لندن (رويترز) - في العام 1973، أخذت الدول العربية الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول من الخطوات ما أدى إلى تركيع الاقتصاد الأمريكي. أما الآن، وبعد مرور 60 عاما على إنشاء المنظمة، فالأرجح أن تمتثل لتعليمات واشنطن. ومنذ فرضت السعودية والدول العربية الأخرى الأعضاء في أوبك حظر النفط الشهير ردا على الدعم الأمريكي لإسرائيل خلال حرب أكتوبر تشرين الأول، أدت التحولات في السياسة العالمية وزيادة الإنتاج النفطي الأمريكي إلى ترويض المنظمة. ويقول مسؤولون حاليون وسابقون في أوبك إن الدولتين الأكثر تشددا من بين أعضاء أوبك، إيران وفنزويلا، حيدتهما العقوبات الأمريكية في حين برهنت السعودية أكبر الأعضاء على أنها تفضل استرضاء اشنطن على المجازفة بفقدان الدعم الأمريكي. ويضيف المسؤولون أنه في حين قاومت أوبك كتكتل الضغط الأمريكي لخفض أسعار النفط على مدار عشرات السنين، لاسيما في 2011 خلال الانتفاضة على حكم الزعيم الليبي معمر القذافي، فإن سجلها في السنوات الثلاث الأخيرة اتسم إلى حد كبير بالاستسلام. تأسست المنظمة في بغداد في 14 سبتمبر أيلول 1960 للتصدي لنفوذ سبع شركات نفطية أمريكية وبريطانية. ومنذ تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السلطة في مطلع 2017، أذعنت أوبك أكثر من مرة لضغوط من واشنطن لزيادة ضخ النفط. وقد دأب ترامب على الدعوة لخفض أسعار البنزين بما يفيد المستهلكين الأمريكيين. وقالت المصادر لرويترز إنه عندما انخفضت هذا العام أسعار النفط بشدة دون المستوى الذي تحتاج إليه شركات النفط الأمريكية لتحقيق أرباح، توصلت أوبك إلى صفقة لرفعها قليلا من خلال اتفاق كان الحافز وراءه تهديد واشنطن بتقليل دعمها العسكري للرياض. وقال شكيب خليل الذي شغل منصب وزير النفط الجزائري على مدى عشر سنوات وكان رئيسا لأوبك في 2001 و2008 لرويترز “ترامب يطلب من السعودية ما يحتاجه لسعر النفط ويحصل على مراده. فعلا أوبك تغيرت”. وامتنعت وزارة الطاقة السعودية كما امتنع البيت الأبيض عن التعليق. وحاورت رويترز ثمانية من المسؤولين الحاليين والسابقين في أوبك يمثلون دولا تضخ ثُلث إنتاج المنظمة، كما حاورت محللين ومتعاملين ومستثمرين لمعرفة مدى تأثير العقوبات الأمريكية السارية على إيران وفنزويلا على نفوذ السعودية داخل أوبك وما إذا كان ذلك قد غير العلاقة مع واشنطن. وامتنع مسؤول في الأمانة العامة للمنظمة بفيينا عن التعليق قائلا إن على رويترز أن توجه السؤال للدول الأعضاء. ولم يرد مسؤولون نفطيون وحكوميون في إيران وفنزويلا حتى الآن على طلبات للتعليق. ارتفاع شديد في الإنتاج الأمريكي تتصدر السعودية منتجي النفط في أوبك منذ عشرات السنين، مما يمنحها أكبر نفوذ في توجيه سياسة أوبك، غير أن تحييد إيران وفنزويلا ساهم أيضا في تعظيم نفوذها. فقد انخفض نصيب إيران من إنتاج أوبك إلى النصف تقريبا ليبلغ 7.5 بالمئة منذ 2010 في حين انهار نصيب الإنتاج الفنزويلي إلى 2.3 بالمئة من نحو عشرة بالمئة، وفقا لحسابات أجرتها رويترز من واقع بيانات أوبك نفسها. أما نصيب السعودية فقد ارتفع سبع نقاط مئوية إلى 35 بالمئة. دأبت