رام الله - يواجه الفلسطينيون وضعا غير مسبوق مع انطلاق قاطرة التطبيع بين دول الخليج العربي وإسرائيل بتوقيع كل من الإمارات والبحرين لاتفاقيتي سلام الثلاثاء مع تل أبيب برعاية الولايات المتحدة. ويقول محللون إنّ الفلسطينيين متشبثون بقواعد اللعبة القديمة في الشرق الأوسط الذي يشهد تحولات سريعة وعاصفة قد تجرفهم معها، في حال لم يسارعوا إلى تغيير استراتيجيتهم التي أثبتت على مدار العقود الماضية عقمها. ولسنوات اعتمد النهج الفلسطيني للتحرر من نير الاحتلال الإسرائيلي على موقف عربي قديم يدعو إلى الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة وقبول إسرائيل بدولة فلسطينية، مقابل علاقات طبيعية مع الدول العربية. لكن الفلسطينيين فشلوا الأسبوع الماضي في إقناع جامعة الدول العربية بالتنديد بخروج دول عن الإجماع العربي، لا لشيء إلا لأن معظم الدول العربية على قناعة بأن إسرائيل واقع لا يمكن تجاوزه، فضلا عن كون عدد لا بأس به من تلك الدول تربطها علاقات سرية بإسرائيل. ويقول محللون إن الفلسطينيين أنفسهم ساهموا في هذه التحولات فهم أول من غفل حقيقة عن قضيتهم وانخرطوا في معارك على سلطة وهمية (حركتي فتح وحماس)، فضلا عما يتداول من حديث عن فساد ينخر المؤسسات الفلسطينية، كل ذلك جعل دولا عربية لا تجد حرجا في السير في خيار التطبيع إذا كان سيخدم مصالحها العليا. وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية يوم الإثنين إن حفل التوقيع الذي استضافه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء سيكون “يوما أسود في تاريخ الأمة العربية”. وأضاف اشتية أن الفلسطينيين يبحثون الآن ما إذا كان ينبغي “تصويب علاقة فلسطين مع الجامعة العربية”. لكنّ منتقدين يقولون إن الخطوة المقترحة ليس لها وزن يذكر ومتأخرة للغاية في ظل ما يواجهه الرئيس محمود عباس من انتقادات متزايدة لموقف الفلسطينيين المنعزل على نحو متزايد. وقال طارق باقوني المحلل في مجموعة الأزمات الدولية لرويترز “لا توجد مؤشرات تذكر على أن القيادة (الفلسطينية) تفكر في الخروج عن نهجها”. وأضاف أن الاستراتيجية الفلسطينية تركز على محاسبة إسرائيل في المحاكم الدولية ومحاولة كسر هيمنة الولايات المتحدة على عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. طلال عوكل: يجب علينا إعادة بناء كافة مؤسسات منظمة التحرير بشكل كامل طلال عوكل: يجب علينا إعادة بناء كافة مؤسسات منظمة التحرير بشكل كامل ومضى يقول “الدعم العربي والأوروبي في هذه الاستراتيجية أمر بالغ الأهمية، لكن من المشكوك فيه أن يتمكن الفلسطينيون من الحصول على مستوى الدعم المطلوب من أي من الجانبين لضمان سلام عادل”. وعلى الرغم من بوادر تحول الدعم العربي، قال صائب عريقات الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية إن الاستراتيجية الفلسطينية الأساسية لإقامة دولة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة لن تتغير. وأضاف “لكي نبقى مستندين إلى أسس القانون الدولي والشرعية الدولية ونسعي لتحقيق السلام على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحل الدولتين.. لا يمكننا الخروج من هذا النهج”. وبينما يعترف المحللون بالصعوبات التي تواجهها القيادة الفلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي، فإنهم يقولون إن لدى عباس بعض الخيارات. فبعد سنوات من الاقتتال الداخلي بين الفصيلين الفلسطينيين الرئيسيين، حركة فتح التي يتزعمها عباس وحركة حماس، قال محللون إن الانتخابات التي كانت مقررة منذ فترة طويلة ستجدد تفويض للرئيس والبرلمان وتعزز نفوذهما في الخارج من خلال زيادة شرعيتهما في الداخل. وقال المحلل في قطاع غزة طلال عوكل “يجب علينا إعادة بناء كافة مؤسسات منظمة التحرير بشكل كامل وتعزيز العلاقة ما بين الفلسطينيين هنا وفِي الشتات”. وأضاف “باستطاعتهم أن يؤثروا في المجتمعات التي يعيشون فيها وأن يمارسوا الضغط ولربما بذلك يستطيعون أن يضعوا القضية الفلسطينية على أجندة حكومات تلك الدول”. من الأمور التي يحظى فيها عباس بتأييد شعبي واسع- بلغ 70 في المئة في استطلاعات الرأي الأخيرة- مقاطعته منذ عامين لإدارة ترامب التي يتهمها بالتحيز للإسرائيليين بسبب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل وتأييدها للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وإحباطا من رفض الفلسطينيين المشاركة في المحادثات التي يقودها ترامب، سعى البيت الأبيض إلى تجاوز عباس وفريقه، آملا على ما يبدو في أن يروا الاتفاقين مع الإمارات والبحرين حافزا للعودة إلى المفاوضات. ويحاول جاريد كوشنر، صهر ترامب، منذ أكثر من عامين تجاهل عباس لدى توجيه نداء مباشرا للفلسطينيين، إذ قال لصحيفة القدس عام 2018 “لقد تحرك العالم إلى الأمام بينما تُركتم وشأنكم. لا تسمحوا لصراع أجدادكم أن يحدد مستقبل أبنائكم”. ولم يحقق ذلك نجاحا واضحا يذكر. وتواصلت القيادة الفلسطينية في البداية مع إدارة ترامب. وقال عريقات إن ذلك استمر إلى أن خلصت القيادة إلى أن “هؤلاء الناس (الأميركيين) يريدون إملاء حل وليس التفاوض على حل.. إنهم من يبتعد عن القانون الدولي”. ووجه دينيس روس، الذي عمل مستشارا للشرق الأوسط في ظل إدارات جمهورية وديمقراطية، تحذيرا للجانبين. وقال إن الاتفاقات الخليجية أشارت إلى أن الفلسطينيين “ليس لديهم حق النقض على التطبيع مع تحول آليات العمل الإقليمية”، لكن الإسرائيليين “لا يسعهم تمني رحيل الفلسطينيين- ومقاومة التغيير تعني أيضا زيادة خطر قيام دولة واحدة لشعبين”.
مشاركة :