تتواصل طقوس الإشارات المُنذرة بالتحوّلات لدى الحاكمين بأمرهم، مِمّن كانوا يصولون ويجولون ويتمسّكون بما يريدون فرضه لدى تشكيل أي حكومة. وكأنّ مصيرهم على المحكّ، "فإما يكونوا أو لا يكونوا". وإمّا يسمون وزراء طوائفهم ويسيطرون على حقائب بعينها، أو ينقرضون.. وبالطبع هيهات منهم الذلّة. لذا يخوضون غمار المواجهة بكل ما أوتوا من أعتدة من عنديّاتهم ومن تلقائهم.. ويا قاتِل.. يا مقتول. والأهمّ، أنّهم مهما أعلنوا من تعفّف عن المشاركة وتلويح بعدم المباركة، الّا أنّهم يواصلون كِفاحاً مُسلّحاً بالأدبيات الإنقلابية، مع تسجيل فروق في الأداء.. أبرزها غياب الدم البارد الذي لطالما صبغ قدرتهم على تعطيل أي تشكيلة للحكومات المتعاقبة، منذ خلف "حزب الله" الوصاية السورية في إدارة الشؤون اللبنانية. فالحاكمون بأمرهم، يفور دمهم كلّما حاولوا أخذ "حقوقهم" كما تعوّدوا، ليصطدموا بصمت رافض لإملاءاتهم من الرئيس المكلّف ومن يدعمه. فهم خائفون من إلغاء دورهم من خلال التمسّك بالدستور وتطبيقه في عملية التأليف. ولعلّ المسألة لا تقتصر على التوزير والحقائب السيادية والدسمة، وإنما تتجاوزها الى ما بعد تشكيل أديب حكومته، اذا ما أخذنا في الاعتبار خريطة الطريق الفرنسية ومُستتبعاتها. وكأنّ ما يُقلق الحاكمين بأمرهم، ليس الحكومة العتيدة التي تشكّل الباكورة ونقطة الإنطلاق للمرحلة المقبلة، وإنّما ما تُنذر به من تغيير تدريجي وواعد بقصّ أظافر المنظومة السياسية الحالية، بإنتظار بلورة المشاريع الإقليمية المرتقبة، إن لجهة ضبط الحدود البرّية والبحرية والجوّية ومواجهة التهريب، والتحقيق في دهاليز الهدر والسرقة المُعشّشة في الإدارات والمؤسسات.. وكشف أين طارت أموال اللبنانيين.. والخ الخ الخ من عناوين تقطع أرزاقهم وتُعطّل التزامهم بالأجندة. لذا، خلع الحاكمون بأمرهم عن كاهلهم الشعارات الطنانة والفارغة من محتواها. فالطوباوية في الإصرار على الدولة المدنية ومكافحة الفساد لم تعد تنفع مع حماوة لعبة شدّ الحبال التي تكاد تتقطّع. وكان لا بدّ من العودة السريعة الى تحويل الطائفة أكياس رمل للتمترس خلفها، وقنابل موقوتة مُعدّة للتفجير للتهديد بها. وكان لا بدّ من الإصرار على المطالب والحصص تحت شعار المشاركة والتشاور لحماية السلم الأهلي والّا.. مجالس عزاء للميثاقية المُنكّل بها.. مع رفض لمؤامرة عزل مكوّن طائفي، ما يفتح الباب أمام توتّرات داخلية تجعلنا نترحّم على ما شهدته منطقة خلدة قبل فترة. ولا عجب إن احتاج الرئيس المكلّف الى دورة في التوافق والتشاور، ليستوعب أنّ إصرار الحاكمين بأمرهم على فرض من يريدون وما يريدون ليس إكراهاً أو إرغاماً، وإنما تدوير زوايا، ينال اذا ما أتقنها جوائز ترضية. وبإنتظار تصاعد الدخان الأبيض مُعلناً خروج تشكيلة حكومة مصطفى أديب الى النور، يبقى السؤال الأهمّ عن مدى صحّة بداية تقلّص نفوذ الحاكمين بأمرهم. فإذا اقتصرت همروجة مشاورات ربع الساعة الأخير في عملية التأليف على إنقاذ ماء الوجه، وتجميل عملية الإخراج، تكون الشروط الدولية المتشدّدة قد فعلت فعلها. ويكون الإنصياع أمراً واقعاً، على أمل الإلتفاف عليه مع انتهاء مفاعيل عاصفة العقوبات القادمة من بلاد العمّ سام. * نقلا عن "نداء الوطن"
مشاركة :