إيران وفنزويلا، اللتان شاركتا في تأسيس أوبك مع العراق والكويت والسعودية، على معارضة أي تحركات لخفض أسعار النفط في مواجهة الضغوط الأمريكية. وتزامن تزايد النفوذ السعودي داخل المنظمة مع ارتفاع الإنتاج الأمريكي من النفط والغاز، وهو ما جعل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم وخفض اعتمادها بشدة على استيراد الوقود من الخارج. وزاد الإنتاج الأمريكي لأكثر من مثليه خلال عشر سنوات ليتجاوز 12 مليون برميل يوميا في 2019، وفقا لإدارة معلومات الطاقة، إذ سهل تحسن تكنولوجيا الحفر الاستفادة من أحواض كان من الصعب استخراج النفط منها. وتظهر أرقام أوبك أن نصيب الولايات المتحدة من سوق النفط العالمية تضاعف منذ العام 2010 في الوقت الذي انخفض فيه نصيب أوبك. وتعاونت أوبك مع روسيا وتسع دول أخرى منتجة للنفط في 2016 لتكوين تكتل عُرف باسم أوبك+ لتعزيز النفوذ غير أن مسؤولا كبيرا بإدارة ترامب قال إنه حتى هذا التكتل وهن نفوذه مع ارتفاع الإنتاج الأمريكي بقوة. “أوبك تلعب لعبتها من جديد” تواصل ترامب مع أوبك بهمة ونشاط أكبر من أي ممن سبقوه في الرئاسة الأمريكية، وكثيرا ما لجأ إلى التغريد على تويتر تعليقا على قرارات الإنتاج وتحركات أسعار النفط. ووطد ترامب علاقته بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة الذي يعتمد على الولايات المتحدة في الحصول على السلاح والحماية في مواجهة خصوم بلاده في المنطقة مثل إيران. وقال جاري روس مؤسس شركة بلاك جولد إنفستورز وهو من الخبراء في شؤون أوبك “لم تكن هناك أي إدارة أمريكية أكثر انخراطا في السياسة النفطية الدولية وأوبك من رئاسة ترامب”. وفي 2018، أطلق ترامب وابلا من التغريدات على أوبك في وقت ارتفعت فيه أسعار النفط لأكثر من 70 دولارا للبرميل وهو مستوى اعتبرته واشنطن أعلى كثيرا مما يجب على المستهلكين الأمريكيين. ونشر ترامب تغريدة في 13 يونيو حزيران 2018 قبل تسعة أيام من اجتماع لمنظمة أوبك قال فيها “أسعار النفط مرتفعة للغاية. أوبك تلعب لعبتها من جديد. ليس أمرا طيبا”. وعندما اجتمعت وفود أوبك في النمسا في 22 يونيو حزيران كتب ترامب يقول “أرجو أن تزيد أوبك الإنتاج زيادة كبيرة. نحتاج لإبقاء الأسعار منخفضة”. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم اتفقت أوبك على زيادة الإنتاج مليون برميل يوميا. وقال مسؤولان في أوبك، طلبا عدم الكشف عن هويتهما بسبب حساسية الأمر، إن تدخل ترامب فيما يتعلق بأسعار النفط يدفع المنظمة فعليا لبحث سياستها الإنتاجية بل وتعديلها. وأصبحت تغريدات ترامب مصدرا للقلق. وقال مسؤول كبير في أوبك لرويترز في التاسع من أبريل نيسان 2019 بعد بلوغ أسعار النفط 71 دولارا للبرميل لتسجل أعلى مستوى لها منذ خمسة أشهر في ذلك الوقت “أرجو ألا يعقب ذلك تغريدة”. يقول مراقبو سوق النفط بمن فيهم مسؤولو أوبك إن المفارقة هي أن ارتفاع السعر في 2018 و2019 يرجع في الأساس إلى عقوبات واشنطن على إيران وفنزويلا والتي أدت إلى خفض الإنتاج النفطي اليومي بنحو ثلاثة ملايين برميل. رائع للصناعة في وقت سابق من العام الجاري، أراد ترامب شيئا