كان للمأمون مجلس نظر، (أي مجلس مناظرات)، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب، حسن الوجه، طيب الريح، فتكلم فأحسن العبارة، فلما انفض المجلس دعاه المأمون فقال له: اسرائيلي أنت ؟ (يعني يهودي؟). قال: نعم . فقال له: أسلم حتى أفعل بك، وأصنع لك. ووعده المأمون خيرا إن أسلم . فقال اليهودي: بل ديني ودين آبائي. ثم انصرف. فلما كان بعد سنة، جاء اليهودي مسلما، وتكلم في الفقه والحديث، فأحسن الكلام، فلما انفض المجلس، دعاه المأمون وقال له: ألست صاحبنا بالأمس ؟ قال: بلى . قال: فما سبب إسلامك ؟ قال اليهودي: انصرفت من مجلسك في ذاك اليوم، فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنا أحسن الخط (يعني أجيد الكتابة)، فعمدت إلى "الإنجيل" فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها وأنقصت منها، وأدخلتها الكنيسة، فاشتريت مني ولم يكلفوا أنفسهم أن يقرأوها أو يراجعوها، ثم عمدت إلى "التوراة" فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها وأنقصت منها، وأدخلتها البيعة (معابد اليهود)، فاشتريت مني، ولم يقرأوها ولم يراجعوها، ثم عمدت إلى "القرآن" فكتبت ثلاث نسخ وأدخلتها الوراقين، فقالوا: لا نقبلها حتى نقرؤها ونراجعها. فاكتشفوا أخطاءها، واكتشفوا الزيادة والنقصان، فأحرقوها وكادوا يقتلونني، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ من الله، فكان هذا سبب إسلامي . قال يحيى ابن أكثم: فلقيت سفيان ابن عيينة، فذكرت له الخبر، فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله عز وجل، في قوله تبارك وتعالى عن اليهود والنصارى "بما استحفظوا من كتاب الله" (المائدة٤٤)، فجعل حفظ التوراة والإنجيل إليهم فضيعوهما وبدلوهما وحرفوهما، وقال عن القرآن: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر٩). نعم .. لقد حفظ الله هذا الدين، وحفظ كتابه، وفي التاريخ شواهد عديدة على ذلك، وما علينا الا الاطلاع والاتباع، فلنجعل كتاب الله نبراسنا ليحفظنا الله. *** قال أحد كبار السن لأولاده: قد حدّثناكُم عن جوعٍ مرّ بِنَا، وإنّي لأخشَى أن تحدّثوا أبناَءكم عن نعمةٍ مرّت بِكُم. وعظ فأوجز. د.عصام عبداللطيف الفليج
مشاركة :