العوامل الذاتية للتطرف والطائفية | مقالات

  • 7/30/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

نحن في الألفية الميلادية الثالثة، وعمر كوكبنا خمسة مليارات سنة، وتعداد السكان 7 مليارات، وعدد الديانات 4 آلاف ديانة، لكن لايزال الكثير منا يعيش أحداث ما قبل 1400 عام وكأنها حاضرة، بالتفكير والسلوك، وما زلنا نرى ممارسات بدائية غير حضارية كالعبودية والسبي والقتل، من قبل ثلة تعتقد أنها الوحيدة على طريق الحق والصواب، وكل ما عداها خاطئ وباطل. فما العوامل الذاتية لانتشار ظاهرة التطرف والطائفية عند «الدواعش» و«الملالي»؟ العوامل كثيرة ومتداخلة، وهي الأكثر تأثيراً من العوامل الخارجية، لأن العدو يدرس الواقع واحتمالات نجاح خططه ومؤامرته، ولا يُقدم على أي شيء إلا إذا كانت العوامل الداخلية مهيأة له ولخططه. ومن العوامل الرئيسية: الظلم والاستبداد، والفقر والجهل وتفشي الفساد، وعوامل ثانوية: كتشجيع الخطاب الديني الخاطئ، والخطاب الإعلامي الممنهج، وفتح الأبواق للفتاوى الدينية، والتطبيق الخاطئ والشكلي للدين، ومحاربة الثقافة والفن، واستفحال الفساد المالي والأخلاقي، والبطالة، والفراغ، مما يسبب الإحباط لدى الشباب، وهروبهم نحو المخدرات أو التطرف. ويمتد ضخ السموم في البيت والحي والمدرسة والجامعة والمسجد والمأتم والمجتمع كله، وكل هذه الأسباب تولد لدى الفئة المضطهدة شعوراً بالانتقام من أي شيء مختلف عنهم إيديولوجياً وعقائدياً وسلوكياً. التعليم النظامي أيضا من أهم الأسباب، لذا ضرورة تغيير النظام التعليمي من جذوره لكي يتناسب مع المستقبل، وإلا سنبقى كما نحن مكانك قف، وكل الدول النامية أول ما بدأت مشروع النهضة في أوطانها بدأته من التعليم، وأكبر مثال ماليزيا. لكن من المُسبب الأول للعوامل الرئيسة والثانوية؟ فعندما يشعر الإنسان إنه مظلوم ولا يمكن أن يأخذ حقه، لا القانون ولا الدولة تعطيه حقه، لذا يلجأ إلى طائفته ليستقوي بها، فتنتعش الطائفية وتزدهر. هل الجهل هو السبب الرئيس للتطرف؟، لأنه البيئة الحاضنة له، لكن أليس الجهل هو صنيعة الاستبداد والظلم والقمع؟ الاستبداد يستفز الإنسان ليثور عليه ويغيره، أما الجهل فإنه يجرد الإنسان من عقله وإنسانيته ليصبح آلة تحركها أيادي الآخرين، فيُقدم على أفعال ضد مصلحته دون أن يشعر، ظناً منه أن ما يقوم به هو عين الصواب. هل النظام المستبد هو من يخلق البيئة المناسبة للجهل؟ أغلب الأنظمة الاستبدادية فتحت المدارس والجامعات، وشجعت العلم، لكن باستبدادها خلقت النقيض دون أن تشعر، وخلقت البيئة الحاضنة للتطرف الذي نعيشه الآن. لكن أليس الكم يخلق الكيف؟، أليست المدارس والجامعات هي من يولّد النوع الثقافي أم العكس؟، هل تولّد المدارس والجامعات الفكر المنغلق والمظلم؟ ليس من الضرورة أن تخلق المدارس والجامعات الوعي والثقافة، لكن حتماً الكم يولد الكيف، فلولا المدارس والجامعات لما وجدت الفئة المثقفة والواعية، على الرغم من أن التعليم المدرسي يُخرّج في الأغلب عقولاً تلقينية تعتمد على الحفظ والاسترجاع، في حين أن بعض الجامعات والمعاهد العربية تعمل على تخريج العقول الجامدة والمنغلقة، وتزيد من التطرف والجهل. والجهل لا يعني غياب المدارس والجامعات، بل غياب التنوير العقلي، العقل الواعي الذي يقبل الآخر ويؤمن بالحرية المسؤولة، والعدالة الاجتماعية، وبناء الوطن لا هدمه، العقل الذي يمكّن الإنسان من حل مشاكله بنفسه والرقي بمجتمعه ووطنه، ليحقق الدين هدفه الذي وجد من أجله، ألا وهو إسعاد البشرية، لا تعاستها في الذبح والسبي والتهجير، العقل الذي يدفع الإنسان إلى تطبيق القيم الإنسانية النبيلة التي أكدتها جميع الأديان. والجهل له علاقة بهيمنة التفكير الغيبي، وإقحام المعجزات في السياسة قسرا، فالملائكة حاربت مع «حزب الله»، وليلة القدر نزلت يوم الاتفاق النووي، وأمير الجماعة يرى النبي كل ليلة!! من يصنع ثقافة التنوير وينشرها في المجتمع؟، من المسؤول الأول عن ذلك؟، وهل الأنظمة القومية العسكرية (الجمهوريات العربية) أكثر خطراً من الأنظمة القبلية الوراثية؟ لذلك عقد المتآمرون عزمهم على تفكيكها وتقسيمها؟ هل الأفراد والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني التي تحمل فكراً تنويرياً هي القادرة على إحداث التغيير؟... لكنها غائبة أو مُغيبة عن المشهد العام، فما السبب؟ من غيّبها ومن قمعها؟ إن السبب الأول للتطرف هو الاستبداد، وغياب المساواة والعدالة الاجتماعية، وتشجيع الفكر الاستبدادي والظلامي معاً، وكما قال العلامة الكواكبي: «الاستبداد أصل الفساد وأصل جميع الآفات». aalsaalaam@gmail.com

مشاركة :