جديدا من أوبك فطلب خفض الإنتاج لمساعدة شركات النفط الأمريكية على تحقيق أرباح. كانت أسعار النفط قد انخفضت بسبب وفرة المعروض التي نتجت عن حرب أسعار بين السعودية وروسيا وفي الوقت نفسه انهيار الطلب بسبب قرارات وقف الأنشطة في مختلف أنحاء العالم لاحتواء فيروس كورونا. وفي الثاني من أبريل نيسان، نشر ترامب تغريدة قال فيها “تحدثت للتو مع صديقي محمد بن سلمان (ولي عهد) السعودية الذي خاطب الرئيس الروسي بوتين وأنا أتوقع وآمل أن يخفضا الإنتاج نحو عشرة ملايين برميل وربما أكثر من ذلك بكثير وهو ما سيكون أمرا رائعا، إذا حدث، لصناعة النفط والغاز”. وفي 12 أبريل نيسان اتفقت مجموعة أوبك+ على خفض قياسي في الإنتاج يعادل عُشر الإنتاج العالمي. ونشرت رويترز تقريرا في 30 أبريل نيسان جاء فيه أن ترامب وجه إنذارا للأمير محمد، فإما خفض الإنتاج أو المجازفة بسحب القوات الأمريكية من المملكة. وسُئل ترامب عن هذا الإنذار في ذلك الوقت فقال “لم أكن مضطرا لطلب ذلك منه”. وأضاف أنه كلم الأمير محمد هاتفيا واستطاع الاثنان التوصل إلى اتفاق على التخفيضات الإنتاجية. ولم يرد المكتب الإعلامي الحكومي في السعودية على طلب للتعليق على تقرير رويترز في أبريل نيسان. وقال شكيب خليل “بالاختصار، لم تعد أوبك تأخذ قرارات فيما يتعلق بما هو أفضل لأعضائها من الناحية الاقتصادية مثلما هو مفترض وفقا للائحتها”. “هدية لترامب” في 2011، عندما انخفض الإنتاج الليبي بفعل الانتفاضة على حكم القذافي، حاولت السعودية إقناع أوبك بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار. غير أن الجزائر وأنجولا والإكوادور وإيران والعراق وليبيا وفنزويلا عارضت ذلك. وقال صامويل سيزوك، مؤسس شركة إي.إل.إس أناليسيس الاستشارية وكان يعمل من قبل بوكالة الطاقة السويدية، “في السابق كان لديك تكتل يمكن أن يصبح له صوت عال ويقلب الاجتماعات رأسا على عقب”. وأضاف “والآن، مازال لإيران وفنزويلا صوت لكن تم تحييدهما كما أنهما في وضع اقتصادي وتسويقي بائس لدرجة أن الدول الأخرى تحرص على عدم الانحياز سياسيا لهما”. وقال حسين كاظمبور أردبيلي مندوب إيران السابق في أوبك لرويترز في 2018 عندما رفعت مجموعة أوبك+ الإنتاج في أعقاب ضغوط من ترامب إن المنظمة والمجموعة الأوسع بدأتا التصرف بما يخالف مصالح الدول الأصغر الأعضاء فيهما. وأضاف “قدموا هدية في سعر النفط لترامب في حين أنزلوا بكل أعضاء أوبك خسائر في الإيرادات”. وفي حين أنه لا يوجد ما يشير إلى أن أوبك على وشك أن تشهد نزوحا من جانب الأعضاء الأصغر نتيجة لهذا التحول فقد انسحبت بعض الدول ودخل المنظمة أعضاء جدد. فقد انسحبت قطر في 2019 لأسباب منها خلاف سياسي مع الرياض. وانسحبت الإكوادور وهي منتج آخر صغير في العام الجاري. وكانت إندونيسيا قد انسحبت في 2016. وقالت الدولتان إنهما لا تريدان التقيد بحصص الإنتاج التي تفرضها أوبك. غير أن دولا أخرى ربما لا تكون راضية عن مسار المنظمة تعتزم البقاء حتى يكون لها صوت مسموع. وقال مصدر مطلع على سياسة النفط الإيرانية “من المهم أن تكون عضوا في أوبك أو أوبك+ حتى يمكنك تعظيم مصالحك”.
مشاركة :