في الثامن من سبتمبر يحتفل العالم باليوم العالمي لمحو الأمية،وتتفاخر المجتمعات بانعدام الأمية فيها وبعضها حققت نسبا متقدمة في هذا المجال، ونحن في البحرين من الدول الأدنى عالمياً في وجود الأمية المعرفية، وهذا بفضل جهود وزارة التربية والتعليم وبفضل وعي المواطن البحرين وحبه وشغفه بالقراءة والاطلاع ومحاربة الأمية.اليوم الجهود منصبة على محو الأمية الرقمية «الإلكترونية»، وهو مشروع وطني عظيم يجب أن يتم تبنيه وأن يُولى أهمية بالغة في عالم أصبح يدار رقميا، وخاصة في ظل التوجه نحو تحويل كل الأعمال الرسمية والخاصة إلى تطبيقات إلكترونية ميسرة.مفهوم الأمية أصبح أكثر شمولية وأعم من مجرد الحصول على كفاية القراءة والكتابة والحساب، بل يشمل تقنيات المعلومات والأجهزة الإلكترونية التي أصبحت من صميم حياتنا مع توسع انتشار الحوكمة الإلكترونية والتعاملات الرقمية عن بُعد. إحدى الدراسات بينت أن ثمانية من أصل عشر وظائف متوسطة المستوى في وقتنا الراهن تتطلب مستوى أساسيا من المعرفة الرقمية في العمل.الإنسان الأمي هو الشخص الذي لا يجيد استخدام الفضاء الرقمي بقنواته المختلفة ويجهل استخدام أو الاستفادة من الكم الهائل من المعلومات الموجودة على الشبكة العنكبوتية، فالثقافة الرقمية أضحت ذات أهمية عالمية وهي أحد التحديات التي تواجه الحكومات وهي في نفس الوقت أحد المعوقات للتحول الرقمي في كثير من مجتمعات العالم الثالث، فكما تسعى الحكومة جاهدة إلى التحول إلى الحكومة الإلكترونية الرقمية، فلا بد أن تكون البنية المعرفية للمواطن قادرة على التكيف والتعامل مع هذا التحول التكنولوجي، وهذا يقودنا إلى ما يسمى «تعزيز المواطنة الرقمية» أي العيش ضمن الحياة الرقمية بخصائصها المتعددة في استخدام التقنية في أي مكان وفي أي زمان كان، وتوفير مستوى عال من التفاعل والإنجاز، وكذلك اختصار الجهد والوقت والتكاليف.ثلاثة نماذج بحرينية متميز في محو الأمية الرقمية أولها ما تقوم به وزارة التربية والتعليم من جهود حثيثة ومتميزة في محو الأمية بمفهومها العام والواسع سواء من خلال التعليم النظامي للطلبة وإلزامية التعليم حتى سن الرابعة عشرة ولكبار السن من خلال مراكز التعليم المسائي المنتشرة في مختلف المحافظات، وكذلك من خلال ما تقدمه إدارة التعليم المستمر من برامج تدريبية وورش عمل، كما وفرت كل السبل والإمكانات لتقديم تعليم مجاني ميسر، وقد حققت البحرين بفضل هذه الجهود المباركة مستوى متقدما في هذا المجال، حيث تدنت نسبة الأمية في البحرين إلى أقل من 2% فقط، وهذه النسبة تؤسس قاعدة صلبة وعاملا قويا لمحو الأمية الرقمية.المبادرة الثانية لمحو الأمية الرقمية في المجتمع البحرين تبنتها هيئة البحرين والحكومة الإلكترونية، حيث وفرت لكل مواطن بحريني إمكانية الالتحاق بدورات مجانية في أساسيات الحاسب الآلي، وذلك بالتعاقد مع معاهد تدريبية متخصصة في مختلف مناطق البحرين، هذه المبادرة مكنت كثير من المواطنين وخاصة كبار السن أو ممن تعذر التحاقهم بالدراسة النظامية لمعرفة أساسيات الحاسب الآلي وكيفية استخدام تطبيقاته المختلفة وكيفية الدخول على الشبكة العنكبوتية.النموذج الثالث هو اجتهادات ومبادرات شخصية من قبل المواطنين، فبطبيعته المواطن البحرين محب للاطلاع والتعلم ولا يقبل على نفسه العيش في جهل مما يدور حوله من ثورة رقمية غدت أحد أهم مقومات الحياة العصرية، البعض على الرغم من كبر سنهم، فإنهم لم يقبلوا على أنفسهم أن يعيشوا أميين في زمن التكنولوجيا والحياة الرقمية، ولعلي استشهد بالعامل علي القشار المواطن البحريني المتقاعد البالغ من العمر ما يقرب من 78 عاما، الذي وجد من حوله يتواصلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من معرفته السطحية بهذه الأمور، فإنه لم يقبل على نفسه أن يعش بجهل عن هذه التكنولوجيا الحديثة فأحضر إلى منزله معلما ليعلمه ويدربه على كيفية استخدام الحاسب وتطبيقاته وكيفية الدخول على وسائل التواصل الاجتماعي وتصفح الشبكة العنكبوتية وكيفية إنجاز أعماله الخاصة عبر الخدمات الإلكترونية التي تُقدمها الحكومة الإلكترونية ومؤسسات الدولة والقطاع الخاص وأبى إلا أن يُثقف نفسه ليواكب متطلبات العصر الراهن. وقس على ذلك العديد من أفراد المجتمع البحريني الواعي.أملنا أن نتقدم اليوم خطوة إلى الأمام ولنسهم جميعاً في محو الأمية الرقمية في مملكتنا الحبيبة، سواء بمبادرات رسمية أو مجتمعية أو فردية، ولعلي في هذا السياق أثني على مبادرة جمعية معاهد التدريب التي أطلقت حملة لمحو الأمية الرقمية في المجتمع البحريني، ونحن وإن كنا متقدمين في هذا المجال إلا أننا نطمح أن يكون لدى كل مواطن قدر عال من الثقافة الرقمية.
مشاركة :