سك العملة.. جماليات توثق للحضارة

  • 7/30/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة - عثمان حسن: إن مفردة سك التي ترد مصاحبة لكلمة النقود، كما درج في عبارة (سك العملة) هي مفردة تحيل على النقش، وعملية سك العملة ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالفنون الإسلامية، حيث (السك) هنا، فيه دلالة على السياق الاجتماعي وأيضاً الاقتصادي ، في التاريخ الإسلامي. من جانب آخر فالسك، عملية تاريخية ارتبطت بأول مرحلة من التحضر البشري ، والحديث في هذا الموضوع ، هو حديث طويل وشائق، حيث يذكر المؤرخون أن التفكير في السك ، ارتبط بالبحث عن عملة لها قدرة على البقاء، مع بداية تعرف الإنسان إلى المعدن ، لما يتصف به من تماسك ، وبوصفه قابلاً للاستمرار مدة زمنية أطول ، وقد اكتشف المعدن نحو القرن الرابع قبل الميلاد، حيث كانت في ذلك الزمن تسك تبعاً لمسؤولية الأفراد الذين ينقشون أسماءهم عليها، ومع بدء تشكل الدولة ، تحملت عملية السك وتبعات العملة وما يصاحبها من عملية تبادل. النقاد يدرجون السك ، تحت علم أو مصطلح المنمنمات لما له علاقة بفن التصوير، حيث يرد أن أول عملية سك تمت في عهد الملك كرويسيوس (ملك ليديا) من الأسرة الميرمنادية (561 - 546 ق م) هم أول من سك النقود المعدنية من الذهب والفضة ، اعتماداً على رأي المؤرخ الشهير هيرودوت، وبعدها انتشرت إلى جميع بقاع العالم ، مروراً ببلاد الإسلام، التي نقشت على نقودها في بداية الأمر عبارة التوحيد. والسك بهذا المعنى، هو تعبير عن هوية الأمم ، ووثيقة شاهدة على حضارات الشعوب، مروراً بالزمن الحالي، الذي تتبوأ فيه العملة مكانة رفيعة في المبادلات التجارية بوصفها من ملامح القواعد الناظمة للدول وعلاقاتها مع بعضها بعضاً. سك اليونانيون العملة، بعد عهد الملك كرويسيوس، وتبعتهم بلدان حوض المتوسط، مرورا بإيران والهند ، كما قام المصريون والبابليون وغيرهم بسك العملة. في العهد الإسلامي ، ما قبل الأمويين، كانت العملة المتداولة ، ذات هوية غير إسلامية ، حتى جاء العهد الأموي ، وجرت أول عملية سك في أيام الخليفة عبد الملك بن مروان في دمشق ، وفي عهده عربت العملة ، وانتشر ما يعرف بالدينار، وهو الشكل الذي اصطبغ بهيئة عربية إسلامية. في العهد الأموي أصبحت العملة تسك لتحمل خصائص الفن الإسلامي، وأصبحت عربية وبعيدة الشأن عن العملة البيزنطية ، التي جرى استخدامها طويلاً في بواكير العهد الإسلامي ، وفي العهد العباسي صدرت العملة مذيلة بتواريخ الإصدار، مع اهتمام بالخط الكوفي وكتابة اسم الخليفة تحت عبارة الشهادتين. في العهد الفاطمي، تطورت عملية السك بإضفاء نقوش وزخارف كثيرة ، مع اهتمام بالخط الكوفي أيضاً، أما في عهد الأيوبيين ، فاختلفت كثيرا من حيث الشكل والتصميم الفني للعملة ، التي بدت الزخارف فيها قريبة الشبه من ملمح الفنون التشكيلية ، مع اهتمام بذكر اسم الخليفة واسم حاكم مصر. وهكذا، صار لكل عهد إسلامي طريقته في سك العملة . ففي العهد المملوكي، أيام حكم شجرة الدر، زينت العملة بعبارة (المستعصمة الصالحية ملكة المسلمين والدة المنصور خليل أمير المؤمنين) مع عبارة مطولة للتوحيد. يصف المؤرخون في العهد المملوكي العملة ، التي كانت تزينها صورة الظاهر بيبرس بأنها من أجمل عملات تلك الفترة لدقة نقوشها وجمالها. ومع بدء عهد الدولة العثمانية ، ودخولها مصر، ظهرت أشكال جديدة للعملة ، فقدت الكثير من شخصيتها الإسلامية ، وعبرت فقط عن رمز السلطة الحاكمة. اهتمام المسلمين بسك العملة ، نسبه المؤرخون إلى عدة خلفاء منهم: عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه، الذي في عهده سكت الدراهم الإسلامية بدلاً من الفارسية ، بتأكيد عبارات الحمد لله، أو محمد رسول الله، أو لا إله إلا الله وحده، أيضاً في عهد الخليفة عثمان بن عفان ضربت الدراهم مع زيادة في عبارة التكبير .

مشاركة :