حكاية هذا اليهودي شائعة منذ عام 2012، وهي تغيب لتعاود الظهور مع كل وسيلة إعلام جديدة، وقد بُعثت مؤخرًا في الفيس بوك، وفي تويتر، وفي الواتس أب، ثم كانت الطامّة الكُبرَى حين وجدت طريقها إلى مقال نشرته صحيفة محلية رسميّة يوم الجمعة الماضي 24/ 7/ 2015. وقد أعطى كاتب المقال هذه المرة الحكاية مصداقية كبيرة، فهو طبيب وبروفيسور، وله تاريخ طويل ناجح في طب النساء والتوليد، ورغم ذلك فقد أورد الحكاية حرفيًّا كما يتداولها العامة من الناس، دون توضيح، أو مراجع بحثية، أو رأي علمي دقيق. العالِم اليهوديّ المدعو روبرت غيلهم (لا وجود له)، يعمل في معهد أينشتاين الطبي (لا يدرج اسمه مع أعضاء هيئة التدريس)، وهو زعيم اليهود فيه (المعهد يهودي تابع لجامعة يشيفا Yeshiva اليهودية). اكتشف هذا العالِم أن «جماع الزوجين ينتج عنه ترك الرجل لبصمته الخاصة لدى المرأة، وأن كل شهر من عدم الجماع يسمح بزوال نسبة معيّنة تتراوح ما بين 25 إلى 30 بالمائة، وبعد الأشهر الثلاثة تزول البصمة كليًّا، ممّا يعني أن المطلّقة تصبح قابلة لتلقّي بصمة رجل آخر». لن نتوقّف كثيرًا عند الـ10 بالمئة الباقية، ولا عند معنى قابلية التلقّي عند المطلّقة، فالذي يعنينا هو أن العالم قد أعلن إسلامه بمجرد معرفته لإعجاز القرآن في سبب تحديد عدّة الطلاق للمرأة بمدة 3 أشهر (المدة ذاتها تحدّدها الشريعة اليهودية كعدّة للمطلّقة، وللأرملة، فلماذا لا ينبهر اليهودي بالإعجاز التوراتيّ؟ وما سبب تحديد عدّة الأرملة المسلمة بأربعة أشهر وعشرة أيام؟). الحكاية تزداد تشويقًا، فلكي تبهرنا لا بد من إضافة بُعد دراميّ وهو أن العالِم خرج من المعمل إلى الشارع، فاختار حي أفارقة مسلمين بأمريكا ليجري تجاربه، فاتّضح أن النساء يحملن بصمات أزواجهنّ فقط. ثم إنه تحرّى الأمر في حي تسكنه أمريكيات متحرّرات، فاتّضح أنهنّ يمتلكن بصمات متعدّدة. (أين وجد حيًّا سكنيًّا بهذا التصنيف؟) انتهى البحث عند زوجة العالِم الذي صُعق حين وجدها تمتلك ثلاث بصمات. ولتأكيد خيانتها لا بدّ من الإثارة: «إذ اكتشف أن واحدًا من أبنائه الثلاثة فقط هو ابنه». والآن، خلاصة القصة التي ستغذّي غرور المتلقّي المسلم، وتمده بنشوة وسعادة قصوى، تصريح العالِم المبجّل أن: «المرأة المسلمة أنظف امرأة على وجه الأرض». هل هذا عالِم فخور بنتائج بحثه الجيني البيولوجي، أم أنه رجل مجروح الكبرياء، ومصدوم في زوجته، وفي أخلاق النساء غير المسلمات؟ أي تعميم أجهل من هذا يمكن أن يتبناه عالِم قضى عمره في البحوث، وفي المعامل، وفي الإحصاء الدقيق للظواهر واختلاف التفاعل في العينات؟ وأي حكاية أضعف من هذه يمكن لكاتب طبيب، وبروفيسور مشهور أن يتبنّاها كمادة لمقالته في صحيفة رسمية؟ الحكاية المزعومة قديمة، تموت حين يكثر الهجوم والتكذيب على عناصرها الواهية، ثم تظهر من جديد كلّما زاد الحماس العاطفي للدفاع عن الإسلام، ولو بترهات تجعلنا أضحوكة للعالم. تعود الحكاية المفبركة بحذافيرها الدرامية، فلا تضيف تعريفًا علميًّا للبصمة الزوجية، ولا تشرح كنهها، ماهيتها، موضعها، تفاصيل بقائها وزوالها، طرق فحصها ووسائل تحليلها، ولا تعطي المتسائلين رسمًا توضيحيًّا، ولا عنوان ورقة بحثية، ولا مرجعًا علميًّا، ولا ترصد إحصاءات دقيقة، ولا تتبرّع حتى ببريد إلكتروني للتواصل. في كل مرة يطالب القرّاءُ العلماءَ والباحثينَ بالتدخل والفصل في القول، وللأسف حين كتب الطبيب المختص والمتبحّر في مجاله، صادق بلا حجّة على ثبوتها، وهلّل وكبّر، ثم أهمل المصدر.
مشاركة :