حتى وقت قريب، كان فن القصة، هو سيد الأجناس الأدبية في الوطن العربي بما في ذلك الإمارات، تزامنت هذه السيادة مع الشعر، قبل أن تمسي الرواية سيدة المشهد، والتي يقبل عليها الشباب، لأسباب معروفة ذات علاقة بطبيعة المدينة والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الملحة وغيرها. تطورت القصة العربية، كما يدرس النقد من خلال مراحل عدة، بدءاً من تأثرها بفن المقامة والخرافة والقصص على لسان الحيوان، حتى أواخر القرن التاسع عشر، ومطالع القرن العشرين التي بدأت فيه القصة تتخلص تدريجياً من تأثيرات التراث، لتستفيد من القصة الغربية مروراً بشكلها المعروف القصة التيمورية نسبة إلى محمود تيمور - الذي يعتبر هو والمنفلوطي، ومحمود طاهر لاشين، أول من قدموا شكلاً متطوراً لفن القصة، مع عدم إغفال ما قدمه توفيق الحكيم، وإبراهيم المازني، وطه حسين من كتابات رصينة في هذا المجال، انتهاء بسيد فن القصة والرواية نجيب محفوظ. جاءت مرحلة يوسف إدريس وعدد من رموز سوريا والوطن العربي، لتقدم نماذج معروفة في فن القصة الذي أدى فيما بعد إلى انتشارها بشكل لافت في أقطار الوطن العربي. في الإمارات لم يكن الوضع استثنائياً، سوى من جهة بدايات تطور هذه القصة والظروف الخاصة التي مرت بها منطقة الخليج، حيث ترافقت مع بداية تشكل الاتحاد في مطلع سبعينات القرن الماضي، مع إضافة مهمة تتعلق بمضمون هذه القصة، والتي اشتغلت على الواقع الاجتماعي الخاص الذي يتعلق بهموم الأسرة وقضايا الزواج والطلاق، مروراً بمرحلتي الثمانينات والتسعينات حتى الآن، مع استفادة ملحوظة من التأثيرات الجديدة التي طرأت على المجتمع بفعل الازدهار الاقتصادي والتركيبة السكانية، وأثر ذلك كله على الفرد، ناهيك عن بروز تحولات اجتماعية ونفسية عديدة رصدها قاصون كثر. في الجانب الفني، بدأت عجلة النقد ترصد فنيات القصة و جمالياتها، بعيداً عن النظرة التقليدية التي تحصرها في المتن القصصي، والذكاء والبراعة والتشويق، بالاستفادة من القصة العالمية، كما هو في القصة النفسية وأستاذها الكاتب الروسي أنطون تشيخوف الذي يعتبر أب القصة القصيرة في العالم بلا منازع. يقول عبد الرضا السجواني: الذكاء الشديد والبراعة في سرد القصص، لما تنطوي عليه من دهشة وتشويق، كان سبباً مهماً في ازدهار فن القصة في الوطن العربي، والسجواني يشير إلى التقنيات الجديدة في القصة القصيرة كاللقطة السينمائية وتراسل المدركات وأعماق اللاشعور، أي الاتكاء على الحلم أو الكابوس. يؤرخ الناقد عزت عمر لفترة الثمانينات وما بعدها، بوصفها المرحلة التي شهدت وفرة في عدد القاصين الإماراتيين، فيذكر إبراهيم مبارك وقصته (الطحلب) 1987، و(عصفور الثلج) 1991، و(خان) 1999، و(ضجر الليل) 2005. وفي قائمة عزت عمر، يرد القاصون: عبد الحميد أحمد (السباحة في عيني خليج يتوحش) 1982، و (على حافة النهار) 1992، و سعاد العريمي ومجموعتها الأولى (طفول) 1990، و(حقل غمران) 1997، باسمة يونس (عذاب) 1987، و (اغتيال أنثى) 1988، و(طريق الحياة) و1989، مروراً بناصر جبران (ميادير) 1999، و(نافورة الشظايا) 1993، وعائشة الزعابي (للموت لغة) 1997، و(غشاوة) 2001، و(للحياة نوافذ أخرى) 2006. وفي كل ما رصده النقاد، يبرز اسم سلمى مطر سيف، بوصفها من جيل الثمانينات ومجموعتها (عشبة) 1988، و(هاجر) 1992، كما أصدرت مجموعة مشتركة مع أمينة عبد الله بعنوان (النشيد) 1987، كما يبرز اسم مريم فرج.. وفي السياق ذاته هناك صالحة غابش التي كتبت القصة والشعر والرواية، وأسماء الزرعوني التي نوعت هي الأخرى في كتاباتها بين القصة والرواية، وسارة الجروان، وفاطمة الكعبي، وعائشة الكعبي، وفاطمة المزروعي التي بدأت قاصة (ليلة العيد.. نموذجاً) 2003، كما يرد اسم الأديب محمد المر بوصفه علامة بارزة في هذا الميدان، وقد أنتج نحو 13 مجموعة قصصية اشتملت على 165 قصة قصيرة. من جهة أخرى، وفي رصد للقصة الإماراتية الجديدة، المنسوبة لجيل الشباب، فقد تنوعت نتاجاتهم في المضامين والأشكال، وأصبح هناك اهتمام بالأسلوب والتقنية المكتوبة بها القصة العالمية، وإذا كان المجتمع هو ذلك الحيز، الذي يستقي منه الكاتب القاص موضوعه الأدبي، فإن طريقة التناول والمعالجة، بدت مختلفة من كاتب إلى آخر، فعائشة الكعبي مثلاً في قصتها السر الدفين وهي مجموعة صدرت قبل نحو خمس سنوات، التقطت الصور السلبية في المجتمع، من خلال ما تعانيه المرأة، لكنها كتبت قصة مفعمة بالتصوير، وهو المنحى ذاته الذي بدأت فيه مسيرة القص، تستفيد من الأجناس الإبداعية الأخرى، كالتشكيلات اللغوية المطعمة بالهندسة التشكيلية كما هو في (أطوار الظل) لوفاء خازندار، وبات المشهد القصصي يحمل أسئلة قلقة متعددة، فتنوعت تناولاته وانشغالاته، وانصهر في بوتقة المشكلات الكونية، كما بدأت مرحلة جديدة من طرح الأسئلة. ليلى البلوشي، على سبيل المثال، في صمت كالعبث تكتب بنوع من التشويق، وهي تستفيد من التجربة العالمية، في ضخ الكثير من القضايا المؤرقة، إلى جانب استفادتها من الاختزال والتخييل. التفاصيل الحياتية البسيطة، كان لها نصيب في القصة الإماراتية الجديدة، وهو ما التفتت إليه صالحة عبيد، مع اهتمامها أيضاً بالموضوعات الاجتماعية، ولكن ضمن معالجة مختلفة وأسلوب جديد كما هو في زهايمر التي كتبت بلغة جديدة تستوعب التطور الحاصل في تقنيات القصة العالمية. في (أبدو ذكية) لمريم الساعدي، ثمة استفادة واضحة من الثقافة العالمية، والنزوع الإنساني الأرحب، دون رتوش، دون أقنعة، الكتابة في هذا السياق كشفت عن إنسانية الإنسان، ورحابة مطلقة يكتشف المرء من خلالها ماهية دوره في هذا الخضم الواسع من الصراعات والأفكار والتحولات الكثيرة.
مشاركة :