وسط جائحة كوفيد-19 وتداعياتها، اتخذت الصين والاتحاد الأوروبي نهجا استباقيا وعمليا لتعزيز تعاونهما في اجتماع جمع قادة الصين وألمانيا والاتحاد الأوروبي يوم الاثنين لبحث الأولويات المستقبلية للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي. وقوبل الاجتماع الذي جمع الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم الاثنين مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين برود فعل إيجابية عربيا. واتفق خبراء عرب من أوساط عدة على أن الاجتماع الذي جاء وسط ظروف صعبة بسبب جائحة فيروس كورونا الجديد وأضرارها الكبيرة للاقتصاد العالمي سيكون له مردود إيجابي على العالم أجمع وليس الطرفين فحسب. وقال معين رجب، الخبير الاقتصادي الفلسطيني، إن الاجتماع يأتي من مبدأ الاحساس بالمسؤولية والتعاون المشترك وليس من مبدأ القوة والهيمنة، مضيفا أن الصين تتطلع باتجاه دول العالم منطلقة من هذا المبدأ ولديها خططها لخدمة شعوب العالم مثل مبادرة الحزام والطريق. وأضاف "الصين دولة كبرى اقتصاديا وسياسيا وتتميز بسياسة حكيمة ومتزنة داخليا وخارجيا وتسعى الى تصويب البوصلة لدى المجتمع الدولي بعد تخلي الولايات المتحدة عنه، ولذلك اختارت دول كبرى ترى فيها العقلانية رغبة في تصحيح الوضع القائم". وأشار رجب إلى أن الأضرار الجسيمة، التي لحقت بالاقتصادات جراء الفيروس، تستدعي تعاون الجميع حتى يسترد العالم عافيته، وخاصة الدول الكبرى لأن لديها الإمكانيات، موضحا أن العلاقة بين الصين والاتحاد الأوروبي متقدمة وتعزيزها لن يصب في صالح الجانبين فقط. وأعلن قادة الصين وألمانيا والاتحاد الأوروبي عن التوقيع الرسمي على اتفاقية المؤشرات الجغرافية بين الصين والاتحاد الأوروبي، وأكدوا التزامهم بتسريع مفاوضات معاهدة الاستثمار الثنائية بين الجانبين لتحقيق هدف اختتام المفاوضات خلال هذا العام. كما قرروا إقامة حوار بيئي ومناخي رفيع المستوى بين الصين والاتحاد الأوروبي، وحوار رفيع المستوى بشأن التعاون الرقمي بين الصين والاتحاد الأوروبي، وإقامة شراكات خضراء ورقمية بين الجانبين. وتوقع المحلل السياسي العراقي صباح الشيخ أن تسهم نتائج الاجتماع بين قادة الصين وألمانيا والاتحاد الأوروبي في تعزيز العلاقات ونشر قيم السلام في جميع أنحاء العالم. وقال "لا يختلف اثنان على تقدم الصين ودول الاتحاد الأوروبي في مجال التكنولوجيا فكلاهما يسابق الزمن لتحقيق اختراقات جديدة في هذا المجال، وبالتالي التعاون بينهما وإقامة شراكة رقمية سوف يقود إلى مزيد من التطورات التي تخدم العالم بأسره وليس الصين والاتحاد الأوروبي فقط". وأضاف أن تسريع مفاوضات معاهدة الاستثمار بين الجانبين الصيني والأوروبي سينعكس بصورة ايجابية على اقتصادهما وبالتالي الاقتصاد العالمي من خلال توفير المزيد من فرص العمل. وأكد الشيخ أن المباديء الأربعة التي اقترحها الرئيس شي خلال الاجتماع تعكس مدى التزام الصين بعلاقات حسن الجوار والمنفعة المتبادلة والتعامل بصورة متساوية مع الجميع، كما تعكس موقف الصين الثابت في التعايش السلمي ونشر السلام في عموم العالم كون الصين تؤمن بالمصير المشترك للبشرية وتدافع عن التعددية وتعمل على تعزيرها. وقال إن "تعزيز الدور الصيني الفعال في القضايا العالمية المهمة سوف يقلل من التوترات ويقود إلى السلام والتعايش السلمي بين جميع الشعوب على الرغم من اختلافها من حيث الثقافة واللغة والدين، فالصين عنصر اطمئنان". في الوقت نفسه، أشاد الخبير العراقي بدعوة الرئيس الصيني إلى إقامة تعاون ثلاثي مع إفريقيا على أساس الاحترام الكامل لإرادة الدول الأفريقية، قائلا "هذه الدعوة تحمل أهمية كبيرة." وأضاف أنه اذا حدث تعاون مشابه مع الدول العربية على غرار التعاون الثلاثي الصيني الأوروبي الأفريقي المحتمل وفق المباديء التي ذكرها الرئيس شي فإن المنطقة بل الاقتصاد العالمي كله سوف يشهد تحسنا ملحوظا، لأن الدول العربية توجد فيها موارد طبيعية وثروات كثيرة واقتصادها واعد. وأوضح "إذا توفرت الخبرة الصينية والأوروبية والتخطيط السليم والتعاون المشترك المبني على أساس المنافع المتبادلة فإن ذلك سوف يقود الى تعافي الاقتصاد العالمي بأسره وأعتقد أن ذلك يمكن تطبيقه من خلال مبادرة الحزام والطريق وأثبتت نجاحها في الدول المنضوية فيها". ورأى ابراهيم السواعير، الناطق الرسمي باسم اتحاد الكتاب الأردنيين، أن الاجتماع أسهم في إشعار العالم بوجود رغبة حقيقية في تجاوز أزمة الجائحة وتخفيف آثارها وفق رؤية اقتصادية تقوم على التبادل والمنافع من خلال رؤية مشتركة، مؤكدا أن أهمية ذلك تتأكّد في وجود فرص استثمارية كبيرة في هذا الاتفاق الضروري. واعتبر السواعير المبادئ التي طرحها الرئيس الصيني في الاجتماع بمثابة "شروط ضامنة للاستمرار ووضوح الرؤية، فعلاوة على تحقيق نمو ومؤشرات اقتصادية تكاملية ونسبية بين الطرفين، تؤكّد الرؤية على ضرورة الحفاظ على السلام والتعايش الإنساني السلمي، وتغليب مصلحة الاتحاد الأوروبي في تعاونه مع الصين". وأكد على أهمية الشراكة الرقمية بين الجانبين الصيني والأوروبي كـ"ردّ قوي وتكاملي من الاتحاد الأوروبي والصين بما لديهما من إمكانات رقمية وتقنية هائلة على محاولات الاختراق والعبث بأمن البيانات، ولا شكّ أن ذلك يسهم في التطوير السليم للحوكمة العالمية في الاقتصاد الرقمي". وقال إن العرب من الممكن أن ينسحب الاتفاق الصيني الأوروبي الأفريقي عليهم في أن يكونوا شركاء فاعلين ومستفيدين من ثمار هذا التعاون انطلاقا من مقدرات البلدان العربية وحضورها الكبير، كدول لها صداقات مع الصين الاتحاد الأوروبي أيضا.
مشاركة :