض الممارسات لا تختلف كثيراً لدى بعض شركات التطوير العقاري التي وصلت قضاياها للمحاكم، وبعض مشروعاتها لا تزال مجهولة المصير. لا أريد هنا أن أرسم صورة قاتمة بشأن القطاع العقاري والوسطاء العقاريين، فهنالك الكثير من الوسطاء النزيهين الذين يتعاملون بمنطق الكلمة الصادقة، ولا يهمهم الحصول على أكبر العمولات بقدر ما يسعون إلى مساعدة الآخرين في الحصول على بيت الأحلام، لكنني أمارس دور النقد الذي تتيحه هذه المساحة الحرة. إن مسؤولية تحصين السوق ضد الممارسات غير المهنية مسؤولية رواده والعاملين فيه قبل أن تكون مسؤولية الجهات المنظمة، فالقوانين يمكن اختراقها أو استغلال الثغرات فيها. إن من الأهمية بمكان أن يتمسك العقاريون أنفسهم بالمعايير المهنية مهما كان السوق صعباً أو مغريا، وإلا لا يأمنون السقوط في الهاوية والأزمات، مثلما حدث في الأزمة المالية العالمية، إذ تسبب الجشع والربح السريع في تفجر أزمة مالية وعقارية وصفت بأنها الأعنف في التاريخ.

مشاركة :