خففت تركيا تحركاتها الاستفزازية شرق المتوسط بعد أن سحبت سفينة للتنقيب عن الغاز من المياه الإقليمية اليونانية كان يفترض أن تواصل مهامها لفترة أطول، في خطوة رافقتها تصريحات تهدئة مفاجئة من قبل المسؤولين الأتراك. ويرى متابعون أن انكفاء أنقرة يشي بتغيّر موازين القوى. إسطنبول- أظهرت بيانات رفينيتيف أن سفينة التنقيب التركية أوروتش رئيس عادت إلى مياه قريبة من إقليم أنطاليا بجنوب تركيا الأحد، في خطوة قد تخفف التوتر بين أنقرة وأثينا بشأن الموارد الطبيعية شرق المتوسط. ويرى مراقبون أن التراجع التركي عن انتهاك المياه الإقليمية لليونان يفتح الباب أمام تسوية الأزمة سلميا، بعد أن لوحت أنقرة بالحل العسكري الذي قوبل بتمترس أوروبي خاصة فرنسي خلف أثينا. وأضعف الموقف الفرنسي المناوئ للعربدة التركية في المياه الأوروبية وإرسال باريس لحاملة طائرات إلى المتوسط هامش المناورة لدى تركيا التي تتفوق عسكريا ولوجستيا على اليونان. وبعد الاندفاعة الفرنسية صوب أثينا، وجدت تركيا نفسها مجبرة على الحوار مع جيرانها ووقف استفزازاتها بعد أن اتخذت نهجا صداميا طوال أشهر تجاهلت خلالها التحذيرات الشفوية الأوروبية. وإلى جانب الدعم اللوجستي الأوروبي لأثينا وتلويح دول التكتل بفرض عقوبات اقتصادية أوسع نطاقا على أنقرة، فاقم دخول الولايات المتحدة على خط الأزمة عزلة تركيا الدبلوماسية. ويبدو الموقف الأميركي من الأزمة في المتوسط أقرب للموقف اليوناني القبرصي الأوروبي الذي يطالب بوقف عمليات التنقيب عن الغاز قبل الدخول في أي محادثات لتسوية الأزمة، وهو ما تترجمه تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. مولود جاويش أوغلو: الوضع الأمثل هو بدء المحادثات دون شروط مسبقة مولود جاويش أوغلو: الوضع الأمثل هو بدء المحادثات دون شروط مسبقة وقال بومبيو من نيقوسيا السبت “ما زلنا نشعر بقلق عميق من عمليات الاستكشاف التي تقوم بها تركيا في مناطق تؤكد اليونان وقبرص أنها تخضع لسلطتها في شرق المتوسط”. وأضاف “أنّ التوتر العسكري المتزايد لا يساعد أحداً سوى الخصوم الذين يرغبون في رؤية الانقسام في وحدة دول الحلف الأطلسي”، مؤكدا أن الشراكة الإقليمية “ضرورية للغاية لأمن الطاقة الدائم”. وتأتي تصريحات وزير الخارجية الأميركي عقب توقيعه اتفاقية دفاعية مع نيقوسيا بعد أن رفعت الولايات المتحدة الحظر الذي تفرضه منذ أكثر من ثلاثين عاما على بيع قبرص معدات عسكرية “غير قتالية”، ما أغضب أنقرة التي اعتبرت الخطوة تحيزا أميركيا لقبرص. واستشعرت أنقرة حزما أوروبيا يقطع مع سياسة التردد التي انتهجتها دول الاتحاد حيال التعامل مع الأطماع التركية في عدة ملفات على غرار الملفين الليبي والسوري، ما دفعها حسب مراقبين إلى خيار التهدئة الذي لم يكن مطروحا في وقت قريب. وحذر زعماء دول جنوب أوروبا الخميس من أنهم مستعدون لدعم عقوبات للاتحاد الأوروبي ضد تركيا إذا تهرّبت أنقرة من الحوار، حيث سيتم مناقشة هذا الموضوع مجددا في قمة الاتحاد الأوروبي يومي 24 و25 سبتمبر الجاري التي ستتخذ قراراتها بناء على جدية الاستجابة التركية لشروط التهدئة الأوروبية. ووصف المتحدث باسم الحكومة اليونانية، ستيليوس بيتساس، الأحد، مغادرة السفينة التركية من المنطقة بأنه “خطوة إيجابية”، فيما يطالب رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس بمزيد من الخطوات من تركيا لتسوية النزاع الإقليمي. وأضاف ميتسوتاكيس “المغزى أن يكون هناك استمرارية، ونظرا لأن هناك عدم تصعيد للوضع من جانب تركيا، فإن اليونان مستعدة دائما للجلوس للطاولة لإجراء محادثات استكشافية لبحث ترسيم حدود المناطق البحرية”. وتتداخل حدود الجرف القاري لكل من تركيا واليونان العضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتتشابك مطالبهما بالأحقية في موارد الطاقة المحتملة في شرق البحر المتوسط. وتصاعد التوتر الشهر الماضي بعدما أرسلت أنقرة السفينة أوروتش رئيس لتحديد آفاق التنقيب عن النفط والغاز في مياه تتنازع على السيادة فيها اليونان وقبرص وتركيا. وأصدرت البحرية التركية إخطارا هذا الشهر جاء فيه أن أوروتش رئيس ستواصل عملياتها في المنطقة حتى 12 سبتمبر، فيما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في وقت سابق إن السفينة ستواصل عملياتها الاستكشافية لفترة أطول لكن لم يصدر تمديد للإخطار حتى الأحد. استشعرت أنقرة حزما أوروبيا يقطع مع سياسة التردد التي انتهجتها دول الاتحاد حيال التعامل مع الأطماع التركية في عدة ملفات على غرار الملفين الليبي والسوري، ما دفعها حسب مراقبين إلى خيار التهدئة وأشارت تركيا مرارا إلى أنها منفتحة على حل المشاكل مع اليونان عبر الحوار لكنها رفضت علانية وضع أي شروط مسبقة قبل المفاوضات بما في ذلك وقف عمليات أوروتش رئيس. وقال جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحافي السبت “إذا كان هناك من يضعون شروطا مسبقة لتركيا، فإن لدينا أيضا شروطا مسبقة يتعين تنفيذها”. ولم يخض وزير الخارجية التركي في تفاصيل مكررا أن الوضع الأمثل هو بدء المحادثات دون شروط مسبقة. وأكد وزير الدفاع خلوصي أكار الأحد، خلال زيارة لمنطقة كاش في أنطاليا قرب جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، أن تركيا تؤيد الحوار والتوصل لحل سياسي. وأضاف في تصريحات للصحافيين “نفعل دوما ما تتطلبه علاقات حسن الجوار ونتوقع المثل من الطرف الآخر”. وتقول تركيا إن مطالبها بالسيادة على المنطقة الواقعة بشرق البحر المتوسط مشروعة. ولا يوجد اتفاق بينها وبين اليونان يحدد الجرف القاري لكل منهما، كما ترفض تركيا أي مطالب سيادية لقبرص التي لا تربطها بها علاقات دبلوماسية.
مشاركة :