لا تكاد دولة من الدول الكبرى تتخلف عن سباق الإعلام الموجه، الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وروسيا واليابان وألمانيا وفرنسا وغيرها الكثير تتمدد إعلامياً في مختلف المناطق التي تستهدفها استراتيجياً، وربما تكون التجربة الأقدم في المنطقة العربية هي التجربة البريطانية، حيث بدأ بث هيئة الإذاعة البريطانية باللغة العربية في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي. توالت التجارب الإعلامية الموجهة برتم خجول، إذ لم تشهد منطقتنا من ذلك الحين تجربة جادة حتى ولدت قناة الحرة الأميركية العام 2004 لبث الدعاية الدبلوماسية. لكنها شهدت تحديات كبيرة جعلت نجاحها محدوداً حتى هذه اللحظة، ومنذ ذلك الحين شهد الفضاء العربي منافسة من مختلف الدول للفوز بأكبر حصة من المتابعين، ولم يكن ذلك بدافع الأرباح بقدر ما كان تكريساً للقوة الناعمة وخدمة للمصالح السياسية والاقتصادية والأيديولوجية لتلك الدول في المجتمعات المستهدفة. ورغم دخول أساطين الإعلام للساحة لكن الروس هم من تفوقوا فيها حتى الآن. الروس سجلوا نجاحاً باهراً في فرض قوتهم الإعلامية عبر شبكة "روسيا اليوم" ولاحقاً وكالة "سبوتنيك" للأنباء التي تبث بثلاثين لغة حول العالم. السر وراء نجاح الروس في اختراق المجتمعات المستهدفة إعلامياً يكمن في معادلة بسيطة لكنها ليست سهلة؛ إذ تعتمد خلطة النجاح الروسية على استيعاب أولويات المجتمع المستهدف وهموم الشارع وقضاياه الرئيسة والتركيز عليها، بالإضافة إلى سرعة نقل المعلومة مع الحرص على دقتها. المتلقي بحاجة دائماً لمصدر يؤكد أو ينفي ما يسمعه من محيطه، وإذا وجد وسيلة إعلامية موثوقة فإنه يهرع إليها لتأكيد المعلومة، وكلما كان نقل الوسيلة سريعاً ودقيقاً للخبر أصبحت الوجهة الأولى التي يقصدها ويثق فيها. وليس كل ما تنقله الوسيلة الروسية هو نتاج سبق حصل عليه صحفيوها، لكنها تعرف ما يحتاجه الشارع وتسارع إلى توفيره عبر وكالات الأنباء والنقل عن الوسائل الأخرى، بالإضافة إلى شبكة مراسليها. إذاً فإن خلطة النجاح السابقة هي ما يجب أن تعمد إليه أي دولة في حال تأسيس أذرعها الإعلامية التي تستهدف شرائح المتلقين حول العالم، كما يجب ألا يتم إغفال الأهمية البالغة لأن يكون أغلب فريق العمل الصحفي من أبناء المنطقة المستهدفة، فهم يعرفون تماماً لغة التواصل المناسبة، والقضايا التي تهم الشارع والمصادر التي يُستقى منها الخبر.
مشاركة :